البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

لماذا تزدادُ جوائحُ الإنفلونزا خطورةً؟

آلامٌ عضليةٌ ومفصلية؛ مع حمَّى وصداعٍ وسَيَلانٍ أنفيّ؛ تجعلُنا طريحيّ الفِراشِ عدَّةََ أيامٍ، ومنْ ثَمَّ شفاءٌ دونَ تناولِ أدويةٍ باستثناءِ تلكَ التي تُخفِّفُ منْ حدَّةِ الأعراضِ المُرافِقةِ، فهذهِ هي الإنفلونزا Influenza واختصاراً Flu. ويُسبِّبُ هذا المرضَ مجموعةٌ منَ الفيروساتِ التي نُسمِّيها فيروسَ الإنفلونزا على نحوٍ عامّ، وهي في الواقعِ أربعةُ أنواعٍ من الفيروساتِ؛ هي D-C-B-A، ولكنْ لا بدَّ أنْ نُميّزَ الإنفلونزا منَ الزكامِ العاديِّ Common cold الذي تكونُ أعراضُه أقلَّ حدةً، وتسببُه فيروساتٌ أُخرى كالفيروسِ الأنفيِّ rhinovirus أو الفيروسِ الغُديِّ Adenovirus.

  وغالباً ما تكونُ الإصاباتُ بالإنفلونزا على شكل جائحاتٍ طيلةَ فصلِ الشتاءِ، ويكونُ عددُ ضحاياها وسطياً 400،000 وفيةٍ في أنحاءِ العالمِ سنوياً؛ وأغلبُهُم منَ الأطفالِ والمُسنِّينَ الذينَ تكونُ مناعتُهم ضعيفةً نسبياً.

وعند حدوثِ العدوى، يُخرِّبُ الفيروسُ الأغشيةَ المُخاطيَّةَ المُغطيةَ للسبيلِ التنفسيِّ العلويِّ، والذي يُعدُّ الحاجزُ الأولُ لصدِ العوامِلِ المُمرضةِ؛ لذلكَ يصبحُ المريضُ أكثرَ عُرضةً للإنتاناتِ؛ خاصةً الجرثومية منها؛ إذ أنَّ التهابَ الرئةِ الجرثوميِّ الثانويِّ هو السببُ الفعليُّ لوفاةِ المرضى المصابينَ بالإنفلونزا، وليسَ فيروسَ الإنفلونزا بحدِّ ذاتهِ.

وأمَّا فيما يتعلَّقُ بأنواعِ فيروساتِ الإنفلونزا، فإنَّ فيروسَ الإنفلونزا D لا يصيبُ البشرَ، ولا تُعدُّ الإصابةُ بفيروسِ الإنفلونزا C خطيرةً، لكنَّ فيروسيّ الإنفلونزا A وB هما المسؤولانِ عنْ مُعظمِ حالاتِ الوفاةِ المرتبطةِ بالإنفلونزا، ولكلٍّ منهما بروتينَينِ خاصَّينِ؛ البروتين Hemagglutinin H والبروتين Neuraminidase N، وَتحدِّدُ هذهِ البروتيناتُ هويةَ الفيروسِ والخلايا المناسِبةِ للإصابةِ، وتساعدُ في البحثِ عنِ اللقاحِ المناسبِ لهُ.

وفيما يخصُّ فيروسَ الأنفلونزا A؛ فيوجَد فيه 11 نوعاً من البروتين N و18 نوعاً من البروتين H، ويُغيِّرُ الفيروسُ أعدادَها دائماً، ومنْ أرقامِ هذهِ البروتيناتِ تستمدُّ الفيروساتُ أسماءَها، فمثلاً؛ يُطلَقُ على فيروسِ إنفلونزا الخنازيرِ اسمُ: H1N1؛ وعلى فيروسِ إنفلونزا الطيورِ اسمُ: H5N1.

 

 

وتَتميزُ هذهِ الفيروساتُ بقدرتِها العاليةِ على إحداثِ طفراتٍ في مادَّتِها الوراثيةِ، وهذا ما يجعلُ صنعَ لقاحٍ وحيدٍ ودائمٍ لها أمراً صعبَ التحقيقَ؛ فإذا أُعطِي المريضُ لقاحاً ضدَّ فيروسِ الإنفلونزا A الحاملِ للبروتينين H5N1 (وهي التي تُعرَفُ بإنفلونزا الطيورِ)؛ ثمَّ عدَّلَ هذا الفيروسُ مادتَه الوراثيةَ لِتُصبحَ H1N1 (وهي التي تُعرَفُ بإنفلونزا الخنازيرِ)، فسوفَ يُصبِحُ اللقاحُ المُعطَى غيرَ مُجدٍ، ولهذا السببِ؛ يُطوَّرُ لقاحُ الإنفلونزا ويتغيَّرُ كلَّ عامٍ.

 ومنَ الجديرِ ذكرُه أنَّ مُعَدَّلَ الوفياتِ المرتبطةِ بالإنفلونزا قدِ ارتفعَ في العامِ المنصرمِ على نحوٍ ملحوظٍ؛ وخاصَّةً في نصفِ الكرةِ الجنوبيِّ، وَوصلتِ العدوى إلى شواطئِ بريطانيا، ويُرجَّحُ أنَّ مصدرَ الفيروسِ الذي سَبَّبَ هذهِ الجائحةَ هو المناطقُ شبهُ الاستوائيةِ التي لا تَشهدُ فصلَ شتاءٍ فعليِّ.

والفيروسُ الذي تَسبَّبَ في هذه الحالةِ هو فيروسُ الإنفلونزا A من النمطِ H3N2، وهو كفيروساتِ الإنفلونزا الموسميةِ، ويُشبهُ الفيروسَ (H1N1) لكنْ يَصعُبُ السيطرةُ عليه، وقد ظهرَ بأعراضٍ أقوى لدى كبارِ السنِّ.

وإضافةً إلى ذلك؛ فقد كان لفيروسِ الإنفلونزا B دورٌ مهمٌّ في جعلِ موسمِ المرضِ السابقِ أكثرَ خطورةً، لأنَّ لقاحَه يُعطَى بنسبةٍ أقلَّ نظراً لقلةِ انتشارِه مقارنةً بفيروسِ الإنفلونزا  A فكانَ المرضى أكثرَ عرضةً للإصابةِ بهِ.

ومنَ المُهمِّ الإشارةُ إلى أنَّ عمليةَ إنتاجِ اللقاحِ المناسبِ في عامٍ هي عمليةٌ معقدةٌ، وبحاجةٍ إلى العديدِ منَ الإحصائياتِ والدراساتِ على سلالاتٍ مختلفةٍ من الفيروسِ، كي يُنتَقَى النمطُ الأكثرُ رجحاناً ويُنشَرَ في موسمِ المرضِ، وكذلك ليُركَّبَ اللقاحِ ويُنتَجَ ثمَّ يُعطَى لشرائحَ مختلفةٍ من الناسِ.

وعلى الرَّغمِ منْ تراكمِ المعلوماتِ التي تُزيدُ من دقَّةِ العملِ وتُحسِّنُ من جودةِ اللقاحِ؛ يُفاجئِنا هذا الفيروسُ دوماً بطرائقَ مُبتَكرةٍ لمقاومةٍ اللقاحٍ، وكلُّ ما يمكنُنا أنْ ننصَحَك به لِتجنبِ عدوى الإنفلونزا هو أخذُ اللقاحِ السنويِّ، واتباعُ العاداتِ الصحيةِ وخاصةً فيما يتعلَّقُ بالنظافةِ الشخصيةِ، والابتعادُ عنِ الأماكنِ المزدحمةِ، معَ أمنياتِنا لكم بدوامِ الصحةِ والعافيةِ.

المصادر:

هنا

Ryu، Wang-Shick. Molecular Virology of Human Pathogenic viruses. Academic Press، 2016.