البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

الإنجابُ على الرغمِ من العقمِ والتقدّمِ بالسنّ

تعودُ خلايا الجسمِ - على اختلافِ أحجامِها وأشكالِها ووظائفِها - بأصلِها إلى نوعٍ واحدٍ من الخلايا، والتي تُسمّى بالخلايا الجذعية STEM CELLS أو بالخلايا الأمّ، وذلك لأنّها أصلُ الخلايا وأساسُ التفرّع، ولها نوعان: النوعُ الأولُ هو خلايا جذعيّةٌ جنينيةٌ تُعزَلُ من الأجنةِ البشريّةِ الناتجةِ عن التلقيحِ الصناعيّ، أو عن الحملِ الطبيعيّ عندما يتراوحُ عمرُ الجنينِ بين 3-5 أيامٍ، وتتّصفُ بكونِها غير مُتخصّصةٍ،  فهي قادرةٌ على التحوّلِ إلى خلايا مُتخصِّصة تِبْعاً لإشاراتٍ بروتينيّةٍ أو هرمونيّةٍ تَرِدُ بتراكيزَ معيّنةٍ، والتي تمكّنُها من التحولُ إلى أيِّ نوعٍ آخرَ من الخلايا المتخصّصة.

وأمَّا النوعُ الثاني من الخلايا الجذعيةِ فهو الخلايا الجذعيةُ البالغة، والتي توجدُ لدى الأطفالِ والبالغين على حدٍّ سواء، ولكنها أقلُّ أهميّةً من الجنينيّة لأنها متعدّدةُ القدرات، إضافة لكونها غيرَ وافرةٍ؛ أي إنَّ لها القدرةَ على التحوّلِ الى خلايا متخصِّصةٍ تبعاً للنسيجِ الموجودة فيه فحسب.

ومعَ اكتشافِ الخلايا الجنينيّةِ؛ لاحَ في الأفقِ حلٌّ لمشكلةِ العقم ولمعاناةِ الإناثِ من عدم القدرة على الإنجاب بعد انقطاعِ الطمث، فأعدادُ البُوَيضاتِ لدى إناث الثدييات تتناقصُ تدريجيّاً وصولاً إلى انعدامِها المُطلَقِ في مرحلةِ ما بعد الطمث.

وفي هذا السياق؛ وفي عام 1998؛ تمكّنَ العلماءُ من عزلِ خلايا بشريّةٍ جنينيّةٍ من جنينٍ نتجَ عن عمليّةِ تلقيحٍ صناعيّ، وتمكّنوا عن طريقِ تحفيزِ هذه الخلايا الجنينيةِ من تحويلها الى خلايا بيضيّة، وبذلك تكوّنتْ لدينا الأمشاجُ اللازمةُ لإنتاجِ ذُرّيّةٍ طبيعيّة، وكما تذكرُ مجلةُ SCIENCE فإنَّ "هاياشي" الخبير في البيولوجيا الجزيئيّةِ وزملاءَه قد تمكّنوا من تحفيزِ خلايا جذعيّةٍ جنينيّةٍ وتحويلِها إلى خلايا بيضيّةٍ أبدتْ استعداداً للتخصيب بالحيوانات المنوية، وهو ما يفتحُ باباً للقضاءِ على العقمِ مُستقبلاً.

وفي حالِ عدم توافر الخلايا الجذعيّةِ الجنينيّةِ فإنَّ الخلايا متعدِّدةَ القدراتِ ستفي بالغرض، فسوف تُحفَّزُ في بيئةٍ مناسبة، لتتحوّلَ إلى خليّةٍ جرثوميّة، وهي الخلايا الأصلُ التي تتشكّلُ منها الخلايا الجنسية، ومن ثمّ تصلُ هي الأخرى إلى مرحلةِ البويضة الجاهزةِ للتخصيب، ولكنْ في هذه الحالةِ يجبُ إعادةُ جينوم هذه الخلايا الجرثومية للوضعِ المبدئيّ، استعداداً للجيلِ التالي؛ أي يجبُ أن تفقدَ طلائعُ الخلايا الجرثوميّةِ تعديلاتٍ كيميائيةٍ معيّنة موجودةٍ عبر الجينوم ككلّ وتسيطرُ على نشاطِ الجيناتِ ويُطلَقُ عليها اسمُ المؤشراتِ الوراثيّةِ اللاجينيّة؛ المتمثّلةِ بزُمَرِ الميتيل التي تُضافُ إلى إحدى نُسختَي الجيناتِ التي نرثُ أحدَها من الأمَ والآخرَ من الأب، وبذلك تمنعُها من التعبيرِ عن نفسها، وتُسمّى حينَها بالجيناتِ المُدمَغة imprinted genes، ويُعبَّرُ بعد ذلك عنها بطريقةٍ محدّدةٍ جنسياً بفعلِ صبغيّاتِ الأمِّ أو الأب، ولها أدوارٌ حاسمةٌ في نموِّ الجنين.

ومع كلِّ ما ذكرناهُ؛ مازالتْ عملياتُ تحويلِ الخلايا الجذعيةِ على اختلافِ أنواعها إلى أمشاجٍ قيدَ الدراسةِ والبحث، فعمليةُ التطبيقِ معقَّدةٌ نوعاً ما، وأيُّ خطأٍ - حتى وإن كان بسيطاً - سيفضي إلى عواقبَ وخيمة. وتمرُّ الخليةُ الجرثوميةُ بفتراتٍ مهمةٍ ودقيقةٍ من التغيُّراتِ والانقسامات أيضاً حتى تصلَ إلى شكلِ البويضةِ بخصائصها ووظيفتها الطبيعية، وهي عمليةٌ قد تشوبها أخطاءٌ تقنيّةٌ ومُفاجِئةٌ كالطفراتِ أو التعديلاتِ الكيميائيةِ الخاطئة.

ولكن؛ هل من الممكن تحويلُ خلايا متخصصةٍ الى خلايا في الحالة الجنينية؟

هذا ما فعله Katsuhiko Hayashi في تجربةٍ على الفئرانِ في المُختَبر؛ إذ استطاعَ الحصولَ على خلايا جرثوميةٍ أوليةٍ باستخدام الخلايا الجلديّة، والتي بدورها أعطتْ خلايا حيواناتٍ منويةٍ أو بويضات، ولإثباتِ أنَّ هذه البويضات التي أُنتِجَت مخبرياً مشابهةٌ لتلك التي توجدُ في الحالةِ الطبيعية في مبايض إناثِ الفئران؛ فقد خُصِّبَت هذه البويضاتِ مخبرياً، وكانت النتيجةُ الحصولَ على فئرانٍ حيةٍ وبحالةٍ جيدة.

أثارت هذه التجربة صخباً واسعاً؛ إذ من خلال هذه النتائج أصبح بالإمكان - ولو من الناحية النظرية - استخدامُ الخلايا الجلديّةِ للنساءِ المصاباتِ بالعقم لإنتاج خلايا بيضيةٍ جديدة، فضلاً عن أنّه من الممكن إنتاجُ حيواناتٍ منوية من الخلايا نفسِها أيضاً، وبالطبع؛ يُمكنُ استخدامُ خلايا الجلدِ عند الذكور لإنتاج بويضاتٍ أو حيواناتٍ منويّة، وهنا برزتْ المشكلاتُ الأخلاقيةُ المتعلِّقةُ بالموضوع.

وفي هذا الصدَّد؛ يهتمُّ العلماءُ بتطبيقِ الاكتشافاتِ المهمّةِ تدريجيّاً، وبهذا بدأ تطبيقُ تقنيةِ تحويلِ الخلايا الجذعية الى أمشاجٍ على الفئران، وكانت النتائجُ باهرةً بالحصولِ على ذرارٍ سليمةٍ ظاهرياً، مع وجودِ نسبةٍ من النسلِ تعاني عجزاً سلوكيّاً، لكنّها لا تُعدُّ مشكلةً فيما لو قورنت بانعدام النسل، وفي مرحلةٍ لاحقةٍ ستُنقَلُ هذه التقنية للتجربةِ على القِردةِ، ومن ثَمَّ على العنصرِ الأهمِّ والمُجرَّبِ الأخير؛ وهو أنت!

فقد أوضح ريني ريو بيرا وهو كبيرُ الباحثينَ في كلية الطب في جامعة ستانفورد أنَّ 10-15% من الأزواجِ يُعانونُ من العقم، ونصفُهم يعاني من العقمِ الناجمِ عن قلّة عددِ الأمشاج، سواءً أكان ذلك لدى الذكرِ أم كان لدى الأنثى، وهي المشكلةُ التي يمكنُ حلُّها بتطويرِ دراسةِ الخلايا الجذعية وتطبيقاتِها في التحويلِ إلى أمشاج.

 

و بعد هذه الدراساتِ المتنوّعةِ المتعلّقةِ بالخلايا الجنينيةِ من جهة؛ وبالخلايا المتخصّصةِ (الجلدية) من جهةٍ أخرى؛ وقدرتِها على وهبِ النساءِ اللواتي يعانين من نقص البويضات وانقطاعها أملاً جديداً؛ ربما يأتي يومٌ نودّعُ فيه العقمَ والتقدمَ بالسنّ معاً قائلين: أنتِ أمٌّ كما أردتِ أن تكوني.

وبالطبعِ، وكما لكلّ مسألةٍ جوانبُ إيجابيّةٍ وأخرى سلبيّة، ظهرتْ بعدَ هذه الدراساتِ آراءٌ متعددةٌ، منها مَا دعمَها لأنها تفتحُ أفقاً جديداً لكلِّ من حُرِمَ من الإنجابِ، ومنها مَا عارضها لأنها تعارضُ المبادئ الأخلاقية من ناحية التعاملِ مع الأجنّة، وماهيّة نَسَبِ الأجنّةِ الناتجةِ في حال نجاح التجارب.

 


 

إعداد: نور ملك

 

hr />

المصادر: 

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا

5 - هنا

6 - هنا

7 - هنا

8 - هنا