التعليم واللغات > اللغويات

تاريخ اللغة الإسبانية

تاريخ اللغة الإسبانية: من البدايات إلى الوقت الحالي

الإسبانية واحدةٌ من أكثر اللغات المتحدث بها العالم؛ إذ إنها اللغة الرسمية في أكثر من 20 بلدًا في العالم، وتُعدُّ اللغة الإسبانية اللغة الأم لنحو 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، ويتحدث ملايين الأشخاص هذه اللغة بطلاقة بصفتها لغةً ثانية.

ومع ذلك، لا يدرك كثير من الناس كيف تطورت اللغة الإسبانية على مر السنين، بدءًا من الوقت الذي تحدث فيه سكان شبه الجزيرة الإيبيرية فقط في القرن التاسع هذه اللغة، إنها أكثر من لغة جميلة تجعل الشعرَ والموسيقى ساحرين، كما أن الإسبانية لها تاريخٌ غني. سواء أكان هدفُك العيشَ في إسبانيا والدراسةَ في إحدى مدارسها أم مجرد معرفة المزيد عن اللغة، فإن هذه المقالة ستمنحك مقدمةً جيدة عن السياق التاريخي للغة الإسبانية الذي سيسمح لك بفهمها فهمًا أفضل.

أصل الإسبانية بصفتها لغة

تُعرف اللغة الإسبانية أيضًا باسم Castilian لأنها نشأت أولًا في منطقة Castilla في إسبانيا، تقع كاستيلا في شبه الجزيرة الإيبيرية، وهي منطقة تقع فيها دول البرتغال وأندورا وجبل طارق وإسبانيا. نشأت الإسبانية جزءًا من اللغات الرومانسية الإيبيرية أو اللغات الإيبيرية الرومانسية إلى جانب القشتالية الإسبانية والبرتغالية والجاليكية والكاتالونية، وهي اللغات الرومانسية الأخرى التي نشأت هناك، ولكن الإسبانية انتشرت أكثر في القرون اللاحقة.

تنحدر اللغات الرومانسية الإيبيرية جميعها، وفيها الإسبانية القشتالية، فعليًا من اللاتينية العامية، أي التي تتحدث بها الطبقة الكادحة والمزارعون والتجار والجنود، وليس اللاتينية الكلاسيكية المستخدمة في الأدب، وكانت اللاتينية العامية تتغيرُ باستمرار لأن المجموعات المختلفة من الأشخاص الذين يتحدثون بها كانوا يتفاعلون بعضهم مع بعض، وقد اختلطت اللاتينية تدريجيًا مع لغات الشعوب المحلية المختلفة التي كانت تعيش في شبه الجزيرة قرونًا، مثل الإيبيريين والكلت.

 الفتح الروماني وتأثير اللاتينية:

ذهب الرومان إلى شبه الجزيرة الإيبيرية في القرن الثالث قبل الميلاد ليستقروا فيها، ولم يفرضوا اللغة الرسمية، اللاتينية، على سكان شبه الجزيرة الإيبيرية، لكن السكان تعلموها؛ أصبحت اللاتينية تدريجيًا اللغة الثانية في هذه المنطقة وأصبح الناس هنا ثنائيي اللغة.

طرأت على اللاتينية عدة تغييرات بسبب بعض الخصائص المحلية، وأصبحت لاحقًا لهجةً مختلفة تمامًا تُعرف باللاتينية الإسبانية (الهسبانية)، ومن ناحية أخرى، أصبحت اللغة الإسبانية المحلية المستخدمة في هذه المنطقة متأثرةً باللاتينية العامية.

 تأثير الغزو الهمجي في الإسبانية:

في نهاية القرن الرابع، انتهى تأثيرُ الرومان إلى شبه جزيرة إيبيريا، وبدأ القوط الغربيون حكمَهم هنا في هذه المرحلة الذين كانوا من أصل ألماني وتحدثوا شكلًا من أشكال اللغة الألمانية. كان ذلك عندما أثرت هذه اللغة بعينها في الإسبانية المحكية مسبقًا في هذه المنطقة، وبدأ سكان شبه الجزيرة الإيبيرية تدريجيًا يتحدثون شكلًا من اللغة الإسبانية التي تأثرت بكل من اللاتينية العامية والألمانية العامية.

كان هذا عندما كُتب أول النصوص الإسبانية نحو عام 1140؛ إذ إن أقدم أدب إسباني مسجل في العصور الوسطى هو مخطوطة تدعى Glosas Emilianenses. ومع ذلك، فإن القصيدة الملحمية El Cantar de Mio Cid هي أشهر نص من بين الأقدم. كُتبت El Cantar de Mio Cid وكذلك العديد من القصائد الأخرى في تلك الحقبة لوصف الأنشطة اليومية وقصص النبلاء في ذلك الوقت.

 

التأثير الإسلامي في الإسبانية:

وصل الغزاة المسلمون المغاربة إلى إسبانيا عندما كانت بعض الممالك القوطية القديمة ما تزال في السلطة نحو القرن الثامن، وقد جلبوا معهم لغةً وثقافةً جديدتين ومختلفتين تمامًا عن أي شيء رآه الإيبيريون من قبل، إنها العربية؛ إبان استقرار المسلمين في شبه الجزيرة الإيبيرية، تأثر سكان هذه المنطقة تأثرًا كبيرًا بهم، بما في ذلك لغتهم.

استعارت اللغة الإسبانية الكثير من العربية، لا سيما فيما يتعلق بالمفردات والدلالات، واستمر الفتحُ المغربي الإسلامي مدةً حتى أصبحت مملكة قشتالة الصغيرة قوية بما يكفي لإعادة احتلال الأراضي التي سكن فيها المسلمون في القرن الحادي عشر الميلادي. بعد ذلك، غزا القشتاليون الأراضي جميعها التي هي إسبانيا اليوم، وكذلك العديدَ من المناطق المجاورة لها الأصغر مساحة، وكانت لغتهم حينها تتضمن بعض التأثير الإسلامي وتمكنوا من نشرها إلى أراضيهم التي تشكلت حديثًا. وهكذا، ليس فقط مملكة قشتالة بل أيضًا العديد من الأراضي الأخرى المحيطة بها بدأت تتحدث الإسبانية.

نشأت الإسبانية التي تأثرت بعمق أكبر باللغة العربية في الأندلس، خصوصًا حول غرناطة، وكان هذا حتى عام 1492، عندما وقعت غرناطة تحت حكم الملوك الكاثوليكيين المشهورين فرناندو وإيزابيل، فقد أصبحت تحت حكمهم الإسبانية لغةً رسميةً لإسبانيا كلها، بما في ذلك غرناطة، وظلت اللغة الإسبانية منذ ذلك الحين معروفةً باسم القشتالية - وهي كلمة ما تزال اليوم مرادفة للغة الإسبانية.

 الإسبانية في أمريكا:

تحت رعاية كريستيان كولمارس وإيزابيل، بدأ كريستوفر كولومبوس زيارته لاكتشاف أراضٍ جديدة في عام 1492، وهي السنةُ نفسُها التي أصبحت فيها المسيحية واللغة الإسبانية أساسًا لإسبانيا، أول بلد في أوروبا أصبح إقليمًا وطنيًا من الممالك المجتزأة. ويُقال إن كولومبوس اكتشف أمريكا (هناك نظريات تقول إنه لم يكن الأول) وأسس جذورًا للاستعمار الإسباني وغزو الشعوب الأصلية في القرون اللاحقة.

بعد كولومبوس، جاء المبشرون من أجل التبشير بالمسيحية بين السكان الأصليين، حاملين معهم لغتهم الأم - الإسبانية. كان من المفترض أن تُستخدم اللاتينية في الأرض الجديدة ولكن المبشرين وجدوا من الأسهل نشرَ رسالتهم المسيحية بلغتهم الإسبانية الأصلية، واستُخدمت اللغات الثلاث -اللاتينية والإسبانية واللغة الأصلية في الأرض الجديدة- في التواصل بعد ذلك؛ تأثرت الإسبانية مرة أخرى بلغات جديدة ومتنوعة من هذا العالم الجديد، وفي الوقت الذي غادر فيه المبشرون الإسبان أمريكا، كانت لغتهم قد شهدت تغييرات مهمة.

 

العصر الذهبي للأدب الإسباني:

تُعدُّ المدة بين القرن الخامسَ عشرَ والقرن السابعَ عشرَ بعد الميلاد العصرَ الذهبي للأدب الإسباني، أو Siglo de Oro. لقد بدأت مباشرة بعد عودة كولومبوس إلى إسبانيا بعد اكتشافه الكبير لأمريكا، عندما نُشر جزءٌ مهم من الأدب في ذلك الوقت؛ نشر الباحثُ الشهير (أنطونيو دي نيبريخا) كتابًا بعنوان Gramatica de la Lengua Castallana، أو قواعد اللغة القشتالية، وتشمل المنشورات البارزة الأخرى خلال العصر الذهبي للأدب الإسباني أعمال Cervantes وLope de Vega وFrancisco de Quevedo وCalderon de la Barca.

قد يكون (ميغيل دي ثيربانتس) أشهر كاتب في العالم، وهو مؤلفEl Ingenioso Hidalgo Don Quijote de la Mancha، أو "سير كيشوت من لا مانتشا من طبقة النبلاء الأصلية"، المعروف أكثر شيوعا باسم دون كيشوت. نُشر في مجلدين منفصلين في عامي 1605 و1615، وكان يتمتع بشعبية هائلة في تلك الحقبة. كتاب دون كيشوت هو مجموعةٌ من القصص الفكاهية عن النبلاء التي يطلق عليها اسم كيشوت وسانتشو بانزا، ومغامراتهم المتعددة، وما يزال اليوم أحد أكثر الكتب شعبية في الأدب العالمي. ومن ناحية أخرى، كان (لوب فيليكس دي فيغا كاربيو) شاعرًا مشهورًا ومحبوبًا عاش في العصر الذهبي. أصبح كاهنًا في أيام لاحقة، لكن مواهبه الشعرية كانت استثنائية، كان مسرحيًا وكاتبًا مسرحيًا وشاعرًا وكتب أكثر من 2200 مسرحية في حياته، وكانت "جمال أنجيليكا" قصيدته الأكثر شعبية وأبرز مسرحياته هي "السيدة الحمقاء" (1613)، و"فوينتي أفيجون" (1614)، و"الفارس من أولميدا" (1622)، و"العقاب بلا ثأر" (1631).

شاعرٌ وكاتبٌ مسرحي آخر من هذه الحقبة كان (بيدرو كالديرون دي لا باركا)، المشهور بمسرحياته "فانتوم ليدي آند لايف". كان جزءًا من مجموعة الدراما القضائية وكتب مباشرة من أجل متعة الملك فيليب الرابع، وبسبب عمله الممتاز وموهبته، كان (كالديرون) قد أصبح فارسًا في وسام سانت جيمس العسكري - الذي كان في الحقيقة شرفًا خلال تلك الفترة.

لم يكن (فرانثيسكو غوميز دي كيفيدو إي فيليغاس) شاعرًا فقط، بل كان أيضًا هجاءًا شهيرًا، أكثر اهتمامًا بالسياسة منه في الأدب. تحوي أعماله مجموعةً متنوعةً من النغمات، من التفاني إلى الفحش، وهو مشهور خصوصًا بروايته الساخرة الخلابة بعنوان La Vida del Buscon (1626)، وتُترجم إلى The Life of a Scoundrel أو "حياة الصعلوك"، وكانت هذه الشخصيات الأدبية البارزة في العصر الذهبي هي التي ألهمت الكتَّابَ والشعراءَ والكتَّابَ المسرحيين والروائيين في إسبانيا.

كانت Historia Verdadera de la Conquista de la Nueva Espana واحدة من أبرز نشرات هذا العصر من قِبل الراهب (بارتولومي دي لاس كاساس)، وكان (خوان دي لا كويفا) مسرحيًا معروفًا بكل من كتاباته المأساوية والكوميدية، وقد كتب عن الأبطال والنبلاء في أغانيه The Challenge of Zamora، The Liberation of Spain by Bernado del Carpio and The Seven Princes of Lara.

وبدأت النساءُ أيضًا في الانتشار خلال هذه الحقبة كاتبات؛ إذ كانت (ماريا دي زاياس يا سوتومايور) كاتبة مشهورة، وكان عملها البارز بعنوان Novelas Amorosas y Ejemplares أو The Enchantment of Love (1637)، كما ركز بعض الكتاب الذكور على الروايات والقصائد النسوية خلال القرن العشرين.

الأكاديمية الإسبانية الملكية

تُشرف الأكاديميةُ الملكية الإسبانية على إنشاء اللغة الإسبانية إنشاءً صحيحًا في جميع أنحاء العالم دون أية أخطاء تحت شعار "للتطهير والتصحيح والتعزيز"، وتعمل في أكثرَ من 21 دولة لتحسين المعرفة باللغة الإسبانية، أعضاءُ هذه الأكاديمية هم عادة باحثون ومؤرخون وكتَّابٌ وصحفيون ومعلمون وعلماءُ لغة يكرسون أنفسهم ​​للحفاظ على اللغة الإسبانية.

تأثير الانترنت في الإسبانية:

وصلت اللغة إلى مستوى جديد تمامًا مع ظهور الإنترنت؛ التواصل سهل للغاية في هذه الأيام، وأصبح من الأسهل التواصل مباشرة مع شخص يتحدث لغة أخرى من بلد آخر ومجتمع آخر، كما تُضاف كلماتٌ جديدة إلى القاموس الإسباني بسرعة، مثل Google، selfie، blog، chat، Facebook، tweet، unfriend، photobomb – وهي كلمات دولية الآن، ولا تنتمي إلى لغة معينة فقط.

كما تغيَّر المعنى التقليدي لبعض الكلمات مثل wall أو tag أو tablet أو like في الآونة الأخيرة، وتُنشأ بعض الكلمات الجديدة فقط للإنترنت، مثل podcast وvlog وweblog. في غضون بضع سنوات، توسع القاموس الإسباني أضعافًا.

مثل أي لغة أخرى، مرت الإسبانية بعدد من التغييرات عدة قرون، وهي واحدة من أجمل اللغات الغنائية الحية التي يتحدث بها عدد كبير من الناس في أنحاء العالم أجمع. ما بدأ من مزيج من اللغات المحلية واللاتينية العامية هو الآن إحدى أهم لغات التواصل الدولي، لغةٌ متغيرةٌ ومتجددةٌ باستمرار وساحرة دائمًا، لغةٌ شاعريةٌ ورومانسيةٌ وتعلُّمها سهلٌ بالنسبة إلى معظم الثقافات الغربية، والتحدث بها مبهج.

المصدر: 

هنا