الطب > أمراض نسائية وتوليد

سن انقطاع الحيض: هدية الطبيعة إلى البشرية!

"سنُّ اليأسِ" أو "الضَّهيُ" أو غيرُه من المسمَّياتِ الأخرى التي تُطلَقُ على المرأةِ  (غالباً عند تجاوزها الأربعين عاماً) توحي لنا بأنَّ كلّاً من تقدُّمِها في العمر وانقطاعِ الدورة الشهرية عندها هما حتماً ناتجٌ سيّئٌ ومؤشِّرٌ يدلُّ على أنَّ الفترةَ المُنتِجةَ من حياتِها قد قاربت على الانتهاء. ولكن؛ هل لانقطاعِ الدورةِ الشهريةِ عند المرأة ذاك التأثيرُ السلبيُّ فعلاً؟ وهل يتداعى دورُها الفعّالُ بسببِ انقطاع الحيض؟

على النقيضِ تماماً ممّا هو سائدٌ في الأذهان؛ فإنَّ النظرياتِ والأبحاثَ الحديثةَ التي تحاولُ حلَّ لغزِ انقطاعِ الطَّمْثِ في السنواتِ التي تلي الأربعين تقترحُ أنَّ عمليةَ الانتقاءِ الطبيعي* "natural selection” في العصورِ السابقة قد فضَّلتِ النساءَ اللواتي عِشْنَ فترةً عمريّةً طويلةً نسبياً بعدَ انقطاع دورتهنَّ؛ إذ سمَحَ لهنَّ ذلك بالانتقالِ من دورِ الأمِّ إلى دورِ الجدَّةِ نظراً لتوقف الإنجاب، وحسَبَ الدراساتِ؛ فإنَّ الأطفالَ الذين حظَوا برعايةِ الجدَّةِ إلى جانب رعايةِ الأم كانت لديهم الفرصةُ الأكبر في البقاءِ بصحةٍ جيدةٍ إلى حينِ مرحلة النضوج.

وإذا ما تطرّقنا إلى إحدى أهمَّ النظرياتِ التي تدرسُ دورَ المرأة عبر التطور*، والتي تُدعَى بفرضيةِ الجدة "The grandmother hypothesis"؛ فسوفَ نجدُ أنّها تنصُّ على أنَّ انقطاعَ الدورةِ الشهريةِ؛ ومن ثَمَّ توقُّفُ الحملِ؛ قد وفَّرَ للمرأةِ وقتاً أطولَ للمشاركةِ في المجتمع بعيداً عن مَتاعبِ الحمل والولادة والإرضاع، وكلُّ هذا يُوضِحُ أنَّ ما يُدعى بـِ "سنّ اليأس" هو في الحقيقةِ عاملٌ مُساعِدٌ على استمراريةِ الجنس البشري، وهو ما خلقَ مفهومَ الجدَّةِ في مجتمعنا اليوم؛ إذ عزّزتِ الجدة في العائلةِ على نحوٍ غير مباشرٍ استمراريةَ النجاةِ لدى الأطفال في البيئة المحيطة بهم بكلِّ مصاعبها، وذلك عبرَ مساعدتِها في توفيرِ الغذاءِ، وفي تعزيزِ شبكةِ الحمايةِ لأطفالِ عائلتِها.

وعلى الرغمِ من أنَّ أسباباً أُخرى - كتغيُّرِ الحِميةِ الغذائيةِ لدى الإنسان عبرَ ملايينِ السنين، وتطوُّرِ حجم دماغه - قد ساهمَت في انقطاعِ الحيضِ لدى المرأة بعدَ سنٍّ مُعيَّنة؛ لكنَّ حاجةَ العائلةِ العميقةِ إلى رعايةِ الجدَّةِ بقيَ لها الدَّورُ الأساسُ في ذلك؛ أي إنَّ الجدَّةَ كانت أداةَ تكيُّفٍ ضروريةً لتأمينِ فُرَصِ حياةِ أفضلَ للأطفال.

وعلى الرغم من أنَّ انقطاعَ الحيض يُسبِّبُ بعضَ الأعراضِ الجسديةِ والتغييراتِ الهرمونية لدى المرأة في أثناء فتراتٍ معينةٍ، لكنَّ ذلكَ لا يَحِدُّ أبداً من تأثيرِها وفعاليَّتها شديدةِ الأهمية في المجتمع، فكلٌّ منَ التوقُّفِ عن الإنجابِ والمساعدةِ في ربطِ شملِ العائلة قد أنتجَ أطفالاً أكثرَ صحةً من الاستمرارِ في الإنجاب دونَ بيئةٍ حاضنةٍ ومُساعِدة.

الحاشية:

*  الانتقاء الطبيعي: هو اختلافُ الأفرادِ في مجموعةٍ ما جينيّاً على النحو الذي يجعلُ بعضَ الصفاتِ تعطي لِمن يمتلكُها قدرةً وفرصةً أكبر من الأفراد الآخرين على البقاءِ ونشر السُّلالةِ والجينات، وهي إحدى الآلياتِ الأساسيةِ في عملية التطور.

*  التطور:هو انتقال الكائنات من طورٍ إلى آخر إذ يموت بعضُها قبل إنجاب النسل لأسبابٍ تتعلّق بوجود مواصفاتٍ غير ملائِمةٍ للعيش والنجاة في البيئة الحالية، ومن ثمَّ تبقى فقط الكائنات التي تمتلك صفاتٍ مناسبةٍ للمكان المحيط ووينجبون الاطفالَ الذين يحملون مواصفاتِهم الجينية التي فضَّلتها البيئةُ الطبيعيةُ التي يعيشون فيها.

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا