الطب > طب العيون

زراعة القرنيّة بالخلايا الجذعيّة

استمع على ساوندكلاود 🎧

إنجازٌ طبيٌّ فريدٌ من نوعِه سجَّلَهُ الفريقُ البحثيُّ في كليّةِ الطبِّ في جامعةِ "هارفرد" الأمريكيَّة، وقد اخترقَ بهِ ظلامَ العيونِ غيرِ المُبصرِةِ لِيعيدَ النورَ إلى كثيرٍ من الأشخاصِ الذين كانوا قد فقدوا أبصارَهم؛ إذ شهدَتِ الوسائلُ الطبيّةُ المُعتمِدةُ على الخلايا والهندسة الجينيةِ والنسيجيةِ تطوراً سريعاً في هذا المجال، وربَّما تشكل بديلاً عن المعالجاتِ التقليديةِ في المستقبل القريب، وخاصّةً في علاجِ أذيّات القرنيَّة.

لنتعرّف معاً في هذا المقال على أحدِ إنجازاتِ رحلةِ الباحثين في علمِ الخلايا الجذعيّة؛ ألا وهو زرعُ القرنيَّةِ بالخلايا الجذعيَّة.

بدأتِ التجربةُ بزرعِ خلايا جذعيَّة مُنقَّاةٍ من منطقةِ الحوفِ خلفَ القرنيّة - وذلك من أنسجةٍ قرنيَّةٍ سليمةٍ لإنسانٍ بالغٍ مُتبرِّعٍ - داخلَ عينِ فأرٍ يعاني من عمى قرنيَّة، ثمَّ فُحِصتْ بعد 5 أسابيعَ وكذلك بعدَ 13 شهراً لمعرفةِ إذا ما كانتِ القرنيَّاتُ قد تكاثرت أم لا! فوجدَ الباحثون أنَّ هذه الخلايا قد استطاعت إصلاحَ تَلَفِ القرنيَّة فبدَتْ طبيعيَّةً مماثلةً للقرنيةِ السليمةِ بسماكتِها وتعبيرِها البروتيني.

والآن أَلَم يحرّك أذهانَكُم الفضولُ لمعرفةِ آليَّةِ هذه الإصابةِ وكيفيّة حلّ مشكلاتِها؟؟

في سياقٍ متصلٍ؛ أشارَ الباحثون إلى أنَّ الخلايا الجذعيَّة المكوِّنة للقرنيَّة تتعرَّضُ للتلَفِ المستمرّ نتيجةَ أذيّاتٍ أو إنتاناتٍ أو حتّى أمراضٍ مناعيّةٍ ذاتيّة، وأنَّ هذا التلَفَ يُصلَحُ تلقائيّاً عن طريقِ خلايا جذعيّةٍ موجودةٍ خلف القرنَّيةِ تُسمَّى limbal stem cells-الخلايا الجذعيَّةَ الحوفيّة، لكنَّ كثرةَ الإصابةِ بأمراض العين على نحوٍ يفوقُ قدرةَ الخلايا الجذعيّة الحوفيّة في الحفاظِ على القرنيَّةِ شفَّافةً؛ قد يؤدّي إلى حدوثِ ضعفٍ في الرؤيّة أو العمى أحياناً.

وأوضحَ الباحثون أنَّ العلاجَ الوحيدَ لهذه المشكلةِ هو زرعُ خلايا جذعيّة حوفيّة جديدةٍ، وذلك إمَّا من عين المريضِ السليمة وإمّا من متبرعٍ مُتوفَّىً، علماً أنَّ زرعَ الخلايا الجذعيّة الحوفيّة من عين المريض السليمةِ أفضلُ، وذلك لقلةِ احتماليّةِ رفضِها من قِبَلِ الجهازِ المناعي.

ولكن؛ ما المشكلةُ في تطبيقِ هذه التقنية ؟!

أوضحتِ الدراساتُ بأنَّ هذهِ العمليّةَ مُعقَّدةٌ، لأنَّ إيجادَ هذه الخلايا بوفرةٍ في عينِ المُتبرِّعِ ثمَّ التعرفَ عليها ليست بالعمليَّةِ السهلة.

ولكشفِ هذا اللغزِ؛ استطاعَ الباحثون - بمزيدٍ من التجارِبِ والتحليلِ - تحديدَ البروتين الموجودِ على سطحِ الخلايا الجذعيّة الحوفيّة والمسؤولِ عن إنتاجِها وأطلقوا عليه(ABCB5)، ومن ثمَّ طوّروا أجساماً مضادةً واسمةً للخلايا الجذعيّة الحوفيّة في عيّنةٍ من الخلايا الحوفيّةِ الإنسانيّة، ممّا كان له دورٌ مهمٌّ في تحقيقِ تقنيّةِ تنقيةٍ حصريةٍ للخلايا المسؤولةِ عن نجاحِ زرعِ قرنيّةِ المريضِ وإعادةِ إصلاحها.

وقالَ الدكتور بروس كزاندر أستاذُ طبِّ العيون في كليَّة الطب في جامعة "هارفرد": "تجعلُ استنتاجاتُنا استعادةَ سطحِ القرنيَّةِ أمراً سهلاً، وتُعَدُّ مثالاً جيَّداً جداً عن البحوثِ التي تجدُ طريقَها للتطبيق سريعاً".

وأكدّت ناتاشا فرانك - عضو هيئة التدريس التابعة لمنظمة "هارفرد" للخلايا الجذعيَّة HSCI - في الأعمالِ التي نُشِرت سابقاً عن زروعِ الخلايا الجذعيَّة الحوفيَّةِ أنَّهُ كلما كانت نسبةُ الخلايا الجذعيّة المزروعةِ أكثرَ من ثلاثةٍ في المئة كانتِ النتيجةُ ناجحةً، وتقلُّ فرصةُ النجاحِ إذا كانت أقلَّ من ذلك.

وأخيراً؛ من الجدير بالذكر أنَّ موافقةً أوروبيّةً - ربَّما مبدئيّةً - قد صدرت على أحدِ المنتوجات الطبيَّة الحاويةِ على الخلايا الجذعيَّة لعلاج القرنيّة، ممَّا قد يفتحُ البابَ واسعاً أمامَ أملٍ واعدٍ وأبحاثٍ مُتقدِّمة.

المصدر:

هنا

هنا

هنا