الطبيعة والعلوم البيئية > زراعة

أسمدة أقلّ ومحاصيلُ أكثر، والسرّ في الصين

جنى فلّاحو الصين مؤخّراً ثِمار البحثِ العلميّ الزراعيّ، إذ أُجريت دراسةٌ استقصائيّة حول القطاع الزراعيّ تناولت أفضل أنواع المحاصيل لزراعتها، وأكثر الأوقات المناسبة للزراعة وكميّات الأسمدة المثلى للاستخدام، وكانت هذه الدراسةُ دقيقةً لدرجةِ تحديدِ أعدادِ البذور الواجب زرعها للحصول على أفضل النتائج، ومُنِحت هذه التوصيات لقرابة واحدٍ وعشرين مليونَ مزارعٍ صينيّ.

ظهرت نتائج هذه الدراسة ظهوراً جليّاً عن طريق زيادة إنتاج كلّ من الذرة والقمح والأرز بقرابة 11 بالمئة من الإنتاج الكلّيّ، بينما أدّت إلى خفض استخدام الأسمدة بمعدّل 15 بالمئة لنوع المحصول الواحد لتوفّر بذلك ما يقارب مليوناً ومئتي ألف طنٍّ من النتروجين، إذ يُستَخدم في الصين قرابة 305 كيلوغرام من السماد لكلّ هكتار زراعيّ واحد سنويّاً، ممّا جعل الصين - سابقاً - من أكبر مستهلكي الأسمدة في العالم، وأدّى هذان الاختلافَان إلى أرباح وطنيّة قُدّرت بقرابة 12.2 مليار دولار للفلّاحين.

يوضّح المخطَّط الآتي تزايد استهلاك الأسمدة عالميّاً في السنوات الأخيرة (يبيّن المحور الشاقوليّ استهلاك الأسمدة الآزوتيّة والفوسفاتيّة والبوتاسيّة مقدَّراً بملايين الأطنان بينما يبيّن المحور الأفقي السنوات الّتي حصل فيها هذا الاستهلاك)

مصدر الإحصائيّات: FAO

لكنّ النتائج قد لا تُكرَّر بسهولة في أماكن أُخرى، فقد يكون صعباً على الدول النامية تطبيق المشروع بحجمه الضخم واستثماره الكبير لليد العاملة والمال؛ إذ أُقيمت 14000 ورشة عمل وبرنامج توعية بمساعدة أكثر من 1000 باحثٍ و65000 مديرٍ وتقنيّ، إضافةً إلى 14000 مندوباً من شركات زراعيّة، إلى جانب كونِ حكومة الصين المركزيّة قادرة على تطبيق سياساتها على البلد بكامله، وهذا ما لا يستطيع كثيرٌ من البلدان الإفريقيّة جنوب الصحراء الكبرى فعله.

ويوضّح المخطَّط الآتي النسبَ الإقليميّة ودون الإقليميّة لتزايد وتناقص استهلاك الأسمدة النتروجينية عالميّاً (ونلاحظ تفرّد شرق وجنوب آسيا بأكثر من نصف الاستهلاك العالمي 29.1% و 24.5% على الترتيب تليهم أمريكا اللايتينيّة بـ 17.6%)

مصدر الإحصائيات: FAO

تأتي أهميّة هذا المشروع من الأثر السيّئ الكبير للأسمدة والّتي غالباً ما ينتهي بها المطاف في مصادر مائية فتلوّثها، وكذلك تساهم الأسمدة في تحمِّض التربة وتسبّبُ الاحتباس الحراريّ عبر دفع الميكروبات في التربة إلى إطلاق مستويات عالية من غاز أكسيد النيتروز، وهو أحد الغازات الدفيئة وقادر على حبس الحرارة أكثر بـ 300 مرّة من ثاني أكسيد الكربون.

يوضّح المخطَّط الآتي انخفاض انبعاثات الغازات الدفيئة الناتج عن تنظيم استخدام الأسمدة (المحور الشاقولي يوضّح انبعاثات CO2 مقدَّرة بالكيلوغرام لكلّ طنّ من المحاصيل، والمحور الأفقيّ يوضّح أنواع المحاصيل الّتي جرت عليها الدراسة)

مصدر الإحصائيّات: Nature

وقد تنبّأت منظَّمة الأغذية والزراعة FAO التابعة للأمم المتحدة بأنّ الاستخدام العالميّ للأسمدة سيزداد بنسبة 1.4 بالمئة بين عاميّ 2014 و2018، وستكون الصين مسؤولةً عن نسبة 18 بالمئة من تلك الزيادة. لذا فقد أُجريت هذه الدراسة في محاولةٍ لإقناع المزارعين الصينيين بتغيير طرقهم في الزراعة، وقد نجحت في ذلك؛ إذ أعطتهم الزيادة في إنتاج المحاصيل حافزاً لتقليل استخدام الأسمدة.

وتوضّح لنا هذه الدراسة ما يمكن أن يحدث عندما توجِّه الأدلَّة العلميةُ الممارَساتِ الزراعيّة، ونأمل أن تتعلّم منها كل المجتمعات لنتمكن من تحقيق أهداف خفض انبعاثات الغازات الدفيئة وإنقاذ كوكبنا.

المصادر:

هنا

هنا