الاقتصاد والعلوم الإدارية > العلوم المالية

البلوكشين تُغيِّر مسارَ برامجِ ولاءِ العملاء

انتشرَت برامجُ ولاءِ العملاءِ بكثرةٍ في العديدِ من القطاعاتِ الاقتصادية؛ كالسَّفر والخدماتِ الماليَّة وقطاعِ مبيعاتِ التجزئَةِ وغيرها من القطاعاتِ، فقد أشارَ التَّقريرُ الصَّادرُ عن مجلَّة (كولوكاي) في عام ٢٠١٥ -وهي مجلةٌ مختصَّةٌ بنشرِ البحوثِ والمقالاتِ وعقدِ النَّدواتِ المتعلِّقةِ ببرامجِ ولاءِ العملاءِ المنتشرةِ حول العالم- إلى أنَّ الأسَرَ الأمريكيَّةَ تشاركُ بـ ٢٩ برنامجِ ولاءٍ مختلف.

وعلى الرَّغم من هذا الانتشار، تظلُّ عمليَّةُ جمعِ النِّقاطِ وخياراتِ الاستبدالِ المتاحةِ في أنظمةِ الولاء المُنتشرةِ حاليًا معقدةً كالمتاهَةِ، وعمليةُ تبادلِ النِّقاطِ بين رُعاةِ برامجِ الولاءِ عمليةٌ مرهِقةٌ، واستنادًا إلى هذا فإنَّ برامجَ الولاءِ الحاليَّةِ بحاجةٍ إلى ابتكارٍ إبداعيٍّ يجعلُ استخدامَها أكثرَ سهولةً وسلاسة.

وقد تكونُ بلوكشين -المعروفةِ باسمِ تكنولوجيا البيتكوين- هي الحلَّ، إذ تُسهِّل مشاركةَ كتلِ البياناتِ الخاصَّةِ بالتَّعاملاتِ التي أُجرِيَت بواسطتِها عبر شبكةِ المستخدمين، وعند حدوثِ معاملةٍ رقميَّةٍ جديدةٍ، فعلى سبيل المثال؛ عندَ صدورِ نقطةِ ولاءٍ جديدةٍ واستبدالِها أو تبادلِها، يُصدَرُ رمزٌ مشفَّرٌ ذو خوارزميَّةٍ فريدةٍ و يُخصَّص لهذه المعاملة، ثُمَّ تُجمَع هذه الرُّموز في كتلٍ (مثلًا كل عشرِ دقائقَ) و تُوَزَّع في شبكةِ المستخدمينِ وتحدَّثُ حساباتُهم، ويُتَحقَّق من المعاملاتِ الجديدة وتُربط مع القديمة، فينتجُ سجلُّ معاملاتٍ قويٍّ وآمنٍ، مما يُمكِّن المستخدِم من التحقُّق من كلِّ معاملاته دون الحاجةِ إلى وسطاءَ أو قواعد بياناتٍ مركزيَّة.

أمَّا الأشخاصُ الذين يتعاملون مع العديدِ من برامجِ الولاء، فيستطيعُ بلوكشين توفيرَ خدمةِ السَّدادِ الفوريَّةِ وتبادلِ نقاطِ الولاءِ بين برامجِه المتعدِّدة على منصَّةٍ واحدةٍ مع نظامِ المِحفظةِ الواحدة، ولن يُضطرَ المستهلكُ إلى البحثِ عن خياراتِ وقيودِ وقواعدِ استردادِ النِّقاطِ في كل نظامٍ على حِدة.

إنَّ جميعَ برامجِ الولاءِ معرَّضةٌ للتَّأثُّر بثورةِ البلوكشين، ولكنَّ البرامج الخاصَّةَ بقطاعِ السَّفرِ هي المرشَّحُ الأكبرُ للتَّحولِ إلى نظامِ البلوكشين، إذ أنَّها الأكثرُ تعقيدًا وتعددًا مما يجعلُها مختلفةً عن غيرها من برامجِ الولاء، فعلى سبيل المثال؛ البرامجُ المقدَّمة من قطاعِ تجارةِ التجزِئةِ التي تعملُ عادةً على مبدأِ الخصومات، أمَّا البرامجُ التي تقدِّمها البنوكُ فإنَّها تعملُ على مبدأِ استعادةِ جزءٍ من النُّقودِ التي أُنفِقَت، وأمَّا برامجُ الولاءِ الخاصَّةِ بقطاعِ السَّفرِ فتتنوَّعُ بتنوُّعِ واختلافِ عناصرِ الرِّحلةِ؛ كالطَّيرانِ واستئجارِ السَّياراتِ والفنادقِ والمطاعم، مما يؤِّدي إلى مجموعاتٍ مُجزَّأةٍ من النِّقاط، وبهذا تُصبِحُ عمليةُ تجميعِ النِّقاطِ الكافيةِ للحصولِ على مكافأةٍ ذات اعتبارٍ أمرًا صعبًا، وعلى الرُّغمِ من اختلافِ التَّقديراتِ فيما يتعلَّقُ بالنِّقاطِ التي لم تحقَّقُ الاستَفَادةُ منها في قِطاعِ السَّفر، فإنَّ نسبةَ النِّقاطِ التي تقدِّرُها مجلةُ كولوكاي؛ هي ما بين 10 - 20%.

الفائدةُ من التكنولوجيا المُزعزعَة:

التكنولوجيا المُزعزِعَةُ؛ مصطلحٌ وُضِع في العام ١٩٩٧ من قِبل البروفيسور كريستنسن، وهي التكنولوجيا التي تُؤدِّي الأغراضَ ذاتها التي كانت تُؤدِّيها التكنولوجيا القديمة، ولكنَّها تحتوي على مِيزاتٍ تجعلُها متقدِّمةً عليها بمراحلَ وذلك لكونِها أرخصُ وأبسطُ وأسهلُ في الاستخدام، الأمر الذي يزيدُ الطَّلبَ على هذه التكنولوجيا مقارنةً بالقديمة.

وقد شهِدَت العديدُ من القطاعاتِ الاقتصاديَّة اضطراباتٍ بسببِ هذا النَّوعِ من التكنولوجيا التي نجَحَت في تقليلِ أوجُهِ القصور، إضافةً إلى التَّخلِّي عن وساطةِ المُنشئينَ لهذه العمليَّةِ التكنولوجيَّة.

وإنَّ شركاتِ السفريَّاتِ الكُبرى كشركاتِ الطَّيران، والسلاسِلِ الفُندقيَّةِ تُدرك من تجارِبها المؤلمة مقدارَ الأثرِ الذي يُسبِّبه هذا النوعُ من الابتكارات؛ إذ تدفعُ سنويًا ملياراتِ الدولارات بهيئةِ عمولاتٍ لـ بريسلين واكسبيديا وغيرِها من وكالاتِ السَّفرِ الإلكترونيَّة التي غيَّرت طريقةَ حجزِ المستهلِكِ لرحلاتِ الطَّيرانِ والفنادقِ واستئجارِ السَّيارات، ومن هنا فإنَّ منصَّاتِ برامجِ الولاءِ القائمةِ على تكنولوجيا البلوكشين قد تُشكِّل تكنولوجيا مُزعزِعةَ جديدةً لقطاعِ السَّفر.

إنَّ الشركاتِ الصغيرةَ النَّاشئةَ أو الكبيرةَ العملاقةَ تترقَّبُ إمكانياتِ نجاح هذا النَّوع من التكنولوجيا، وقد بدأَ البعضُ فعلًا بالتَّعاونِ فيما بينها؛ فقد وقَّعَت شركةُ آي بي أم مع شركةِ لويال النَّاشئةِ عقدَ شراكةٍ لتطويرِ البِنيةِ الأساسيَّةِ لبرنامجِ مكافآتِ الولاءِ بالاعتمادِ على البلوكشين، ويتوجَّبُ على الشركاتِ العاملةِ في قطاعِ السَّفرِ مواكبةُ التَّطوراتِ السُّوقيَّةِ والاستجابةُ لها سواءً كانت صغيرةً ناشئةً أو جزءًا من تحالُفٍ كبير.

وبالطَّبعِ فإنَّ من يبدأُ بتبنِّي التغييرِ مبكرًا سيكونُ أكبرَ المستفيدين، وذلك للأسبابِ الآتية:

أولًا: باستطاعةِ البلوكشين أن تُساعدَ في تخفيفِ الالتزاماتِ الكبيرةِ في الميزانيَّةِ العموميَّةِ والتي تُواجِهُ العديدَ من الشركاتِ العاملةِ في قطاعِ السَّفريات، وذلك لأنَّ برامجَ الولاءِ قد اعتمَدَت ولفترةٍ طويلةٍ على ما يُسمَّى ببطاقاتِ الائتمانِ ذاتِ العلاماتِ التِّجاريَّةِ المتعدِّدةِ إضافةً إلى الشَّراكات، وذلك لبيعِ نقاطِ الولاءِ وتحقيقِ المزيدِ من الإيرادات، ولكنَّ عددَ مقاعِدِ الطَّيرانِ وغرفِ الفنادِقِ المُتاحةِ كان محدودًا نظرًا لارتفاع نسبةِ الإشغال، وقد أدَّى هذا بدورِه إلى ارتفاعِ نسبةِ النِّقاطِ غير المُستخدمَة مما جعلَ الإيراداتِ المتعلِّقةِ بنقاطِ الولاءِ مؤجَّلةً إلى أن يستبدِلها العميل، وإنَّ اعتمادَ البلوكشين يُتيحُ الفرصةَ أمامَ الشَّركاتِ لعملِ شراكاتٍ مع مؤسَّساتٍ أخرى، ويسمحُ للعميلِ باستبدالِ النِّقاطِ بحريَّةٍ أكبرَ ودونَ تعقيدات.

ثانيًا: البلوكشين تُتيحُ الفرصةَ للشَّركاتِ الخروجَ من المتاعبِ المُصاحبةِ لبرامجِ الولاءِ التَّقليديَّة، وتَفي بتطلُّعاتِ العُملاءِ بالحصولِ على عروضِ السَّفرِ والعروضِ الرَّقميَّةِ التي تَتناسبُ مع أذواقِهم الشَّخصيَّة، وتُتيح الفرصةَ لإضافةِ الشُّركاءِ المحليِّين وتقديم العروضِ بسهولةٍ، إضافةً إلى تقليلِ مشاكلِ استبدالِ النِّقاط.

محاذيرُ الاعتماد على البلوكشين

ما هو الشكلُ المحتملُ لشبكةِ الولاءِ القائِمةِ على البلوكشين؟

سوف تَسعى في البدايةِ كلُّ شركةٍ لتطويرِ برنامجِ الولاءِ الخاصِ بها، ولكنَّ برامجَ الولاءِ الصَّغيرةِ قد تتَّجهُ مع الوقتِ للاندماجِ بعضها ببعضٍ لتكونَ قادرةً على منافسةِ البرامجِ الكبيرةِ حولها، والمُتوقَّعُ في نهايةِ المطافِ قيامُ شركةِ طيرانٍ كبرى وسلسلةِ فنادقَ أو مجموعةٍ من الشَّركاتِ السياحيَّةِ بتطويرِ أربعِ إلى ستِ شبكاتٍ من برامجِ الولاءِ القائمةِ على نِظامِ البلوكشين، ونتوقَّعُ أيضًا أن تكونَ الشَّراكةُ مع شركاتِ التكنولوجيا أو مُزوِّدي الخدماتِ الشَّبكيَّةِ كالبنوك أحدَ خياراتِ إقامةِ هذه البرامجِ وصيانتها. وبالطَّبع فإنَّ توحيدَ عددٍ من برامجِ الولاءِ بواسطةِ إنشاءِ منصَّةِ بلوكشين أو عددٍ من المنصَّات يُصاحبُهُ عددٌ من المخاطر؛ أوَّلُها أن تخلِقَ هذه المنصات حاجزًا بين المستهلكينَ وبين المؤسَّسة صاحبةِ برنامجِ الولاء، وقد تؤدِّي إلى فرضِ رسومٍ صغيرةٍ على كلِّ معاملة، ولكن قد تتضاعفُ هذه الرسومُ مع الوقت، وإنَّ بياناتِ العملاءِ والتي تُعدُّ من أكثرِ الأشياء قيمةً لبرامجِ الولاء، ستصبحُ متاحةً للمشاركينَ الآخرينَ على الشَّبكةِ وللبرامج الأخرى المنافسةِ أيضًا، وإنَّ وجودَ سوقٍ مفتوحٍ يُتيحُ تداوُلَ وبيعَ نقاطِ الولاءِ قد يُشكِّل خطورةً على قيمةِ العملةِ ويؤدِّي إلى انخفاضها.

وللحَدِّ من هذه المخاطرِ وحمايةِ برنامجِ الولاءِ من التَّحوُّلِ إلى سلعةٍ يجدُرُ بالشركاتِ العاملةِ في قطاعِ السَّفرِ أن تكونَ جزءًا من تطويرِ منصَّات البلوكشين الخاصَّةِ ببرامجِ ولاءِ العملاء، وذلك أنَّ الدُّخولَ في اتِّفاقيَّاتٍ وشراكاتٍ تجاريَّةٍ يُعدُّ أمرًا ضروريًّا لحمايةِ برامج الولاء الخاصَّةِ بها ولتجنُّبِ المخاطرِ الآنِفةِ الذِّكر.

ويجبُ على الشَّركاتِ العاملةِ في قطاعِ السِّياحةِ والسَّفرِ والرَّاغبةِ بالاستثمارِ في برامج ولاءٍ مبنيَّة على أساسِ البلوكشين الانتباهُ إلى هذه القواعدِ الأساسيَّة.

أولًا: المُشاركةُ في تعريفِ تبادُلِ النِّقاط بين برامج الولاء، وذلك عبرَ معرفةِ الأسسِ التي تُحدِّد تكاليفَ عمليَّة تحويلِ هذه النِّقاط، إضافةً إلى معرفةِ قواعدِ نقلِها وتحويلها.

ثانيًا: الانتباهُ إلى الحِفاظِ على قاعدةِ بياناتِ المستخدمينَ الخاصَّة ببرنامجِ الولاء التَّابِع لشركاتِهم، وضمانِ أن تكونَ نقاطُ الولاءِ هي المُتداولةَ وليست معلوماتِ المستخدمين.

ثالثًا: طلبُ ضماناتِ أن تظلَّ منصَّةُ برنامج الولاء مبنيَّةً على الحياديَّة.

وخلافًا لذلك؛ فقد يُجبِرُ وسطاءُ السَّفرِ التقليديِّون الشَّركاتِ السِّياحيَّةَ على دفعِ رسومٍ مقابلَ ضمانِ عدمِ وجودِ منافسٍ لهم.

وإنَّ ما يجدرُ بالشَّركاتِ العاملةِ في قطاعِ السَّفر عملُهُ هو إنشاءُ مِنصَّاتِ برامجِ الولاءِ باستخدامِ البلوكشين بأسرعِ وقتٍ ممكن، وذلك للاستفادةِ من قيمةِ الابتكارِ المزعزع وقدرتِه التَّأثيريَّة على رسمِ المستقبل، فما حدثَ في السَّابِق مع شركاتِ الطَّيرانِ والفنادقِ بتأخُّرها عن ملاحظةِ أهميَّةِ وقوَّةِ تحالفِ السَّفرِ (أوتا) جعلَها تدفعُ الكثيرَ من الأموالِ منذ ذلك الحين.

المصادر: 

1- هنا 

2- هنا 

3- هنا