الطب > مقالات طبية

أُفقٌ جديدٌ في مُعالَجةِ إِكْزيما الأَطفال.

تُعَدُّ الإكزيما؛ والتي تُسمَّى (بالتهابِ الجلد التأتُّبي) أيضًا؛ من الأمراض الجلديّة المُزمِنة، والتي عادةً ما تكون مرافقةً لحالاتِ التَّحسُّس الغذائي، أو التهاب الأنف الأرْجي، أو حتَّى الرّبو، وقد تُشاهَدُ الإكزيما لدى البالغين، لكنَّها من الحالاتِ المُصاحِبة للطفولة غالباً، إذ تبدأُ بالظهورِ بينَ الشَّهر الثالث والسَّادس من العمر عادةً، وقد تختفي مع الفترة المُرافِقةِ لدخولِ الطفل إلى المدرسة. ويعتمدُ تدبيرُ الإكزيما الأساسيّ على الكِريماتِ المُرطِّبة والمخفِّفة للحكّة، لكنَّ الدراساتِ الجديدةَ استهدفت علاجًا يمنعُ حدوثَ هذه الهجمات، وسوف نسلّط الضوءَ عليه في هذا المقال.

 تصيبُ الإكزيما قرابةَ 17 % من الأطفال في البلدان النامية، وتَحدُثُ عادةً عند الوجودِ في بيئةٍ باردةٍ جافّة، أو حتى في بيئةٍ مرتفعةِ الحرارة قليلةِ الرطوبة، وقد تحدث نتيجةَ ضعفٍ في الجهاز المناعي يُقلِّلُ من قدرة الجلد الدفاعية تجاه العوامل الخارجية، ثمَّ إنّها قد تنتقل وراثيًّا من الآباء إلى أبنائهم، لكنَّ السببَ الأساسي للإصابة بها ما زالَ مجهولًا.

وتتظاهرُ الإكزيما على شكل سماكةٍ في الجلد، أو بُقعٍ حمراءَ متورِّمة، أو بُقعٍ جافّةٍ متقشّرة، وعادةً ما تكون حاكَّة، وقد تلاحظُها الأمُّ على جلدِ طفلها باكراً، وقد تلتبسُ مع ما يُسمَّى بقلنسوة المهد (قِرْف اللبن)، وهي حالةٌ تشابِهُ الإكزيما؛ تظهرُ عند الوليد وتختفي عادةً مع بلوغ الرضيع شهرَه الثامن، وما يميّزُ قلنسوةَ المهد أنَّها تتظاهر على الفروة والأجفان والحاجبَين وخلفَ الأذنين خاصَّةً، ثمَّ إنَّ آفاتِها تكونُ أقلَّ تقشُّرًا واحمرارًا من الإكزيما، في حين تحدثُ الإكزيما عادةً على شكل هجماتٍ؛ إذ يُمكِنُ للأعراض أنْ تخبو وتختفي فترةً من الزّمن، ثمّ لا تلبثُ أن تظهرَ مُجدّدًا، وتختلفُ تظاهراتُها حسب العمر؛ إذ تتظاهرُ إكزيما الرُّضَّع أساسًا على الوجه والرقبة والفروة والمرفقَين والركبتَين، في حين تظهرُ إكزيما الأطفال على الوجهِ الخلفي لكلٍّ من المرفقَين والرُّكبتَين، وتتظاهرُ على جوانب الفم وجوانبِ الرّقبة واليدَين والمعصمَين والكاحلَين. ويعتمدُ تأكيدُ الإصابة بالإكزيما على مشاهدةِ هذه الأعراض. وقد تكونُ الإصابةُ بأحدِ أمراض التحسُّسِ -سواءٌ كانَ غذائيّاً أم أنفيًّا أرجيًّا أم إصابةً بالرَّبو عند الطفل كما سبقَ وذكرنا- من العوامل المُساعدةِ في تشخيص الإكزيما. وقد يلجأ الطبيبُ في التشخيص إلى بعضِ الفحوصات الدّموية؛ كمعايرةِ Ig E الذي يرتفعُ في أمراض التّحسس؛ إذ يُشاهَدُ ارتفاعه لدى معظم الأطفال المصابين بالإكزيما.

وما جعلَ من الإكزيما موضوعًا للدراسة هو أنّه ما مِنْ علاجٍ شافٍ منها؛ إذ يقتصرُ تدبيرُها على التخفيف من الأعراضِ وخاصةً الحكّة عن طريق الكريمات أو المراهم الستيروئيدية، والمحافظةِ على رطوبة الجلد قدر الإمكان، والابتعادِ عن المُخرِّشات أو كلّ ما يُسبِّبُ تهيُّجَ الجلد، الأمرُ الَّذي دفعَ العلماءَ إلى البحثِ في خياراتِ العلاج الجذري وفي آليةِ حدوثِ هجمات الإكزيما؛ للعمل على إيجادِ كابحٍ لهذه الهجمات، فقد نَشرَتْ مجلّةُ Science Immunology  دراسةً تفيد بالتوصُّلِ إلى الجينِ المسؤولِ عن الكبح المناعي لهجمة الإكزيما، ولفهمِ ذلك؛ أجروا تجربةً على مجموعتَين من الفئران عُرِّضتا لِمحسّساتٍ جلديةٍ مختلفة، ثمّ عزلَ الفريقُ المختصُّ خلايا تُدعَى بالخلايا المُنظِّمة (regulatory T cells (Tregs من دمِ هذه الفئران وجلدها -وهذه الخلايا هي نوعٌ من الخلايا التّائيّة التي تتفعَّلُ في النمط الثاني من الاستجابة المناعيّة، وتساهم في كبح النشاط الأرْجيّ؛ إذ وجدَ الباحثون عدَّةَ جيناتٍ تعبّرُ عنها هذه الخلايا، أحدُها هو المستقبِل RORα الذي يمثّلُ عاملَ نسخٍ مسؤولًا بدوره عن التعبير عن جيناتٍ عدّة- ثمَّ استطاعَ علماءُ التجربةِ -عن طريق آليّةٍ معيّنةٍ- نزعَ مستقبلات RORα من خلايا Tregs بالتحديد، ولاحظوا إثْر ذلك تفشّيَ الحدثيَّة الالتهابيةِ الأرْجيّة تفشيًّا أكبرَ ولدى كلتا المجموعتَين من الفئران، ثمَّ إنّهم وجدوا ازديادًا ملحوظًا في عدد الخلايا المستجيبة للالتهاب، وتحديدًا الخلايا التائيّة المساعِدة من النمط الثاني ( T helper 2 (TH2، والخلايا السليفةِ اللمفاوية من النمط الثاني (  innate lymphoid cells (ILC2s، ويؤدّي كلٌّ من هذين النّمطين من الخلايا دورَ القائدِ في تفعيلِ الحدثيّة الأرْجيّة.

ودارت تساؤلاتُ علماءِ التجربة حول سببِ توقُّفِ خلايا Tregs عن وظيفتها في كبحِ الاستجابة الالتهابية عندما نزعوا مستقبلاتِ RORα، فتوصَّلوا إلى أنَّه بغياب هذه المستقبلات لم تتمكَّن خلايا Tregs من التعرُّف على سيتوكين يدعى بـ ( TNF ligand-related molecule 1 (TL1A؛ وهو المسؤول عن تفعيلِ كلٍّ من Tregs و TH2 و ILC2s، ممّا يعني حدوثَ تأثيرٍ مزدوجٍ؛ مفعِّلٍ للخلايا المستجيبة للالتهاب؛ ومثبّطٍ للآليّة الكابحة، ممّا جعلَ سيرَ السلسلةِ الالتهابية يحدثُ على نحوٍ أكبر وأسرع. وقد أضاءت هذه التّجربة أفقًا جديدًا يعتمد على مُستقبِلات RORα، لكنَّ البحثَ ما زالَ مُستمرًّا لتأكيدِ دورِ هذه المستقبلات في الحدثيّةِ الالتهابية الأرْجيّة لدى الإنسان، وما إذا كانت هذهِ المستقبلات أقلَّ حضورًا في حال الإصابة بالإكزيما، وبناءً على ذلك؛ اقترحَ العلماءُ عدّةَ مقارباتٍ علاجيّة؛ كاستخدام كريماتٍ موضعيّةٍ تحوي مركّباتٍ تُحفِّزُ مستقبلات RORα، أو البحثِ عن عواملَ جديدةٍ في الجلد مُحفّزةٍ لهذه المستقبلات وجعلِها موضعًا للدّراسة، وعلى الرّغم من أنَّ الدّراساتِ ما زالت قيدَ الإنجاز؛ لكنَّ الواقعَ مبشِّرٌ بالتوصُّلِ إلى أفضل الخياراتِ العلاجيّة وأبسطها؛ وفي وقتٍ ليس بالبعيد.

المصادر:

هنا

هنا

هنا