منوعات علمية > العلم الزائف

الهياكل العظمية العملاقة، هل تعود لجنسٍ منقرضٍ من البشر؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

بدأت الخدعة مع صورة مُعدَّلة رقميًّا، والتي لاقت قبولًا من جمهور الإنترنت في وقت لاحق؛ إذ يُعزى ذلك إلى دلالات تاريخية أو دينية غير مقصودة ربما. فقد أُنتجت عام 2002 صورةٌ معدَّلة رقميًّا تُظهر عملاقًا مُستلقيًا ومُحاطًا بمنصَّة خشبية وبقربه عالم آثار بحوزته مجرفة، كانت الصورة في الأساس مُقدّمة من مصمِّمٍ كندي إلى موقع Worth1000 والذي يجري مسابقة الصور المُعدَّلة رقميًّا، وقد ربحت هذه الصورة المركزَ الثالث في المسابقة هنا وتعود الصورة قبل التعديل إلى موقعٍ أثريٍّ قرب نيويورك عُثِر فيه على عظام حيوان المستادون المنقرض (الشبيه بالفيل)، وأضاف المصمم الجمجمةَ والمنقبين عن الآثار هنا;

وبحلول عام 2004؛ بدأ الناس برفع الاكتشاف الوهمي على المدونات وإرساله عن طريق البريد الإلكتروني (لم يكن الفيسبوك موجودًا بعد!) في جميع أنحاء العالم تحت عنوان "الهيكل العظمي للعملاق المُكتشَف" والذي حظي بشهرة واسعة بحلول 2007؛ إذ بدأت صور إضافية متنوعة بالظهور على الإنترنت والانتشار. 

يقول مصمِّمُ الصورة في حوار مع ناشيونال جيوغرافيك (وقد فضَّل أن يبقى اسمه سريًّا كي لا يدخل في خلافات دينية وتاريخية عن منشأ الصورة): "على الرغم من أنَّ صورتي فازت بالمركز الثالث في المسابقة؛ لكنني الآن أرى فيها أخطاء تصميمية مفضوحة؛ إذ يُمسك الرجل في الزاوية اليمنى من الأعلى خشبةً وليس مجرفًا؛ والسبب هو أني اضطررت إلى مسح طرف المجرف كي لا يتداخل مع الجمجمة. أستغرب كيف أمكن للناس تصديق هذه الصورة!". 

ربما يكون التزييف والتلاعب بالصورة واضحًا عند معظم الناس؛ لكن ترفض حكاية هذا العملاق الطويلة أن تخبو حتى بعد خمس سنوات؛ إذ استمرَّ تدفق الرسائل الإلكترونية على بريد "أخبار ناشيونال جيوغرافيك" (المقال من عام 2007؛ ولكن لا يزال حتى هذه اللحظة بعد 10 سنوات من تنبيه الجهات المسؤولة عن حقيقة هذه الصور هناك من يُصدِّقها وينشرها بل وُيصمِّم صورًا جديدة بالفكرة نفسها). تأتي الرسائل من كافة أنحاء العالم؛ من البرتغال والسلفادور وماليزيا وأفريقيا والدومينيكان واليونان ومصر وجنوب أفريقيا وكينيا؛ وتسأل جميعها السؤال نفسه: هل هو حقيقي؟ 

من الجدير بالذكر أن كثيرًا من وسائل الإعلام الرخيصة نسبت هذه الصور إلى مناطق مُعيَّنة في بلادها! فإن جربت البحث عن جملة "هياكل عظمية عملاقة" على محرك البحث غوغل؛ ستجد أن كل جهة ناشرة تنسب هذه الصور إلى منطقتها؛ إذ نُسبت إلى منطقة الربع الخالي في الكويت وصحراء السعودية واليمن وليبيا واليونان. وتقول نتائج البحث باللغة الإنكليزية أن الصور من إيران وأمريكا واليونان والأكوادور والهند وغيرها! 

والآن بعيدًا عن الكذب؛ إن كنت مهتمًّا حقًّا بالهياكل العملاقة فهناك هياكل عملاقة حقيقية وموجودة فعلًا! في هذا الخبر من ناشيونال جيوغرافيك هنا وُجِد هيكل إنسان عملاق مُتحجِّر مدفون في قبر أطول من المعتاد قرب روما يعود إلى القرن الثالث، ويقدَّر أن هذا العملاق توفي في عمر 16-20 سنة، وقد أُكِّد بفحص عظامه أنه كان مُصابًا بداء العملقة Gigantism؛ فقد بلغ طوله 202 سنتيمتر! 

يبدو الرقم مُخيبًا للآمال مقارنة بالصور الزائفة التي تدَّعي أن الهياكل العملاقة تصل إلى طول 18-24 مترًا؛ ولكنّ داء العملقة هو حالة طبية نادرة وليست قصَّة خرافية (ولهذا فهو واقعي أكثر)، وهو ليس سوى اضطراب في عمل الغدَّة النخامية يؤدي إلى إفرازٍ زائدٍ من هرمون النمو قبل البلوغ؛ الأمر الذي يُسبِّب نموًّا غير معتاد واضطراباتٍ أخرى كتأخر البلوغ واضطراب الرؤية وتشوه في نهايات العظام وضعف عام وصعوبة في الحركة وضخامة في عظام الوجه والفكّ وأعراض أخرى. وهذه الحالة نادرة جدًّا إذ يقدَّر أنها تُصيب واحدًا من كل ثلاثة ملايين إنسان في العالم! 

يُذكر أنه حسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية بلغ طول الرجل الأطول في العالم 2.72 مترًا؛ وهو "روبرت وادلو" من ولاية إيلينويس، والذي توفي عام 1940 في عمر الثانية والعشرين هنا. وصاحب لقب أطول رجل على قيد الحياة هو التركي "سلطان كوسين" بطولٍ وصل إلى 2.43 مترًا هنا. ومجموع حالات العملقة التي تجاوزت طول 8 أقدام (2.4 مترًا) في العالم لا تتجاوز عشر حالات فقط. 

إذًا؛ هل من الممكن أن يكون هناك فترة ما في تاريخ الجنس البشري تميَّزت بوجود بشر عمالقة بما يتجاوز تلك الأرقام؟ 

تُشير المستحاثات الخاصة بأسلاف الإنسان إلى أنَّ الإنسان يزداد معدَّل طوله مع مرور الزمن وليس العكس. ويعود السبب في ذلك إلى عدَّة عوامل؛ منها: تحسُّن التغذية وظروف الحياة ومنها الانتخاب الجنسي لصالح الأفراد الأكثر طولًا إضافة إلى عوامل أخرى؛ أي إنه لا يوجد في سجِّل الحفريات الحقيقي أية إشارة إلى أسلاف لنا كانوا أطول قامة مما نحن عليه اليوم. وفي النهاية تبقى متاحف العالم ومختبراته -وهي السجل الحقيقي لأي اكتشافات أثرية- خاليةً من أي أثر لهياكل كهذه، ولا يتعدى وجودها فضاء الإنترنت والصور وعقول البعض ممن يُصدِّق ما يُعرض عليه دون دليل.

تكمن الخلاصة في نقطتين؛ أولًا: يجب علينا ألا نُصدِّق كل شي نراه على الإنترنت؛ فعندما يراودك الشك حيال شيء ما، أجرِ بحثًا صغيرًا عنه في مصادر علمية موثوقة، لربما تستطيع إيجادها في أول صفحة تظهر أمامك، ومن الممكن أن تكون كذبة مضحكة كالحالة السابقة. 

ثانيًا: لا تسمحوا لأحد أن ينشر معلومات مُزيفة لا أساس لها من الصحة؛ فعندما ترى أحدًا قد شارك هذه الصورة؛ عليك إرسال هذا المقال إليه ليُتابعه. 

المصادر: 

هنا;

هنا;

هنا;

هنا;

هنا