الفيزياء والفلك > فيزياء

أكسيد الفاناديوم: مادة فريدة تبدو وكأن درجة حرارتها تنخفض عند تسخينها

جميعنا نعلم من خلال ممارستنا اليومية أنه في عندما نقوم بتسخين أي جسم تبدأ حرارة هذا الجسم بالارتفاع ويزداد الإشعاع الصادر عنه أليس كذلك؟ ليس صحيحاً بالضرورة فقد أظهرت نتائج دراسة قام بها باحثون من جامعة هارفارد على أغشية رقيقة (بسماكة 150نانومتر) من أوكسيد الفاناديوم VO2 متموضعة على طبقة من الياقوت أنه عند تسخين هذه البنية من الدرجة 75الى 85 مئوية تبدأ كمية الإشعاع الصادرة عنها بالتناقص (أي تبدو وكأنها تبرد) ويلاحظ ذلك بمراقبة العملية بكاميرا للأشعة تحت حمراء (أو كاميرا حرارية).

ندعو العلاقة بين معدل الأشعاع الصادر عن جسم ما ودرجة حرارته بقانون ستيفان - بولتزمان للإشعاع والذي ينص على أن معدل الاشعاع الصادر عن الجسم عند كل الترددات تتناسب مع القوة الرابعة لدرجة الحرارة T4 مضروبة بمقدار يعبر عن خواص مادة الجسم حيث ندعو هذه المقدار "انبعاثية" المادة. عند زيادة T تزداد T4 بشكل كبير . فبالتالي ليس بالإمكان تفسير هذا الانخفاض الشديد في معدل الطاقة الحرارية الصادرة عن الجسم إلا باعتبار أن الانبعاثية تنخفض بسرعة أكبر من زيادة T4.

لفهم ما يحصل نبدأ ببنية أكسيد الفاناديوم فهذه المادة مميزة جداً بسبب الاختلاف الشديد لخواص الطورين العازل و طور الناقلية المعدنية تنتج عنها هذه التغيرات الاستثنائية في قيمة الانبعاثية الإشعاعية لأكسيد الفاناديوم ضمن مجالات صغيرة من درجات الحرارة.

لقد عرف العلماء لفترة طويلة أن أكسيد الفاناديوم في حالة وجود عينة منه ذات حجم (بدلا من أن تكون طبقة رقيقة جداً) يتعرض لانتقال طوري من الحالة العازلة إلى حالة الناقلية المعدنية عند درجة 67 مئوية، أما عند فحص هذا الانتقال الطوري في حالة الطبقة الرقيقة وعند مراقبة الانتقال من الحالة العازلة للحالة المعدنية ببطء بتغيير في تدريجي في درجة الحرارة لا يتجاوز 0.5 درجة مئوية في حالة طبقة رقيقة من أكسيد الفاناديوم على طبقة اساسية من الياقوت تمكن فريق البحث من ملاحظة الانخفاض الغير مألوف للانبعاثية الإشعاعية بتفصيل أكثر.

عند ارتفاع الحرارة العيّنة ضمن المجال الحراري الذي يحدث عنده الانتقال الطوري يبدأ ظهور مناطق معزولة صغيرة جداً (كأنها جزر معزولة) ذات ناقلية معدنية في المادة العازلة مشكلةً ما يدعوه العلماء بـ"المادة الخارقة الغير منتظمة طبيعياً". فقبل الانتقال الطوري يكون امتصاص العينة للأشعة تحت الحمراء كبيراً وبالتالي اصدارها لهذه الأشعة من جديد (أي انبعاثيتها) سيكون كبيراً أيضا. أما خلال اللحظات التالية من الانتقال الطوري فهناك امتصاص أقل للأشعة تحت الحمراء أي انبعاثية أقل ويسبب تداخل الأشعة عبر الطبقة الرقيقة من أكسيد الفاناديوم ارتداد الأشعة تحت الحمراء ذهاباً واياباً بين طبقة اكسيد الفاناديوم وطبقة الياقوت الأساسية مما يسبب انخفاضاً في قيمة الانبعاثية الاشعاعية للعينة. عادة ما تتم هندسة المواد الخارقة بجمع مواد مختلفة الصفات وذلك على المستوى الذري أما هذا فقد وجد العلماء طريقة لكي يتم ذلك بشكل طبيعي أكثر نتيجة لأن العينة ذاتها ستحوي مناطق عازلة ومناطق ذات ناقلية عالية (ناقلية معدنية).

من التطبيقات العملية الواردة استخدام هذه التقنية لطلاء الدبابات بطبقة من هذه المواد لتمويهها عن الكشف حرارياً وبهذا الشكل لن تستطيع الكاميرات الحرارية (الأشعة تحت الحمراء) كشفها بسبب انخفاض الإشعاع الصادر عنها. كذلك فالتحكم بحرارة الأجهزة ضمن الأقمار الصناعية في الفضاء هو وجه آخر للطبيقات المحتملة لهذه المادة.

تتمحور الدراسات المستقبلية حول تعديل أكسيد الفاناديوم أو تغيير الركائز لإنتاج مجموعة كاملة من المواد التي ستفيدنا في مختلف الظروف. فمثلاً لكي نستطيع تمويه شخص أو حتى الدبابة السابقة علينا أن نصل لدرجة حرارة 35 درجة مئوية وليس 75 درجة مئوية لكي يحصل الانتقال الطوري.

أثار البحث اهتمام عدة علماء ممن لم يشاركو فيه فالبروفيسور المساعد في جامعة إيلينويز دان ويسيرمان يعبر عن ذلك بقوله " أعتقد أنه من الأمور الذكية في هذا البحث أن الفريق بدلاً من أن يرى مجال الانتقال الطوري مجرد صلة بين حالتين مختلفتين للمادة فقد رأوا فيها مجالا زاخراً بالتطبيقات الفيزيائية المثيرة للاهتمام. ففكرة المواد الخارقة المتشكلة طبيعيا فكرة مذهلة حقاً. وقد وظف الفريق مجال الانتقال الطوري للمادة لإظهار بعد الخواص المثيرة للاهتمام على المستوى المجهري. أتطلع قدماً لرؤوية ما سيحدث عندما يتابعون استكشاف هذه المنظومات من المواد وبشكل خاص على المستوى الذري".

نحن بدورنا نتطلع لذلك أيضاً

المصدر:

تظهر الصورة عينة من أوكسيد الفاناديوم وتبين الصورة الملونة تغير الاشعاع الحراري للعينة المدروسة في البحث عند ارتفاع درجة الحرارة

حقوق الصورة: Furmanj at the English language Wikipedia- M. KATS/HARVARD UNIV