العمارة والتشييد > أيقونات معمارية

سلسلةُ الجسورِ العظيمة - الجزء الأوَّل

منذُ بدايةِ الحضارات وشروعِ الإنسان ببناءِ الجسور إلى يومنا هذا، أصبحت الجسورُ منتشرةً حولَنا في كلِّ مكان، موفِّرةً صلةَ وصلٍ أسرع وأسهل للإنسان. وقد مرَّت الجسور عبرَ الزَّمن بعدَّةِ تحوُّلات بدءاً من كونِها مجرّد منشآتٍ خدميَّة، لتصبحَ رمزاً من رموزِ المُدن والبلدان وتقدّم الحضارات، إذ تجسّدُ الجسور تطلّعات المهندسين الأزليّة لبناءِ منشآتٍ أكبر وأطول وأعلى، وجميعنا نندهشُ ونُعجَبُ بالجسور التي تمتدُّ بكلِّ أناقةٍ فوقَ الوديان العميقة والأنهار الكبيرة، ونقدِّرُ الإنجازات التقنيّة العظيمة خلفها، وعلى الرُّغمِ من ذلك فإنّ عدداً قليلاً من الجسور يستحقُّ لقبَ "جسرٍ عظيم"، فلنتعرّف معاً على الصِّفات التي تجعلُ الجسرَ عظيماً.

يتميّزُ الجسرُ العظيم عن غيرهِ بشيءٍ فريدٍ واستثنائيّ مثل امتدادِهِ لمسافات طويلة أو جمالِهِ الفريد الذي يثيرُ الإعجاب، ممَّا يجعلهُ يستحقُّ لقبَ إحدى عجائب الدُّنيا السبع، لكنَّ الحضارات القديمة لم تعطِ الجسورَ هذا اللقب، ولم يحظَ أي جسر بمكانةٍ بينَ عجائبِ الدُّنيا القديمة السَّبع، على الرُّغم من وجودِ جسورٍ بُنيَت في تلكَ الفترات مثل جسر العربات في مدينةِ سميرنا القديمة في تركيَّا، ولكن معَ تطوُّرِ الحضارات وتقنيّات البناء في أوائل القرنِ الثَّامن عشر، تضمَّنت لائحةُ عجائبِ الدُّنيا الثَّمان جسرين هما جسرُ بروكلين في نيويورك وجسرُ البوَّابة الذهبيَّة في سان فرانسيسكو بسبب الإنجازات التي حُقِّقَت في بناءِ هذه الجسور.

أمَّا الآن فقد حانَ الوقت لنتعرَّف على بعضِ هذهِ الجسورِ العظيمة.

جسرُ البوَّابة الذهبيَّة Golden Great Bridge في سان فرانسيسكو، الولايات المتّحدة:

يقعُ على مضيقِ البوَّابة الذهبيَّة بينَ المحيطِ الهادئ وخليج سان فرانسيسكو، إذ يصلُ امتدادُ الجسرِ بينَ برجيه إلى ١٢٨٠ متر، ممَّا جعلهُ أطولَ جسرٍ في العالم حتَّى سنة ١٩٦٤، إضافةً إلى وصلهِ مدينة سان فرانسيسكو بشمال الخليج ملبياً الحاجةَ الماسَّة إلى صلةِ وصلٍ بينَ المنطقتين.

صُمِّمَ الجسرُ من قِبَلِ كبيرِ المُهندسين جوزيف ستراوس الذي جمعَ فريقاً مختصَّاً من مهندسي الجسور، وعمل المعماريّ إيرفينج مورو عن كثب مع المهندسين، مّما مكّنهم من اتّخاذِ قراراتٍ حاسمةٍ من أجلِ زيادةِ جماليَّة الجسر، مانِحاً الجسرَ أسلوبَ تصميمِ Art Deco الذي انتشرَ بشدَّة في بدايةِ القرنِ العشرين، إضافةً إلى إعطائهِ اللَّون البرتقالي، وتغيّر ظروفِ الإضاءة بينَ اللَّيل والنَّهار وتغيُّر المناخ الذي يعطي مناظرَ خلّابة لا تُعَد ولا تُحصى للجسر، كما أنَّ جميعَ مكوِّنات الجسر تتَّسمُ بالرَّوعة كموقعهِ وهيكلهِ الأنيق والقويّ، لتساهمَ كلُّ هذهِ العوامل في جعلهِ أيقونةً من أيقوناتِ القرنِ العشرين الشَّهيرة، وواحداً من أعظمِ الجسور التي بُنيت على الإطلاق.

جسرُ بروكلين في نيويورك، الولايات المتّحدة:

أنشئَ عام ١٨٩٤ فوقَ النَّهرِ الشَّرقيّ واصلاً ضاحيتي مانهاتن وبروكلين، ويُعَدُّ مزيجاً بينَ الجسر المعلَّق والجسر المعلَّق بالكابلات، إذ يعملُ الجسرُ المُعلَّق عن طريقِ توزيعِ الأحمال منَ الكابلات إلى الرَّواسي المرتكزة في نهايةِ طرفي الجسر، بينما يعملُ الجسرُ المُعلَّق بالكابلات عن طريقِ نقلِ الأحمال من الكابلات إلى أبراجِ الجِسر مباشرةً.

وقد صُمِّمَ هذا المزيج من قِبَلِ جون روبلينغ ولم تتَّسم هذهِ المهمّة بالسُّهولة، إذ كانَ مجازُه الوسطيّ ٤٨٦ متر أطولَ من أيِّ جسرٍ ثانٍ في ذلكَ الوقت، ليصبحَ واحداً من معالمِ مدينةِ نيويورك، وواحداً من المناطقِ الرئيسة في المدينة لجذبِ السيَّاح ومحبِّي التَّصوير، إضافةً إلى مساهمتِه في تحسينِ اقتصادِ بروكلين تحسيناً كبيراً.

جسرُ البرج في لندن، المملكة المتّحدة:

بدأ بناؤهُ عامَ ١٨٨٦ حتّى عام ١٨٩٤، ويُعَدُّ الجسرُ مزيجاً من الجسرِ المعلَّق والمتحرِّك (القلَّاب)، ويقعُ فوقَ نهرِ التَّايمز على امتدادِ ٨٢ متراً قرب برج لندن مستمدَّاً اسمه منه، ليصبحَ اليوم معلماً مميَّزاً في مدينةِ لندن.

وقد صُمِّمَ الجسرُ من قِبَلِ سير هوراك جونز وأشرفَ عليه سير جون وولف باري، ممَّا أعطى ارتياحاً كبيراً بينَ سكَّانِ المدينة، إذ كانَ جسرُ لندن السَّابق غيرَ قادرٍ على تلبيةِ حاجةِ السكَّان.

ويحتوي الجسرُ على قسمين يمكن رفعهما من أجلِ حركةِ مرورِ المراكب في النَّهر، وممر مُشاة على ارتفاعِ ٤٢ متراً فوقَ سطحِ الماء، ويتيحُ هذا التَّصميمُ الذكيّ إمكانيَّةَ استمرارِ عبورِ المشاة حتَّى عندَ رفعِ الجسر جزئيَّاً.

وكما قلنا بدايةً فإنَّ إتقانَ التَّصميم والتَّنفيذ وتحقيقَ هدفِ الإنشاء بأفضلِ شكل هوَ ما يحدِّدُ مدى عظمةِ هذا الجسر أو ذاك، والأهمُّ من ذلك كلِّه هو قبولُ العامَّةِ له.

في الجزء القادم من سلسلةِ الجسورِ العظيمة سوف نتعرَّفُ معاً على مجموعةٍ أخرى من الجسورِ العظيمة وما حققته وماذا تطلّبَ إنجازُها، لنستخلصَ في نهايةِ سلسلتِنا الصِّفات التي تجمعُ  بينها.

فما الذي يجعل الجسرَ عظيماً؟ شاركنا برأيك.

المصادر: 

هنا

هنا

هنا