الطب > طب الأسنان

علاج عصب الأسنان والزرعات السنية؛ أيهما أفضل؟

يُعرَّفُ الألمُ حسبَ المنظمة الدولية لدراسةِ الألم بأنَّهُ تجربةٌ حسيّةٌ عاطفيةٌ مزعجةٌ؛ مترافقةٌ معَ ضررٍ محتملٍ أو فعليٍّ على الأنسجةِ المصابةِ¹، هذا ويُعَدُّ ألمُ الأسنان من أصعب الآلامِ الّتي قد اختبرها الإنسانُ نظرًا لوجودِ عددٍ كبيرٍ من الأعصاب في الحفرةِ الفمويّةِ مقارنةً بباقي أعضاءِ جسمِه².

يَدفعُ الألمُ الشديدُ المصاحبُ للنخورِ والرضوضِ والكسورِ السنيّة ِالمرضى إلى اتّخاذِ قراراتٍ غير صائبة للتخلُّصِ من هذهِ الآلام، كالطلبِ من طبيبِ الأسنان قلعَ السنِّ المصابةِ، وهنا تبدأُ الحكاية...

كانتْ مُهمَّةُ طبيبِ الأسنان تاريخيًّا قلعَ الأسنانِ بوصفِه العلاجَ الجذريَّ لكلِّ ألمٍ،³ ولكنْ مع تطور العلوم؛ أصبحَ أطباءُ الأسنان يُولونَ أهميةً كبرى لعلاج الأسنان، بدءاً بالمعالجاتِ المحافظةِ وصولاً إلى علاجِ لبِّ (أو عصبِ) الأسنانِ بأنواعه المختلفة (وهو ما يعرَفُ عاميّةً بسحبِ العَصَب)، بل أصبحَ طبيبُ الأسنانِ الذّي يصنعُ فَرْقًا في مهنته -في عُرفِ اليومِ- هو الذي يُبقِي على السنِّ أطولَ وقتٍ ممكنٍ.

وبسببِ هذا الخلافِ بينَ المريضِ -الذي يريدُ الخلاصَ من الألمِ بقلع السنّ- وطبيبِ الأسنانِ -الذي يريدُ خلاصَ السنِّ بالحفاظِ عليهِ من القَلع؛ ظهرتْ كثيرٌ من الخياراتِ العلاجية، والتي قد تتضاربُ آراؤُها أحيانًا بين أطباءِ الأسنان أنفسِهم وعلى رأسِها الخلافُ الشهيرُ بينَ أخصائيّي العلاجِ اللُّبيّ والجراحينَ وأخصائيي الزرعاتِ، تُرَى منْ على حقٍّ منهم؟

يقولُ الدكتورُ خايمي لوزادا؛ أستاذُ ومديرُ برنامج التعليم المتقدِّمِ في زراعة الأسنان في جامعةِ  لوماليندا الشهيرةِ: "إنَّ إجراءَ مقارنةٍ بينَ نوعَي المعالجةِ غيرُ عادلٍ"؛⁴ إذْ يجبُ مناقشةُ كلِّ حالةٍ مرضيةٍ نقاشًا منفردًا، ثمَّ مناقشةُ الخياراتِ العلاجيةِ الممكنةِ، ويتساءلُ الدكتورُ ديفيد ليتل؛ طبيبُ الأسنانِ العامِ؛ في مناظرةٍ علميةٍ عام 2015 شاركَ فيها العديدُ من أطباءِ الأسنانِ منَ الاختصاصاتِ المختلفةِ: "ما هو تاريخُ الحالة؟ وهل الحالةُ قابلةٌ للترميم؟"⁴؛ في إشارةٍ منهُ إلى أنَّ كلَّ حالةٍ يجبُ أنْ تُدرسَ منفردةً.

والعلاجُ اللبيُّ ( أو سحبُ العصب) هو علاجُ لبِّ الأسنانِ الذي يضم مجموعةَ الأعصابِ والأوعيةِ الدموية التي تسكنُ قناةَ الجذرِ والحُجرةَ اللبيّةَ في التاجِ السنيّ، ويُعالَجُ السنُّ إمَّا بحمايةِ العصبِ وتغطيتِه وإمّا باستئصالهِ الكاملِ أوِ الجزئي، إضافةً إلى تقنياتٍ أُخرى أكثرَ تعقيدًا لا مجالَ لتفصيلِها هنا.( اقرأ  أكثر عن العلاج اللبيّ (هنا وهنا) ).

لكنْ؛ كمَا ذكرْنَا آنِفًا؛ إنَّ المرضى وبسببِ تجربةِ الألمِ قدْ يفضلّونَ الحلولَ العلاجيةَ التي تزيلُ الألمَ على نحوٍ أسرع، لذا يفضلونَ قلعَ السنِّ بالطرائقِ الجراحيةِ، الأمر الذي من شأنهِ أنْ يُحدِثَ فقدًا في الأسنانِ، وبذلك فهو يتطلّبُ تعويضَ هذا الفقدِ؛ وهنا يأتي دورُ زراعةِ الأسنانِ بوصفِها الخيارَ القائمَ الأوّل.

وتُستخدَمُ زراعةُ الأسنان منذُ العام 1960، ولكنَّها بدأت مؤخّرًا تصبحُ العلاجَ الأكثرَ فعاليّةً في تعويضِ فقدِ الأسنان؛ لنتائجِها المحمودةِ والمديدة، والتي لها استطباباتُها العديدةُ؛ إذ تُسهِمُ في التعويضِ عن الأسنانِ المفقودةِ إمَّا على نحوٍ مفردٍ، أو على شكلِ تعويضاتٍ ثابتةٍ (جسور) أو متّحركةٍ (بدلةٍ متّحركة) تُركَّبُ على الزرعاتِ (اقرأ أكثر عن زراعةِ الأسنانِ (هنا) ).

ولأهميةِ الموضوع؛ وفي زمنِ المعلومات؛ أصبحَ كثيرٌ من مستخدمِي الإنترنتِ يبحثونَ في الشبكة، علَّهم يجدُونَ ضالَّتَهُم في السؤالِ عنِ العلاجِ الأجدَى، ممّا استرعَى انتباهَ مجموعةٍ من أطباء الأسنان الباحثين من كليّة العلوم الصحيّة؛ كليّةِ طبِّ الأسنانِ؛ جامعةِ أدلايد في أستراليا، و قسمِ طبِّ الأسنانِ المحافظِ وعلاجِ الجذور؛ كليّةِ طبِّ الأسنان؛ جامعةِ كالياري في إيطاليا، ومنْ خلالِ بحثٍ مشترك في عامِ 2016 لإجراء دراسةٍ عن كلٍّ من كميةِ المعلوماتِ الموجودةِ على الشبكةِ التي تُعنَى بالموضوعَين ومدى دقةِ المعلوماتِ المتوافرةِ؛ خَلصَ الباحثونَ المشتركونَ في الدراسة إلى أنَّ هناكَ ندرةً في المعلوماتِ المتاحة على شبكةِ الإنترنتِ للجمهورِ العام  فيما يتعلّقُ بالسؤالِ السريريّ المحدَّدِ (علاجُ العصبِ أمِ التَّعويضُ بالزرعة؟) على الرغم من تطابقِ محتوى صفحاتِ الويبِ معَ الأدبياتِ العلميةِ المتاحةِ، وخلصوا أيضًا إلى أنَّ إمكانيةَ الوصولِ إلى المعلوماتِ وسهولةَ استخدامِها، وموثوقيَّتَها وجودتَها معتدلةٌ أو منخفضةٌ إلى حدٍّ كبير.5

إذاً؛ لا تكمنُ الإجابةُ في البحثِ على الإنترنتِ، ولا حتّى في أيِّ علاجٍٍ أقلَّ ألمًا أو أعلى تكلفةً، إذ يقولُ الدكتورُ بوب ديفيس المشاركُ في المناظرةِ العلميةِ الّتي ذكرناها سابقًا: "على الرّغم منْ معدلاتِ النّجاحِ المرتفعةِ طيلةَ خمسِ سنواتٍ لعلاجِ قناةِ الجذرِ وزراعةِ الأسنان؛ فهنالكَ حاجةٌ إلى دراساتٍ سريريةٍ طويلةِ الأمدِ "عشرٍ إلى خمسَ عشرةَ سنةً" قبلَ استنتاجاتٍ عن معدلِ نجاحِ الزرعاتِ مع التّعويضِ فوقها".

وعليهِ لا يمكنُ القولُ  بتفوُّقِ علاج على آخرَ؛ إذ إنَّ لكلِّ علاجٍ استطباباتٍ ومضاداتِ استطباب، لذا استشرْ طبيبَ أسنانِكَ الخاصَّ دائمًا، وحاولْ الاستئناسَ بآراءٍ أخرى، وتذكَّرْ دائمًا بأنَّ مهمةَ طبيبِ أسنانِكَ هي علاجُها في المقام الأوّل وليَس قَلعُها، وأنَّه ما من مادةٍ على وجهِ الأرض تساوي قيمةَ أسنانِكَ.

المراجع:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا

5 - Rossi-Fedele G، Musu D، Cotti E، Doğramacı EJ. Root Canal Treatment versus Single-Tooth Implant: A Systematic Review of Internet Content. J Endod. 2016 Jun;42(6):846-53. doi: 10.1016/j.joen.2016.02.011. Epub 2016 Apr 12. Review. PubMed PMID: 27080114.