التعليم واللغات > اللغويات

اللغة الثانية في الطفولة المبكّرة

إذا ما بحثنا في موضوع تعلُّم اللغة الثانية في مرحلة الطفولة المبكّرة فسوف نجدُ أنَّ هناكَ آراءً متناقضةً بخصوصِ هذه القضية؛ إذ أكد علماءُ لغويات ضرورةَ إتقان الطفل لغته الأم جيدًا في السنوات الثلاث الأولى من عمره، ما يُسهِّل عليه تعلمَ لغةٍ ثانية دون أية صعوبات في المستقبل، وفي المقابل؛ يرى مؤيدو التعليم المبكر للغات الأجنبية أن الطفل في هذا السن يكون أقدر على اكتساب أكثرَ من لغة دون أن يؤثر ذلك في لغته الأم.

تقول «نايا فيريان راميريز» الباحثة في جامعة «واشنطن» أنَّ الأطفال الذين يستخدمون لغتَين منذ الولادة يصبحون ناطقِين أصليين بكلتيهما، في حين غالبًا ما يعاني البالغون عند تعلُّم لغة ثانية، ونادرًا ما يصبحون ناطقين أصليين بها، ولكن يظل لدينا السؤال الآتي: هل يمثّلُ تعلُّم لغتَين معًا أمرًا يُربِك الأطفال؟

 

أشارت الأبحاث إلى أن الأطفال يبدأون بتعلم الأصوات اللغوية قبل ولادتهم، ففي الرحم يُعدُّ صوت الأم واحدًا من أبرز الأصوات التي يسمعها الطفل قبل أن يُولَد، وبمجرَّدِ ولادته يمتلك القدرة على التمييز بين اللغات.

أوضحت «راميريز» أنَّ تعلُّمَ اللغات يعتمد على عملية معالجة الأصوات؛ إذ تتكون لغاتُ العالم جميعُها من 800 صوتٍ وتَستخدم كلُّ لغة 40 صوتًا لغويًا تميزها عن غيرها. ويمتلك عقلُ المولود عند الولادة قدرةً عظيمة، ألا وهي إمكانيةُ معرفة الفرق بين تلك الأصوات البالغ عددها 800 جميعها، وهذ يعني أنه يمكن للمواليد عند هذه المرحلة تعلمُ أية لغة يتعرضون لها، وتدريجيًا يميِّزُ المواليدُ الأصوات التي يسمعونها على الأغلب.

 وفي المدة ما بين 6 و12 شهرًا، يصبح المواليدُ الذين ينشأون في أُسرٍ أحادية اللغة أكثرَ تخصصًا في تمييز الأصوات في لغتهم الأم؛ أي إنهم يصبحون متخصصين في اللغة الأم، وبمرور سنة على ولادتهم؛ يبدأ أولئك الأطفال بفقدان قدرتهم على سماع الاختلافات بين أصوات اللغات الأجنبية. ولكن؛ ماذا عن أولئك المواليد الذين يسمعون لغتين منذ الولادة؟ هل يمكن أن يكون عقلُ المولود متخصصًا في لغتين؟ وإذا كان هذا ممكنًا، فكيف تكون هذه العملية مختلفةً عن التخصص في لغة واحدة؟

إن معرفة الكيفية التي يتعلُّمُ بها عقلُ المولود لغةً واحدةً مقابل تعلُّم لغتين يُعد أمرًا مهمًا لفهم المراحل التطورية في تعلم التحدث، فعلى سبيل المثال، غالبًا ما يتساءل والدا الأطفال ثنائيي اللغة عمَّا هو نموذجيٌّ أو متوقعٌ وما هو ليس كذلك، أو كيف سيختلفُ طفلهم عن الأطفال الذين يتعلمون لغةً واحدة.

تقول «راميريز» إنها درست مؤخرًا وزملاءَها المعالجةَ الدماغيةَ للأصوات اللغوية لدى المواليد البالغين من العمر 11 شهرًا، وهم إما من أُسرٍ تستخدم لغة واحدة وهي الإنكليزية فقط وإمّا من أُسرٍ أخرى تستخدم لغتين وهما الإنكليزية والإسبانية، واستخدم هؤلاء الباحثون تكنولوجيا تسمى (تصوير الدماغ المغناطيسي) magnetoencephalography (MEG) التي تشخِّصُ توقيتَ النشاط وموقعَه في العقل أثناء استماع المواليد إلى المقاطع الإسبانية والإنكليزية، ووجد الباحثون بعض الاختلافات الرئيسة بين المواليد الذين نشأوا في أُسرٍ أحادية اللغة وأولئك الذين نشأوا في أسرٍ ثنائية اللغة، فبعد مرور 11 شهرًا من الولادة، وقبل أن يبدأ أغلبُ المواليد في التحدث بكلماتهم الأولى كشفت تسجيلات الدماغ ما يلي:

إنَّ المواليدَ الموجودين ضمن أسرٍ أحادية اللغة (الإنكليزية) متخصصون في معالجة أصوات الإنكليزية وليس الإسبانية التي تُعد لغةً غيرَ مألوفة لهم، في حين أنَّ المواليدَ في منازلَ ثنائيةِ اللغة (الإنكليزية والإسبانية) متخصصون في معالجة أصوات اللغتين كلتيهما، وأظهرت نتائج الدراسة أيضًا أنَّ التبديل بين اللغتين code-switching يمثل جزءًا من تطور اللغة الطبيعي عند الأطفال ثنائيي اللغة، بل ويمكن أن يمثل بدايةً لما يعطيهم البراعة المعرفية الإضافية المعروفة باسم "ميزة ثنائية اللغة".

 ووجدت الأبحاثُ أن البالغين والأطفال ثنائيي اللغة قد أظهروا تحسنًا في الأداء التنفيذي للدماغ؛ يعني ذلك قدرتَهم على التركيز بين المهام وحلِّ المشكلات بسهولة أكبر، وُجد أيضًا أن ثنائيي اللغة لديهم مهاراتٌ لغوية؛ أي القدرة على التفكير بشأن اللغة في حد ذاتها وفهم كيفية عملها، كما أن هناك دليلًا على أن الشخصَ ثنائيَّ اللغة يستطيع تعلم لغةٍ ثالثةٍ بسهولة.

ولمعرفة المزيد عن هذه الدراسة يمكنكم متابعة هذا الفيديو هنا

ذلك؛ إذا أردت لطفلك أن يتعلمَ أكثر من لغة، فربّما من الأفضل البدءُ في مرحلةٍ مبكرة، فذلك لن يُربِك طفلك، بل قد يعطيه القدرة على تعلُّم المعارف الأخرى.

المصدر: 

هنا

هنا