البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

داءُ هنتنغتون وأملٌ جديدٌ لعلاجِ السَّرطان - الجزء الأول

في كلِّ يومٍ؛ ومن دونِ توقُّفٍ؛ يَستمرُّ الباحثون في المخابرِ البيولوجيَّةِ وفي جميعِ أنحاءِ العالَمِ بدراسةِ مُختلفِ أنواعِ السَّرطاناتِ ومحاولةِ إيجادِ الحلولِ لها دونَ مللٍ أو كللٍ.

هذا ما يُنجِزهُ البروفيسورُ بيتر (Marcus Peter) وفريقُه البحثيّ من أجلِ استنباطِ طرائقَ ناجحةٍ للقضاءِ على السَّرطان.

وبالعودةِ إلى ما قبلَ مئاتِ القرون؛ وبالتَّقريبِ إلى أكثرَ من مليارَيِّ عامٍ مضى؛ كانَ أوَّلُ ظهورٍ لحياةٍ مُتعدِّدَةِ الخلايا على سطحِ الأرض، والتي كان يجبُ عليها التَّعاملَ مع مُختلفِ الأمراضِ؛ ومنها السَّرطان، سواءً بالوقايةِ منهُ أو بمحاربتِه؛ لذلك كان يجبُ على الطَّبيعة أن تُطوِّرَ آليةََ  فشلٍ آمنةً؛ كما سمَّاها البروفيسور بيتر؛ لمنعِ حدوثِ السَّرطان أو محاربتِه في أثناءِ ظهورِه، ولولا ذلك لَما كنَّا لِنبقى حتَّى الآن.

 ومن هنا بدأَ البروفيسور بيتر وفريقُه بالبحثِ عن جُزيئاتٍ طبيعيَّةٍ مشفَّرةٍ في الجينوم؛ وهي التي تقتلُ السَّرطان؛ إذ قال: "كنَّا نعرفُ أنَّه من الصَّعبِ جدًّا العثور على هذه الجُزيئات"؛ فآليَّةُ القتلِ لن تكونَ نشطةً في الخليَّةِ الواحدةِ إلَّا في لحظةِ تحوُّلها إلى خليةٍ سرطانيَّةٍ. والبحثُ عن الجزيئاتِ المسؤولةِ عن آليَّةِ القتلِ سيكونُ كالبحثِ عن إبرةٍ في كومَةِ قشٍّ.

ففي جامعةِ Northwestern Medicine؛ اكتشفَ علماءٌ - منهم البروفيسور بيتر، والأستاذةُ المُساعدة مورمان- سببَ سُمّيَّةِ داءِ هنتنغتون للخلايا السَّرطانيَّةِ؛ والتي أمكنَ تَسخيرُها كمقارباتٍ جديدةٍ لعلاجِ السَّرطان.

فقد أظهرَت هذه الدّراسةُ الجديدةُ المُتعلِّقةُ بمرضى داء هنتنغتون - والذي يُعَدُّ من الأمراضِ الجينيَّةِ القاتلةِ، والمُسبِّبَة لِتلفِ الخلايا العصبيَّةِ في الدِّماغ - أنَّ هؤلاء المرضى أقلُّ عُرضةً للإصابةِ بمرضِ السَّرطانِ  بنسبةِ 80% مُقارنةً بعمومِ النَّاسِ.

     1. الجُزيء الشَّبح: مُفتاحُ القتل = (Kill-switch)

اكتشفَ البروفيسورُ بيتر وفريقُه البحثيِّ تسلسلاتٍ في الجينومِ البشريِّ، والتي بعدَ تحويلِها إلى رنا مُزدَوجٍ؛ أي ذي سلسلتَين؛ أدَّت إلى ما كانوا يعتقدونَ أنَّه ُمفتاحُ القتلِ القديمِ The Kill-switch في الخلايا؛ والذي يمنعُ حُدوثَ السَّرطانِ. فقد كان بيتر وفريقُه يبحثونَ عن الجُزيء الشَّبح مدةَ عملٍ وصلَت إلى ثمانيةِ أعوام؛ إذ قال بيتر: "إنَّنا نعتقدُ أنَّ هذه هي الآلية التي مكَّنَت الكائنات مُتعدِّدةَ الخلايا من القضاءِ على السَّرطانِ قبلَ تطويرِ جهازِ المناعة النَّوعيِّ، والذي يبلغُ عُمره قرابةََ 500 مليون عام. ويُمكن أن تكونَ آليةُ الفشلِ الآمنِ الشَّيءَ الذي أجبرَ الخلايا الشَّاذَّة على الانتحار، بالإضافة إلى اعتقادنا بأنَّ هذه الآليةََ نشطةٌ في كُلِّ خليَّةٍ، وهي ما يحمينا من الإِصابةِ بالسَّرطان".

وقد اكتُشِفَ السِّلاحُ الطَّبيعيُّ القاتلُ عندَ مرضى داءِ هنتنغتون من قِبَلِ الأستاذةِ المُساعِدة مورمانAndrea Murmann، والتي عملتْ مع البروفيسور بيتر في أبحاثٍ سابقةٍ؛ عندما حدَّدا ذلك الجُزيءَ الشَّبحَ الذي يُدعى (مُفتاحُ القتلِ القديم = Kill-switch)؛ والذي يُعدُّ جُزيئًا قبليًّا قديمًا، وهو موجودٌ في جميعِ الخلايا؛ وبدوره يَقضي على السَّرطان.

إذ صرحَت الأستاذةُ مورمان أنَّه توجدُ حالاتٌ -عند بعض المرضى-  يكونُ فيها الجزيءُ Kill-switch مفرطًا في النَّشاطِ؛ مما يُسبِّبَ فُقدانًا في الأنسجة؛ فهؤلاء المرضى لم يكونوا معرّضين للإصابة بمرضِ هنتنغتون فحسب؛ بل إنَّ احتمالَ إصابتهم بالسَّرطان يكون بنسبٍ مُتدنِّيةٍ أيضًا.

     2. أولُ اكتشافٍ لسمية الـ siRNAs:

بحثت العالمةُ مورمان عن الأمراضِ ذاتِ المعدَّلاتِ المُتدنِّيةِ للإصابةِ بالسَّرطان؛ والتي تَشتِبهُ في مُساهمة الرنا RNA في زيادةِ مرضيَّةِ الدَّاء، فقد كان داءُ هنتنغتون هو المرضُ الذي كانت تبحثُ عنه.

وسببُ داءِ هنتنغتون هو الوَفرةُ الزَّائدةُ لبعضِ أنواعِ سلاسلِ الرنا؛ بسببِ تَكرُّرِها في جيناتٍ مُعيَّنةٍ، وبروتينُ الهنتنغتون موجودٌ في كُلِّ خليَّةٍ أيضًا. ويُعَدّ العيبُ الذي يُسبِّبُ هذا المرضَ سامًا جدًّا فيما يخصُّ الخلايا الورميَّة، وتُدعى هذه السَّلاسلُ المُتكرِّرةُ بِـالرنا الصَّغيرة المُتدخِلة؛ لتداخلها في مسار التَّعبير الجيني siRNAs = small interfering RNAs؛ والتي تهاجمُ الجِيناتِ المَسؤولةَ عن بقاءِ الخليَّة على قيدِ الحياة.

بالإضافة إلى أنَّ الباحثةَ والأُستاذةَ المُساعدة مورمان قد استخدمَت هذا الجُزيءَ القاتل بامتيازٍ siRNAs في علاجِ الخُطوطِ الخَلويَّةِ (خلايا تَنتمي إلى النَّسيجِ نفسِه) لسرطاناتٍ مُتعدِّدةِ كَسرطانِ المبايضِ والأَثداءِ والبروستاتِ والكبدِ والدِّماغِ والرئتين والجلدِ والقولون، وهذا عندَ كُلٍّ من الإنسانِ والفِئران، فقد قتلَ هذا الجُزيءُ كُلَّ الخلايا السَّرطانيَّة عندَ كِلا النَّوعين.

إذ قالَ المُؤلِّفُ بيتر -وهو البروفيسور المُراقبُ لأمراض السَّرطانِ في جامعة Northwestern University Feinberg School of Medicine-: "هذا الجُزيءُ قاتلٌ بامتيازٍ لجميعِ أنواعِ الخلايا السَّرطانيَّة؛ إذ إنَّنا لم نرَ حتّى الآن شيئًا بهذه القوَّةِ من قَبل".

     3. اختبارُ فعَّاليَّة الجُزيء القاتل بامتيازٍ siRNAs:

تعاون كلٌّ من البروفيسورِ بيتر والطَّبيب شاد Shad Thaxton -والذي يُعدُّ أستاذًا مُشاركًا في عِلمِ المسالكِ البوليَّة من الجامعةِ نفسِها- في اختبارِ الجُزيء القاتل بامتيازٍ في حالاتِ المُعالجةِ؛ إذ قدّمَ العالِمان الجُزيءَ القاتلَ بامتيازٍ على شكلِ جُسيماتٍ نانويَّةٍ إلى فئرانٍ مُصابةٍ بسرطانِ المبيضِ البشريِّ، وقد أظهرَ العلاجُ انخفاضًا واضحًا في نُموِّ الورمِ مع انعدام تَسمُّمِ الفئران. وحينها قال البروفيسورُ بيتر: "لم يُطوِّر الورمُ مُقاومةً لهذا النَّوعِ من العلاج".

     4. التَّحدِّي:

كان أوَّلُ تحدٍّ هو معرفةُ طريقةِ كيفيَّةِ زيادةِ فعاليَّةِ العلاج؛ إذ يهذّبُ العالمان طريقةَ تقديمِ الجُزيء حتَّى يصلَ إلى الورمِ ويقضي عليه بفعاليَّة.

وأمّا التَّحدِّي الآخر الذي يعملُ عليه العالمان فهو استنباطُ طريقةٍ لتحقيقِ الاستقرار في الجُسيمات النانويَّة، إضافةً إلى إمكانيَّةِ تخزينِها.

نتابع معكم في الجزء الثاني من المقال للحديث عن تطوير جزيئات siRNA وقدرتها العالية على قتل الخلايا السرطانية.

المصدر: 

هنا

هنا