الفيزياء والفلك > فيزياء

دورُ التّعلُّمِ العميقِ deep learning في الفيزياءِ

عندما ترفعُ صورةً لأحدِ أصدقائك على Facebook فإنَّك تُحفّز عمليةً معقدةً وراء الكواليس؛ إذ تتحلّل وحدات البكسل في الصورة إلى أن تتعرّف على صديقك وتُشيرَ إليه، وتُمكِّن هذه التقنيّة المتطوّرة السّياراتِ ذاتيّةَ القيادةِ من التّمييز بين المُشاة والمركباتِ الأخرى وبين المناظر الطّبيعية المحيطة بهم، وتُعرَفُ هذه التقنيّةُ باسمِ التعلُّم العميق deep learning؛ وهو فرعٌ من فروع تعلُّم الآلة، والذي يدور حول معالجةِ صيغٍ مختلفةٍ من المعطيات كالصور والفيديو والنصوص عبرَ مستوياتٍ متعددةٍ من التمثيل والتجريد لاستخلاص أكبر قدرٍ ممكنٍ من المعلومات.  

والسؤالُ الذي يفرض نفسَه: هل يُمكِنُ استخدامُ هذه التقنيةِ أيضًا في الفيزياء لتمييز الميون عن الإلكترون؟

يأمل أنصارُ هذا المجال توفيرَ الوقت والمال والقوى البشرية التي تُهدَر في التجارب بواسطةِ استخدامه، مما يُتيح للفيزيائيين القيام بعملٍ آخرَ أقلَّ مشقةً، في حين يأملُ آخرون تحسينَ أداءِ التجارب، مما يجعلُهم أكثرَ قدرةً على تحديد الجُسيماتِ وتحليل البيانات أكثر من أيّة خوارزميةٍ استُخدِمت من قبل، وفي حين لا يتوقَّعُ الفيزيائيون أن يكون التعلّم العميق deep learning علاجًا شافيًا؛ يعتقد البعض أنه قد يكون مفتاحًا لدرء أزمة معالجة البيانات الوشيكة.

ومن ناحيةٍ أخرى؛ يتطلّب التعلّم العميق deep learning نوعًا مختلفًا من المُدخلات البشرية، وتتمثل إحدى طرائق إجرائه في استخدام شبكة شبيهة طبولوجيًّا بالشبكاتِ العصبية أو شبكة CNN: convolutional neural network .

تتلقّى كلُّ خليةٍ عصبيةٍ في المخ ما يعادل 100000 إشارةٍ عصبيةٍ من الخلايا المجاورة، وعندما تطلق خليةٌ عصبيةٌ إشارةً يكونُ لها تأثيرٌ مثبّط أو مثيرٌ للخلية المستقبلة.

وإذا تراكمت الإشاراتُ العصبيةُ لتتخطَّى جهدًا كهربائيًا معينًا فإنَّ الخليةَ المُستقبِلة تبدأُ هي الأُخرى بإرسال الإشارات، وفي الشبكةِ العصبية للذكاء الاصطناعي تنتقل إشاراتٌ بين العُقد المكونة للشبكة أيضًا، ولكن؛ بدلًا من إرسال إشارةٍ كهربائيةٍ فإنَّ الشبكةَ العصبيةَ تخصِّصُ ثقلًا أو وزنًا لكلِّ عُقدةٍ من الشبكة.

وكلما زادَ ثقل العقدة في الشبكة زاد تأثيرُها على طبقاتِ الشبكة الأخرى ذاتِ الثِّقَلِ الأقل، إلى أن تجمعَ الطبقةُ الأخيرة  كلَّ هذه المُدخَلاتِ لِتصلَ إلى الإجابة المطلوبة.

 

 

ويدرِّبُ الأشخاصُ الشبكاتِ العصبونية CNN عن طريقِ تلقينها الصور التي عولجت مسبقًا باستخدام هذه المُدخلات، فتعدّلُ الخوارزميةُ الثقلَ أو الوزنَ الذي تضعه على كل عقدةٍ باستمرارٍ، وتتعلّم كيفيةَ تحديد الأنماط والنقاط المثيرة للاهتمام بمفردها، وعندما تعرفُ الخوارزمية أيًّا من العقد هي الأكثرُ أهميةً تصبحُ أكثرَ دقةً، وغالباً ما تتفوَّقُ على البشر، كما حدث مع كومبيوتر google الذي تغلَّبَ على أبطالِ لعبة go الشهيرة والتي تُعدُّ أكثر تعقيدًا من الشطرنج.

ومن الجدير بالذكر أنَّ هذه التقنية تستطيع التعامل مع كمياتٍ ضخمةٍ من المعطيات المخزّنة على هيئة صورٍ لم يَسبقْ لها مثيلٌ، كما في حالة التجارب المرتبطة بفيزياء الطاقة العالية؛ فمنذ قرابةِ عامٍ مضى؛ بدأ الباحثون في مختلف التجارب العاليةِ الطاقةِ النظرَ في إمكانيةِ تطبيقِ الشبكاتِ العصبونية CNN على تجاربهم، وأمّا الجزء الأهم فسوف يَستخدِمُ  الشبكاتِ العصبونيةَ CNN لتحديد وتصنيف الجسيمات وإعادة بنائها، ومن جانبٍ آخر؛ يأمل العلماءُ في تجارب مصادم الهادرون الكبيرِ استخدامَ التعلُّم العميق deep learning لجعلِ تجاربهم أكثرَ استقلاليةً، وليؤدّي فيها البشرُ دورًا أقلَّ لصالح الخوارزمياتِ الأكثر دقة والأقل تكلفة.

ومن جهةٍ أخرى؛ قد يكون للشبكات العصبونية CNN  فائدةٌ في جانب الفيزياء الفلكية أيضًا، والتي يمكن استخدامُها لعملِ مسحِ بياناتِ التلسكوب بحثًا عن المجرات والنجوم الأكثر سرعةً ودقّةً (كما في حالة اكتشاف كوكب إيكاروس منذ أمدٍ قريبٍ) بواسطة رصد الضوء المُنبعث من وراء الكُتَل المجرّيّة الضخمة، والتي تؤدي دورَ العدسة في هذه الحالة، وإنَّ عمليةَ مسحِ بيانات التلسكوب بحثًا عن علاماتِ العدسات تستغرق وقتًا طويلاً للغاية، وتواجهُ برامجُ التعرُّف على الأنماطِ العادية صعوبةً في تمييز ميزاتها أيضًا.

وأمَّا مُستقبلًا؛ فإنَّ نسخةً مطوَّرةً من مُصادِم الهادرون الكبير المُخطَّطِ له لعام 2025 سوف تُنتِجُ قرابةَ 10 أضعاف البيانات، وستجمعُ بياناتِ أطيافِ أكثر من قرابة 35 مليون كائنٍ كونيٍ، وسيحصلُ تلسكوب المسح السينوبتيكي الكبير على فيديو عالي الدقة لِما يقرُب من 40 مليار مجرة.

وفي النهاية؛ يجب أن نذكَرَ أنَّ صعوبات إدارة CNN أكثر من الفوائدَ المرجوّةَ منها في بعض الحالات.

أولاً؛ يجبُ تحويلُ البياناتِ إلى نموذجِ صورة إن لم تكن موجودةً بالفعل، وتتطلَّبُ الشبكاتُ - أي CNN - كمياتٍ هائلةً من البيانات للتدريب، وأحيانًا ملايينَ الصور المأخوذة من عمليات المحاكاة، وإلى ذلك الحينِ لن تكونَ عملياتُ المحاكاة جيدةً مثل البيانات الحقيقية؛ لذا يجبُ اختبارُ الشبكات بالبيانات الحقيقية وغيرها من الفحوصاتِ المتقاطعة.

 

 

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

 

روابطٌ من مقالاتنا:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا

5 - هنا

6 - هنا

/p>