منوعات علمية > منوعات

الوعي (الجزء الثاني).

أين تقعُ وحدةُ التحكم في الجسد؟

كما ذُكِرَ في الجزء الأول من المقال ، فالدماغ يُعَدُّ مركزَ الوعي، ولكن ليسَ الدماغ كله، فمهمةُ البحث عن مصدر الوعي ما زالت قائمة. الدماغ يتكونُ من أكثرَ من جزء، ثلاثة منها رئيسة: المخّ، والمُخَيْخ وجذع الدماغ . المخُّ هو المكونُ الأكبرُ من الدماغ، والذي يحتوي على قشرة المخ.

الجزءُ الأنشط من الدماغ في حال التفكير والوعي هو القشرةُ المخّيّة، أو ما يُعرف بالمادة الرمادية والبيضاء. فهذه المنطقة تتفعَّلُ عند الإحساسِ أو التفكير، وبالإمكان أيضاً التضييقُ في اختيارِ الجزء المسؤول إلى المنطقة الوسطى والخلفية من قشرة المخّ، والتي تُدعى بالمنطقة الخلفية الساخنة.

ففي إحدى التجاربِ قاموا بعرضِ صورةٍ لإحدى الشخصيات على العين اليسرى، وصورةٍ أخرى على العين اليمنى. ما نتوقعُهُ هو اندماجُ الصورتين، ولكنَّ العقلَ يصبُّ تركيزَهُ على إحدى الصورتين ومن ثُمَّ ينتقلُ إلى الثانية بشكلٍ متناوبٍ في حالة تُسمى بالbinocular rivalry. وهنا يرى الباحثونَ المكانَ النَّشِطَ في استقبالِ هذه الإشارات واستيعابها.

كانتِ المنطقة المسؤولة الفصَّ الصدغي الوسيط، وكان يستغرقُ وصولُ الإشارة للوعي بعد وضع الصورة ثانيتَيْن، ما قد يعدُّهُ البعض وقتاً كثيراً، وبعد ثانيةٍ تصلُ الإشارةُ إلى الفصِّ الصدغي الأوسط.

درست أحدثُ الأبحاث هذه الحالةََ على عدةِ مرضى مصابين بغيبوبةٍ أو فاقدين للوعي، وتوصّلوا إلى منطقتَين هما: الفص الجزيري والقشرة الحزامية

( ventral anterior insula  (AI) and pregenual anterior cingulate cortex (pACC

[٤،٥]. وهي أجزاءٌ من القشرة المُخِّية المسؤولة عن الحواس والشعور اللذَين وردَ ذكرُهما سابقاً.

الفص الجزيري والقشرة الحزامية بالترتيب

الجديرُ بالذكر هو عندما تُحفَّز هذه المناطقُ كهربائياً، يبدأ الشخص برؤية أشياءٍ وسماعِ أصواتٍ أو الشعور بشيءٍ غريب.

فهذا دليلٌ مباشرٌ على التلاعب بالوعي والمساس به، ودليلٌ آخر يستعملُهُ الباحثون هو نتائجُ عملياتٍ طبيةٍ تمًَّت خلال القرن العشرين.

بعضُ العمليات استُئصِلَ فيها الجزءُ الأمامي من الدماغ، وتلاها أعراضٌ كثيرةٌ منها الارتباكات في الكلام أو الحركة وعدم الشعور في تكرارها مثلاً. ولكن من ناحية أخرى زادت لديهم نسبةُ الذكاء، وكذلك لم يتأثرِ الوعيُ فيما بعد.

من ناحية اخرى، إذا أُزِيلَ جزءٌ ولو كانَ صغيراً من المنطقة الخلفية، فذلك يؤدي إلى فقدانِ جزءٍ من الوعي كالتعرفِ على الوجوه أو تمييزِ الألوان والأماكن.

فإذا عرفنا أنَّ الوعيَ يتأثرُ بهذه الحواس، فالنتيجةُ الطبيعيةُ هي أنَّ هذه المنطقة أيضاً مرتبطةُ الوعي.

بعد التعرف على تعقيد الوعي ومكان وجوده، تبقى المهمّةُ الصعبةُ هي كيفيةَ معرفة وجود الوعي بالنسبة للأشخاص، خاصةً المرضى، ما إذا كانوا نائمين أو غائبين عن الوعي؟ من الطُرق المعتادة للأطباء هي أن يَسألَ المريضَ تحريكَ طرفٍ من جسمه أو الكلام، ولكنَّ هذه الطريقةَ لطالما واجهت بعض المشاكل. افرضْ مثلاً أنَّ الشخصَ واعٍ ويسمع، ولكن لا يستطيعُ تحريكَ جسده أو الكلام ! هنا مَثَلُهُ كَمَثَلِ رائدِ الفضاء الذي يسمعُ نداءَنا ولا يوجدُ لديه ميكروفون ليردَّ علينا، لك أن تتخيلَ لو كان في ورطةٍ ويحتاج مساعدةً ولا يستطيع التواصلَ مع العالم الخارجي.

من أكثر الطرقِ استخداماً لقياس الوعي في الدماغ هي electroencephalogram )EEG): قياسُ فولتية قشرة الدماغ البسيطة (10-100 ميكروفولت). اكتشفها العالم الألماني هانز برغر سنة  ١٩٢٤.

وتطورت هذه الطريقة إلى ما هو أحدث وأكثر كفاءةً بما يُسمَّى اختبارَ Zapping and Zipping.

ويتم عن طريق بثِّ نبضاتٍ مغناطيسيةٍ للدماغ وتحليلها من خلال لوغاريتمية معيّنة، إذ كلما زادت نسبة النتيجة زادت الدلالةُ على وجود وعي، وهذه الطريقة ما زالت في طورِ التجربة والتطوير، ويحتاجُ العلم إلى طريقةٍ أكيدةٍ لقياس الوعي لأهمّيته في كثيرٍ من العلوم.

قبلَ ذلك علينا أن نجدَ التفسيرَ المناسبَ للوعي وتعريفه، وهذه مهمَّةٌ صعبةٌ بحدِّ ذاتها.

في الوقت نفسهِ يقومُ العلماءُ بتطوير الذكاء الاصطناعي يوماً بعدَ يوم، إذ إن GNW المسؤولة عن دراسة الدماغ والوعي، تتنبأُ بوجودِ الوعي للكمبيوتر في المستقبل القريب.

ولكن إحدى المعضلات الفلسفية هي أنَّهُ إذا استطعنا أن نطوّرَ وعياً اصطناعياً، أو محاكاة كمبيوترية لكائناتٍ تظنُّ أنَّ لديها وعياً، فهل هذا ينطبقُ علينا؟ ولعلَّ هذه الفكرةَ عُرِضت على نحوٍ رائعٍ في مسلسل westwolrd.

المصادر:

المصدر الرّئيسي:

هنا

مصادر داعمة:

[١] هنا

[٢] المعجم الوسيط-مجمع اللغة العربية بالقاهرة-صدر: 1379هـ/1960م

[٣] هنا

[٤] هنا

[٤]هنا

[٥] هنا

[٦] هنا