الغذاء والتغذية > مدخل إلى علم التغذية

الأجبانُ.. رفيقةُ الوجبات السَّريعة.. أم وجبةٌ خفيفةٌ وصحيَّة؟

الأجبانُ هي الصَّديقُ المرافقُ للبيتزا والبرغر والكثيرِ من الأطباقِ المكسيكيَّة والسَّلطات والسندويشات.. ولكنَّ هذا لا يعني أنَّها غير قادرةٍ على الظُّهور بمفردِها كوجبةٍ خفيفةٍ أو مع المقبِّلات الصحيَّة، ولكن يعتمدُ ذلك على الشَّخصِ الذي يتناوَلُها وطريقةَ استهلاكِه لها، ويرتبط ذلك ارتباطًا وثيقًا بالأنواعِ المستخدمة؛ فبعضُ الأجبان غنيَّةٌ بالبروتينات والكالسيوم، في حين نجد أنواعًا أخرى غنيَّةً بالدُّهون المشبعةِ والصوديوم.

وبالتأكيد فإنَّ أيَّ شخصٍ يعاني من حساسيَّة الحليب أو حساسيَّة الكازئين Casein (وهو البروتين الأساسيُّ في الحليب ومنتجاتِه) يجب أن يتجنَّب استهلاك أي نوعٍ من الأجبان، وأما الأشخاص الذين يعانون من عدم تحمُّل اللاكتوز فنجد بعضَهم قادرين على تناوُلِ أنواعٍ معيَّنةٍ دون أخرى وذلك حسْبَ مُستوى العجزِ الذي يعانون منه في إنتاجِ إنزيم اللاكتاز.

ويضافُ إلى تلكَ القائمةِ الأشخاصُ الخضريُّون Vegans الذين يمتنعونَ عن تناوُل الأطعمة الحيوانيَّة لأسبابٍ صحيَّةٍ وبيئيَّةٍ وفلسفيَّة، ومن يتّبعون حمية باليو Paleo الشهيرة أيضًا، وسنستعرضُ بعضَ البدائلِ التي يمكنُ لهذه الفئاتِ المذكورةِ تناوُلها.

أنواعُ الأجبان:

توجدُ آلافُ الأنواعِ من الأجبانِ التي يمكنُ أن تُصنعَ من مصادرَ متعدِّدة، فنجدُ الجبنَ المصنوعَ من حليبِ الأبقارِ أو الأغنامِ أو الماعز، ويمكنُ تقسيمُ الأجبانِ إلى عدَّة مجموعاتٍ هي:

الأجبانُ المصنوعةُ من الحليبِ الكامل الدَّسم: والتي تحتوي كل أونصةٍ منها على 6-10 غم من الدَّسم، منها 4-6 غم مُشبعة.

الأجبانُ المنخفضةُ أو الخاليةُ الدَّسم: وتُصنع الأولى من حليبٍ نسبةُ الدَّسم فيه 2%، وأمَّا الأجبانُ الخالية الدَّسم فتُصنع من حليبٍ خالي الدَّسم أيضًا.

الأجبانُ الطَّازجةُ (الأجبانُ الخضراء): وهي الأجبانُ التي لم تخضَع لعمليةِ إنضاج، وتكون عادةً ذات محتوى أعلى من الرُّطوبةِ وقوامٍ أطرى وطعمٍ خفيف مقارنةً بالأجبان المُنضجة، ومن أمثلتها جبن الريكوتّا Ricotta، والجبن الكريمي Cream Cheese، وجبن الكوتاج Cottage cheese، وجبن الماسكاربون Mascarpone.

الأجبانُ المُنضجة Aged cheese: وتكون ذات قوامٍ صلب، وعادةً ما تخضعُ للإنضاجِ مدة 6 أشهرٍ أو أكثر، وكلَّما زادتِ المدَّة أصبحتِ النَّكهة أقوى وأكثرَ تركيزًا، ومن أنواعِها جبنُ التشيدر Cheddar cheese، والجبنُ السويسريّ، والبارميزان Parmesan، والغرويير Gruyere.

الأجبانُ المُصنَّعة Processed cheese: لا يمكن أن يُعدَّ جبنُ الدّهن، والجبن الأمريكي American cheese، والأطعمة المنكَّهة بالجبن أجبانًا حقيقيةً، ويجب أن يكون ذلك واضحًا على بطاقةِ البيانِ الخاصَّةِ بالمنتج، وتهدُف العمليَّات التَّصنيعيَّة التي تُكسبُنا هذه المنتجاتِ إلى الاستفادة من فترةِ صلاحيَّةٍ أطولَ باستخدامِ مواد مضافةٍ معيَّنة كمحسِّنات النَّكهة والمستحلبات.

الأجبانُ المصنوعةُ من مصادرَ غير الألبان: وهي خاصةٌ بالأشخاصِ الذين لا يستهلكونَ منتجاتِ الألبان، ومنها جبنُ الصويا والدايا Daiya.

التَّحليلُ الغذائيُّ والكيميائيُّ للأجبان:

تُعدُّ الأجبان عامةً من المأكولات الغنيَّة بالسُّعرات الحراريَّة، والصوديوم، والدُّهون المشبعة، ويعتمدُ التَّركيبُ الكيميائيُّ الأساسيُّ لها على النَّوع المعنيّ، فكلُّ أونصةٍ من الجبن الكريمي (28 غم) تحتوي مايقاربُ 84 سعرةً حرارية، و8 غم من الدُّهون وغرامًا واحدًا من الكربوهيدرات وغرامين من البروتينات، وعلى سبيلِ المُقارنة؛ نجد أنَّ أونصةً واحدةً من جبن التشيدر تحتوي مايقاربُ 115 سعرةً حرارية، و10 غم من الدهون، و7 غم من البروتين وتخلو تمامًا من الكربوهيدرات!

وتحتوي الأجبانُ على كميَّاتٍ مُتباينةٍ من الفيتامينات A وB12 والريبوفلافين أيضًا، إضافةً إلى اختلافِ مُحتواها من المعادنِ كالفوسفورِ والسيلينيوم والصوديوم، وعادةً ما يكون جبنُ الأغنامِ والماعزِ أغنى بالفيتامين A  وأمَّا جبنُ الأبقار فهو أغنى بالبيتا-كاروتين (وهو مولِّد الفيتامين A).

هل تُعدُّ الأجبان مفيدةً أم ضارةً للصحة؟؟

تُعدُّ منتجاتُ الألبانِ واحدةً من أهمِّ مصادر الكالسيوم بالتَّوافر الحيويِّ لهذا العنصر الذي يؤدِّي دورًا مُهمًا في تطوُّر العظام والأسنانِ والمحافظةِ عليها، ويُعدُّ ضروريًا لتخثُّر الدَّم والمحافظة على ضغطٍ دمويٍّ ثابت.

ويُنصح دائمًا بإرفاقِ الأغذيةِ الغنيَّة بالكالسيوم بمصدرٍ للفيتامين D الذي يساعدُ في عمليَّة امتصاص الكالسيوم في الأمعاء، علمًا أنَّ أونصتين من الأجبان توفِّر 40-50% من المتطلَّبات اليوميَّة من الكالسيوم.

وبالنِّسبة للسلبيَّات؛ فجميعنا يعلمُ أنَّ الحميةَ الغنيَّة بالصوديوم والدُّهون المشبعةِ ستؤدي في نهايةِ المطافِ إلى الإصابةِ بالعديدِ من الأمراضِ كارتفاعِ ضغط الدَّم، والأمراض القلبيَّة الوعائيَّة، والسكريُّ من النَّمط الثَّاني، وبحسب التَّوجيهاتِ الغذائيَّة الصَّادرة عام 2010؛ فيجبُ ألَّا تتجاوز كميَّةُ الدُّهون المشبعة ما يُعادِل 7% من حميةِ الشَّخص، أي ما يُعادل 15 غم لشخصٍ يتناول 2000 سعرة حرارية باليوم.

ولكنَّ الحقيقة تختلف عن ذلك، إذ تستهلكُ بعض الشعوب كمياتٍ من الدُّهون المشبعة تصل إلى 12% من مدخولهم اليومي، ليأتي هنا خبرٌ غريبٌ ومميَّزٌ بالوقت نفسهِ؛ وهو ما توصَّلت إليه بعض الدراسات التي تقولُ أنَّ الدُّهون المشبعة التي مصدرُها منتجاتُ الألبانِ قد لا تكونُ على الدَّرجة نفسِها من الضَّرر كغيرِها من مصادرِ الدُّهون.

وأخيرًا، يُنصح الأشخاصُ الذين يعانون من مشكلاتٍ في عملِ الكليةِ بتجنُّبِ تناوُلِ كميَّاتٍ كبيرةٍ من الفوسفور والذي قد يكون مرتفعًا في بعضِ أنواعِ الأجبان؛ إذ لديهم عجزٌ في طرحِ الكميَّاتِ الفائضةِ من الفوسفور ممَّا يعودُ عليهِم بالضَّرر بل وقد يكون مميتًا أحيانًا.

ومن جهةٍ أخرى، تبايَنَت آراءُ العلماءِ عن علاقةِ ارتفاعِ المدخولِ من الكالسيوم وزيادةِ خطرِ الإصابةِ بسرطانِ البروستات، ولكنَّ النتائجَ ليست محسومةً بعد، ومن الأفضلِ أن يبتعِدَ مرضى الاكتئابِ وداءِ باركنسون الذين يتناولون مثبِّطاتِ المونوأمين أوكسيداز Monoamine oxidase inhibitors عن الأطعمة الغنيَّة بالتيرامين الذي يتوفَّر بكثرةٍ في الأجبانِ المُنضجة واللحومِ المملَّحةِ والأطعمة المُخلَّلة والبيرة والنبيذ، علمًا أنَّ ارتفاع التيرامين قد ارتبط في بعضِ الدِّراسات بحدوثِ الصُّداع والصُّداع النِّصفيِّ، ويمكن هنا أن ننصحَ بمراقبةِ تأثيرِ هذه الأطعمةِ على الشَّخص بعد تناوُلِها مما يساعدُه في التَّعرُّف على مصادر ونوعيَّةِ الأطعمة التي قد تحفِّز نوباتِ الصُّداع تلك.

فهل علمتم الجوابَ النهائي لسؤالنا الآن؟

ممّا قرأنا آنفًا، يُمكننا القول أنَّ الإجابة ليست محسومةً تجاه دورِ الجبن وعلاقتِه بالصِّحة؛ بل يتعلَّق الأمرُ بالنَّوعية المستهلكة والاحتياجات الغذائيَّة المختلفة من شخصٍ لآخر بما يضمن الحصولَ على جميعِ المغذِّيات الضَّروريَّة مع أخذ الحالات الصحيَّة بالحسبان.

وعلى سبيل المثال؛ فإنَّ شخصًا ضعيف الشَّهية بعمر الـ 85 عامًا يجب أن يتناوَلَ الأجبان إن كان يرغبُ بتقويةِ جهازهِ العظميِّ والتَّعافي من كسرٍ حديثٍ في الورك، ومن جهةٍ أخرى فيجبُ أن يمتنعَ شخصٌ بدينٌ بعمر الـ 55 عامًا عن تناولِ الجبن إذا كان يُعاني من ارتفاعِ ضغطِ الدَّم أو لديه تاريخٌ للأمراضِ القلبيَّةِ الوعائيَّةِ في العائلةِ، فما يُناسبُ شخصًا ما قد لا يكون مُجديًا لشخصٍ آخر، وهو ما يجب علينا أن نتذكّرَه دائمًا.

المصدر: هنا