البيولوجيا والتطوّر > علم المورثات والوراثة

علم الجينوم: 15 عاماً و 15 تحولاً مؤثراً في حياتنا.

يحتفلُ العالَمُ اليومَ بالذكرى الخامسةَ عشرةَ لإتمام مشروعِ الجينوم البشري؛ ولإحياء ذكرى هذا الحدث المهمِّ نعرِضُ لكم خمسةَ عشرَ تطوراً تكنولوجياً حدَثَ في مجال علم الجينوم Genomics منذ إنجاز مشروع الجينوم البشري:

1-   تقليلُ تكلفةِ سلسلةِ الجينوم مليونَ مرة.

هل تعلم أنَّ الجينومَ الخاصَّ بك يحوي 6 مليارات وحدةِ بناءٍ، وأنَّه صار بإمكاننا قراءةُ وحداتِ البناءِ هذه في غضونِ يومٍ واحدٍ؛ وبتكلفة 1000$ فقط.

وقد أتاحتِ القفزاتُ التكنولوجيةُ - منذ إنجاز مشروع الجينوم البشري - كثيراً من التطوراتِ المتعلقة بالجينوم في مجالات الطب والزراعة، وحسّنت فهمنا للتطور.

2-   فهمُنا ما الذي يجعلُنا مختلفين عن بعضنا.

إذا تكلَّمنا على مستوى أزواجِ الأسسِ المكوِّنةِ للجينوم فإنَّ جينومَك يشبهُ بنسبة 99،9% جينومَ البشر الآخرين، ولكن هل تشكِّل الـ 0،1% المتبقيةُ كلَّ الاختلافات التي تجعلك فريداً عن غيرك؟

لقد تعلَّمنا في الـ15 سنةً الماضيةَ أنَّ جينومات البشر تختلف عن بعضها اختلافاتٍ شتّى، وتساعِدُ هذه الاختلافاتُ في الـ DNA على تحديدِ الكيفيةِ التي تبدو عليها - أنتَ - ومدى مخاطرِ تعرُّضِك لمجموعةٍ متنوَّعةٍ من الأمراض.

وإضافة إلى ذلك؛ تعملَّنا أنَّه لا يُمكِن معرفةُ تأثير جين ما مباشرةً؛ فعلى الرغم من وجودِ بعضِ التنوُّعاتِ الجينية المرتبطة بصفةٍ ظاهريةٍ واضحةٍ (كصفة الشعرِ الأحمرِ العائدةِ إلى واحدٍ من ثلاثةِ تغيُّراتٍ في أسُسِ أحد الجينات)؛ لكنَّ دراسةً كبيرةً عام 2012 أظهرَت أنَّ كلَّ إنسانٍ لديه قرابة 200 جينٍ معطوب، وأنَّ كلتا النّسختَين في قرابةِ 20 من هذه الجينات تكونان غيرَ فعالتَين، وقد رُبِط تعطيلُ بعض هذه الجينات مع أمراضٍ جينيةٍ على الرغم من أنَّها هنا لا تسبِّبُ أيَّ شيء! وبالمختصر؛ لا يزال أمامنا الكثيرُ لنتعلَّمَه.

3-   انتقلت طرائقُنا في دراسة السرطانِ وتشخيصِه وعلاجِه إلى مستوىً جديد.

لقد باتَ بالإمكانِ تشخيصُ السرطان بواسطةِ اختبارٍ على عيِّنةِ دم، ونحن نتَّجهُ نحوَ علاجِ السرطان على أساسِ التغيُّرِ الواقعِ على مستوى الجينوم والمسبب له أيضاً، لا على أساس مكانِ حدوثِه في الجسم.

4-   معرفةُ أصولِ البشر والأصولِ العائلية.

هل كنت تعلمُ أنَّ جينومَك يساعدُ في الكشفِ عن تاريخِ أسلافك؛ القريبينَ والبعيدين على حدٍ سواء؟

لقد سمحَ التقدُّمُ الواقعُ لنا - منذُ إنجاز مشروع الجينوم البشري - بمقارَنةِ التسلسلاتِ الجينوميةِ بين البشر، ومعرفةِ التاريخِ الجماعي لأسلافنا.

5-   على مستوى الزراعة: مساعدةُ الفلاحين في تطويرِ المردود الغذائي.

أتاحَ علمُ الجينوم للمزارعين تسريعَ أساليب تخصيب النبات والحيوان وتحسينَها؛ وكانت قد ظلَّت دونَ تغييرٍ آلافاً من السنين؛ إذ تتيحُ القدرةُ على قراءةِ التسلسلاتِ الجينومية - مترافقةً مع التكنولوجيا التي تُقدِّمُ جيناتٍ جديدةً أو تغيُّراتٍ جينية - تسريعَ عملياتِ اختيارِ الصِّفاتِ المرغوبة في الحيوانات والنباتات.

6-   أصبحنا نتعلَّمُ عن دور الجينوم كمُخطِّطٍ للحياة.

إن معرفةَ التسلسلاتِ الجينومية لكائنٍ ما يكشفُ جُزءاً من القصة الكاملة فقط.

تُشكِّلُ الجيناتُ العاملةُ ما نسبتُه أقلُّ من 2% من الجينوم البشري، ولكنَّنا نعلمُ أنَّ الأجزاءَ الأخرى مُهمّةٌ أيضاً لأجل تنظيمِ الجينوم وترجمتِه؛ إضافةً إلى الاستجابةِ للمؤثرات البيئية. ومع ذلك؛ يبقى عملُ أجزاءٍ كبيرةٍ من الجينوم لُغزاً غامضاً حتى الآن.

7-   التطوُّرُ في مجالاتِ الأمراض الجينية النادرة.

بالفعلِ؛ يولَدُ الأشخاصُ النادرون باستمرارٍ؛ إذ يعيشُ قرابةُ 350 مليون شخصٍ مع أمراضٍ نادرة، وهي بالتعريفِ الأمراضُ التي يحملُها أقلُّ من 20000 إنسان، وقرابةُ 80% من هذه الأمراضِ هي ذاتُ أصلٍ جينيّ، ووليس لقرابةِ 95% من هذه الأمراض الجينية أيُّ علاجٍ مُوافَقٌ عليه من قِبَلِ إدارة الغذاء والدواء الأميركية FDA، ومع ذلكَ؛ فهناك تقدُّمٌ جليٌّ في معرفةِ أسبابِ بعض هذه الأمراض النادرة وتشخيصِها.

8-   علمُ العقاقير الجينومي.

أتاحَ التطوُّرُ الواقعُ في علم الجينوم ظهورَ علمِ العقاقير الجينومي (pharmacogenomics)؛ وهو علمٌ جديدٌ يهتمُّ بتخصيصِ الأدويةِ للفردِ على أساسِ جينومه، إذ يُنتقَى الدواءُ المُناسِبُ بالجرعة المناسبة لكل مريضٍ على حِدة.

9-   تحقيقُ ثورةٍ في علم التشخيص قبل الولادة.

تسمحُ سلسلةُ الـ DNA اليومَ باختبار وجودِ تغيُّراتٍ جينوميةٍ مُحدَّدةٍ في الأطفال قبل الولادة، وذلك باستخدامِ عيّنةٍ صغيرةٍ من دمِ الأمِّ الحامل.

10-  تحسينُ التحاليلِ الجنائيّةِ

مع أنَّ استخدامَ تحليل الـ DNA جنائياً كان قد بدأ قبلَ إنهاءِ مشروع الجينوم البشري؛ لكنَّ الطرائقَ الجديدةَ تُسرِعُ العمليةَ وتُحسِّنُها على نحوٍ كبير؛ فضلاً عن أنَّ قواعدَ بياناتِ الـ DNA الضخمةَ تجعلُ من عمليات البحثِ أكثرَ فاعلية.

فمثلاً ما يُعرَفُ بمؤشِّرِ الحمض النووي الوطني في الولايات المتحدة الأمريكية (National DNA Index) يحوي معلوماتٍ من أكثر من 16 مليون شخص، وقد استُخدِمَ في أكثر من 387000 حالةِ تحقيقٍ جنائيّ.

11-  الجراثيمُ والميكروبيوم.

فضلاً عن الجراثيمِ التي تجعلك مريضاً؛ هناك جراثيمُ بكمياتٍ هائلةٍ تُدعَى بالميكروبيوم، تلك التي لا يمكننا أن نهضمَ الطعامِ دونَ وجودِها في أمعائنا، أو أن نمتلكَ نظاماً مناعياً فعالاً دونَ التعرُّضِ المنتظَمِ لها، وقد أظهرَت سلسلةُ الجينوم مدى تنوُّعِ المجتمعاتِ المكروبية، ونرجو أن نتعلَّم المزيد أيضاً معَ إتمامِ العملِ على مشروع الميكروبيوم البشري هذا العام.

12-  تحاليلُ جينوميةٌ إلى المُستهلِكِ مباشرةً.

أتاحَ التقدُّمُ في علم الجينوم للأفراد العاديين أن يُجرُوا اختباراً منزلياً، ويحصلوا على معلوماتٍ عن جينوماتهم قد تشمَلُ الأسلافَ العائلية مثلاً.

13-  إعادةُ تعريفِ النُّظُم البيئية البيولوجية وشجرةِ الحياة.

ساهمتِ التطوُّراتُ في علمِ الجينوم في تحقيقِ فهمٍ أكبرَ للتطوُّر؛ إذ استُخدِمَت طرائقُ سلسلة الـDNA الجديدة بغرض قراءةِ جينومِ عشراتِ الآلاف من الكائناتِ الحيَّةِ والمنقرِضةِ، ممَّا سمحَ لنا بإعادةِ تعريف شجرة الحياة.

ولم يكن بإمكان داروِن أن يتخيَّلَ مستوى التعقيدِ الذي قد تصلُه شجرةُ الحياة، لكنَّ تكنولوجيا علمِ الجينوم قد استُخدِمت للكشفِ عن تفاصيلَ مذهلةٍ عن الطبيعة، وأتاحت لنا أن نعرفَ أنَّنا مرتبطونَ بكل شيءٍ حيٍّ على الأرض؛ من النباتات إلى الحيوانات وحتَّى الميكروبات؛ عبر جينوماتنا.

14-  التعديلُ على الجينوم.

منذُ إنجازِ مشروعِ الجينوم البشري؛ طُوِّرَت تكنولوجيا قويةٌ بما فيه الكفاية لتتمكَّنَ من تعديلِ الجينوم الخاص بالبشر أو أيٍّ من الكائناتِ الأخرى، وتقدِّمُ هذه الطرائقُ القدرةَ على تعديلِ الجينوم على نحوٍ يمكنُ فيه أن نورثه إلى سلالاتنا على الرغم من الإشكالِ الأخلاقي المُحتمَلِ الذي تطرحه.

15-  وأخيراً؛ من الناحية الاجتماعية..

تَعزَّزَ تقديرُنا لِما يعنيه الـ DNA لِصحتِنا وهويتنا وثقافتنا، ومن زاويةِ نظرٍ أُخرى؛ فإنَّ قدرتَنا على قراءة التسلسلِ الجينومي لأيِّ شخصٍ تطرحُ العديد من القضايا فيما يخصُّ الناحيةَ الاجتماعيةَ لعلم الجينوم؛ إذ بدأتِ المعلوماتُ المتعلقةُ بجينومنا تتحوَّلُ إلى جزءٍ من الحياة اليومية، فضلاً عن أنَّ المعلوماتِ الجينوميةَ تُشكِّلُ رسائلَ مجتمعيةً عن الحمض النووي من حيثُ الطريقةِ التي ننظرُ بها إلى أنفُسنا والكيفيّة التي ينظر بها الآخرون إلينا.

 

ما رأيك؛ عزيزي القارئ؛ بهذهِ التغيُّراتِ الكبيرةِ المُنجَزَةِ على مستوى علم الجينوم؟ وإلى أين يتجه مستقبلاً في نظركَ؟

 

للاستزادة؛ يُمكِنُ الاطّلاعُ على هذهِ المقالاتِ من أرشيفنا:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

المصدر:

هنا