الطب > مقالات طبية

علاجٌ مناعيٌّ جديدٌ يودّع شبحَ نَكسِ سرطان الثدي

قيلَ لها: لم يتبقَّ لكِ من الحياة سوى ثلاثةِ أشهر! لكن؛ هل فقدَتِ الأملَ بقدرةِ الطب على إنقاذِ حياتها؟

إنَّها تلكَ المريضةُ لبالغة من العُمر ٥٢ عامًا، والتي أُصيبت بسرطان الثدي عام ٢٠٠٣، فاستُؤصِلَ الورمُ وجُرّفَتِ العُقدُ اللمفاويّة المُصابة جميعُها، لِيعاودَ بالنكس بعد عشرةِ أعوام بمراحلَ مُتقدِّمة، ممَّا أحالَها للخضوع للعلاجِ الهرموني والكيماوي، ولكن؛ لم يُعطِ العلاجُ النتيجةَ المرجوَّة، فها هو يعطي نقائلَ للكبد وجدارِ الصدر على الرغمِ من تطبيقِ العلاج.

إذاً؛ هل من حلٍّ لوضع هذه المريضة؟

لنتعرَّف معًا إلى دور العلاج المناعيّ في سرطان الثدي النقيلي.

أخضعَ باحثون في المعهد الوطنيّ للسرطان (National Cancer Institute) في الولايات المتَّحدة الأمريكيّةِ المريضةَ التي لم تَستجِبْ للعلاجات الأُخرى إلى تجربة سريريّة قائمة على تطبيقِ العلاج المناعي لمرضى سرطان الثدي النقيليّ؛ بإدارة من الدكتور ستيفن روزنبرغ رئيسِ قسم الجراحة في مركز NCI لأبحاث السرطان، ونُشِرَت نتائجُ هذه الدراسة بعد نجاحها في مجلة نيتشر ميديسن في شهر حزيران (يونيو) الماضي، لتكون بذلك سابِقةً عالميّةً في علاج سرطان الثدي النقيلي.

لكن؛ ما الجديدُ في طريقةِ العلاج هذه؟

يعتمدُ أسلوبُ العلاج المناعيّ الجديد اعتمادًا خاصًّا على تحديدِ الطفراتِ الموجودة في خلايا الكتلة الورميّة؛ والمميَّزةِ من خلايا الجهاز المناعي بغضِّ النظر عن نوع الورم.

لذا اعتمد الباحثون في تجربتهم هذه على النمَطِ المُعدَّل من تقنيّة نقل الخلايا بالتبني Adoptive Cell Transfer؛ العلاجِ الذي أثبت فعاليَّته سابقًا في السرطانات التي تحتوي على مستوياتٍ عاليةٍ من الطفرات الجسديّة والمُكتسَبة كسرطان الجلد، في حينِ كان أقلَّ فعاليّةً في بعضِ السرطاناتِ الظهاريّة الشائعة كسرطان المعدة والمري والمبيض وسرطان الثدي لامتلاكها مستوىً أقلَّ من الطفرات.

إذاً ما آليةُ هذه التقنيةِ المُعدَّلة؟

سلسلَ الباحثون الحمضَ النووي الريبي المنقوصَ الأوكسجين DNA والحمض النووي الريبوزي RNA من خلايا أورام هذه المريضة؛ إضافةً إلى خلايا الأنسجةِ الطبيعيّة، وذلك لمعرفةِ الطفرات المُحدِّدة أو المُعرِّفة للسرطان خصوصًا، فاستطاعوا بذلك تحديدَ ٦٢ طفرةً مختلفةً من خلايا الورم لديها.

ثمّ اختبرَ الباحثون مختلِفَ الخلايا اللمفاوية المتسلِّلة إلى الورم للعثور على تلك التي تمتلك قدرةَ التعرُّف على واحدة أو أكثر من هذه البروتينات الطافرة.

لوحظ أنَّ الخلايا اللمفاويّة المتسلّلة إلى الورم قد استطاعت التعرُّف على أربعةِ أنماط من البروتينات الطافرة SLC3A2-KIAA0368-CADPS2-CTSB؛ فمُدِّدت ٩٠ بيليون مرّة وزُرِعت مرّة ثانية بالاقترانِ مع الأنترلوكين IL2 داخلَ جسم المريضة -الَّتي خضعت في هذه الأثناء للعلاج بغرضِ استنفاد اللمفاويات المتبقيّة أو التخلُّصِ منها- بغيةَ خلق استجابةٍ مناعيّةٍ أقوى ضدَّ الورم، إضافةً لإعطائها مثبِّطاتِ نقاط التفتيش المناعي Checkpoint inhibitors مثل الـ pembrolizumab؛ تفاديًا لاحتمالِ تعطيلِ الخلايا اللمفاويّة التائيّة المزروعة بالعوامل الميكروبية للورم.

وقد قال الدكتور روزنبرغ للمريضةِ مُشجِّعًا إيّاها على تحمُّل هذه المراحل الأخيرة من العلاج "سنعمل معاً للعثورِ على تلك الخلايا المناعية القليلة الجائلةِ في جسدك، والتي يمكنُ أن ترى تلك الطفراتِ الجينية لنجعلَ منها جيشًا فتَّاكًا من قَتَلةِ السرطان".

وكانتِ النتيجةُ حدوثَ تراجُعٍ مُطوَّلٍ وتامٍّ لسرطان الثدي النقيلي، ولم يُكتشَف أيُّ نكس حتَّى بعد أكثر من ٢٢ شهرًا، وقد عبَّر الدكتور روزنبرغ فَرِحًا بنتائجِ هذه التجربة المبهرة: "إنَّ النقطةَ الأهم هنا هي أنَّ هذا النوع من العلاج ليسَ لنوعٍ مُحدَّدٍ من السرطان، لأنَّ كلَّ أنواعِ السرطانات قائمةٌ على حدوثِ طفرات في الخلايا، وهذا ما نهاجِمُه بتقنيَّةِ العلاج المناعي المُتَّبعة".

وأخيرًا؛ أوضحَ الدكتور توم ميستيلي -مديرُ قسمِ أبحاث السرطان في المعهد الوطني للسرطان- أنَّ تقريرَ الحالة هذه يُسلِّطُ الضوءَ مرَّةً أُخرى على قوّةِ العلاج المناعي وفعاليّته، فإذا ما تمكَّنَّا من تأكيدِ ذلك في دراسةٍ أكبر، فإنّه يَعِدُ بمواصلةِ توسيع نطاق العلاج بالخلايا اللمفاوية T لمجموعةٍ أوسعَ من السرطانات.

وتبقى هذه التجربة عيِّنةً واحدةً، ولا نستطيعُ أن نحمّل نتائجَها ما لا تحتمل، ولكنَّها بارقةُ أمل ولا شكَّ؛ للمرضى الذين يعانون تلك الأمراض.

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا