البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

سر ذكاء الطيور

أُجريَت العديدُ من الأبحاث في محاولةِ فَهمٍ أعمقَ لبنيةِ الدماغ عند الطيور؛ إذ تُظهر الدّراسةُ التي نُشرت في مجلّة Current Biology أنَّ بعضَ العصبونات في أدمغة الطّيور تُشكِّل نوعَ الاتصالات ذاتها، وتملكُ البِنيةََ الجزيئيّةَ ذاتَها التي تملكها الخلايا المسؤولة عن التَّواصل بين الأجزاء المختلفة من القشرة المخيّةِ الحديثةِ عند الثَّدييات.

وقد وجدَ الباحثُ Ragsdale مع مُساعديه أنَّ التَّماسيحَ تمتلكُ النّوعَ نفسَه من الخلايا، وعلى الرّغم من امتلاكِ الطّيورِ والثّديياتِ والزّواحفِ أدمغةً ذات بِنىً تشريحيّةً مختلفةً؛ لكنّها تعملُ باستخدام أنماطٍ مُتشابهةٍ من الخلايا. ويقولُ في ذلك: "إنّ الطّيورَ ذكيّةٌ أكثرَ ممّا نتصوّر، فهي تؤدّي أفعالًا ذكيّة. ولكن يبقى السؤال: ما نوعُ الاتصالِ العصبيّ الذي تستخدمُه؟ إنَّ ما يُظهره هذا البحثُ هو استخدامُها النّمطَ الخَلويَّ ذاتَه عن طريق الاتصالاتِ العصبيّة ذاتِها الّتي نَجدُها في القشرةِ المخيّةِ الحديثة، ولكن مع نوعٍ آخرَ منَ التّنظيم".

تتطوّر كلٌّ من القشرةِ المخيّةِ الحديثةِ عند الثدييّات ومنطقةِ ريدج الظَّهريّة البطنيّة (DVR) dorsal ventricular ridge الموجودةِ في أدمغةِ الطّيورِ من المنطقة الجنينيّةِ ذاتِها الّتي تُدعى الدّماغ الانتهائيّ telencephalon، ولكن؛ تتحوّلُ كلُّ منطقةٍ فيما بعد إلى شكلٍ مختلفٍ عنِ الأخرى؛ إذ تتكوّن القشرةُ المُخيّة الحديثة من ستِّ طبقاتٍ مختلفةٍ، في حين تضمُّ الـ DVR معقّداتٍ كبيرةٍ من العصبوناتِ التي تُدعى النُّوى، واعتقدَ العديدُ من العلماء - بسبب الاختلاف التّشريحي بينهما - أنَّ منطقةَ الـ DVR عند الطيورِ لا تتشابه مع القشرة المخية عند الثديياتِ؛ بل تتشابه مع بِنيةٍ مُخيَّةٍ أُخرى عند الثديياتِ تُدعى اللَّوزة amygdala.

وفي عام 2012؛ أكّدَ الباحثونَ الفرضيَّةَ التي تقولُ بوجود تشابهٍ وظيفيٍّ بين منطقة الـ DVR والقشرةِ المُخيّةِ الحديثةِ؛ عن طريق دراسةِ الواسماتِ الجينيّةِ للعصبوناتِ الموجودةِ في المنطقتَين، وإيجادِ التّشابهِ بينهما.

وقد وجدَوا في الدِّراسة الحديثة أنّ أنواعاً أُخرى من العصبوناتِ في منطقةِ الـ DVR عند الطّيورِ تتشاركُ مع العصبوناتِ الموجودةِ داخلَ البُطينِ القحفيّ للقشرةِ المُخيّةِ الحديثةِ neocortical intratelencephalic (IT) neurons بالواسماتِ الجزيئيّةِ نفسها، ومن المعروفِ أنَّ هذه العصبونات (عصبونات الـ IT) لها دورٌ محوريٌّ في الوصلِ العصبيِّ ضمن القشرةِ المُخيّةِ الحديثةِ، فهي تُساعدُ في الرّبطِ بين الطّبقاتِ القشريّةِ المختلفةِ، وبين فصّي الدّماغِ عن طريقِ المناطقِ القشريّةِ cortical areas أيضًا.

وقد وُسِّعَ نطاقُ البحثِ بعدهَا ليشملَ الزَّواحفَ، فعثروا على عصبوناتِ الـ IT في مناطقَ مُشابِهةٍ ضمن منطقةِ الـ DVR عند التَّماسيحِ.

وفي ضوءِ هذه النَّتائجِ؛ تقترحُ الدّراسةُ احتماليّةَ تطورِ الذّكاء عند الطّيورِ والفقاريّاتِ باستقلاليَّةٍ عن بعضِهِمَا؛ عن طريقِ تطويرِ بِنىً دماغيّةٍ مختلفةٍ ناشئةٍ عن أنماطٍ خَلويّةٍ مُتماثلةٍ.

إنَّ هذه الدّراسات ومثيلاتِها تفتحُ المجالَ أمام دراساتٍ أكبرَ وأعمق، وتُمكِّن من الوصولِ إلى أدلّةٍ جديدةٍ عن ارتباطِ الأنواعِ المختلفةِ من الكائناتِ ضمن سلسلةِ التّطوّرِ.

المصدر:

هنا

هنا