الفنون البصرية > أساطير الشعوب

استرقَ النظرَ إلى الآلهةِ فدفعَ حياتَهُ ثمناً لذلك!

في بيوتيا؛ إحدى مقاطعاتِ اليونان، أقامَ تلميذ تشيرون وبطلُ الأساطير اليونانية الشهير أكتايون ابنُ أريستايوس الراعي؛ حامي الفنونِ المختلفةِ وخالقِها، وأوتونوي؛ ابنةِ الملكِ قدموسْ.

وقد قُتِلَ أكتايون بعدما أثارَ دون قصدٍ منه غضبَ الآلهةِ أرتميس أو ديانا كما سمَّاها الرومان، وهي آلهةُ العِفَّةِ والصيدِ والقمرِ والبيئةِ الطَّبيعيةِ، وهي ابنةُ زيوس وليتو، وشقيقةُ أبولو التوءم.

تُروى أسطورة أكتايون بأكثرَ من طريقةٍ، تختلف بالتفاصيل وتتشابه بالمحور الأساسيِّ للقصة؛ وهو محاولةُ تهدئة الآلهة وتجنُّبِ غضبها بتقديمِ تضحيةٍ بشريَّة.

في أحدِ الأيَّامِ، رافق أكتايون أصدقاءَه في رحلةِ صيدٍ استمرت حتّى تلوَّنتْ أسلحتُهم بالدِّماءِ، فدعاهم ليأخذوا قسطاً من الرّاحة ويُكْمِلُوا رحلتَهم صباحَ اليومِ التالي.

وبينما هو يستريح، لَفَتَ وادٍ محاطٌ بأشجارِ السَرْوِ والصَّنوبر نَظَرَ أكتايون، وفي أقصى الوادي الذي يحمي آلهة الصيادين أرتميس، رأى أكتايون كهفاً زيَّنَتْهُ الطبيعة بأجملِ التفاصيلِ وأدقِّها والتي تبدو كأنَّها من صُنعِ البشرِ، وشلالٍ نابعٍ من أحد أطراف الكهف؛ تنسابُ منه المياهُ الدافئةُ لتُلامِسَ جسدَ آلهةِ الغابةِ العذراء بينما تحيطُ بها وصيفاتها الحوريَّات. في جوٍّ شبيه بالأحلام، تتقاسم الحوريَّاتُ مهمَّاتِ العناية بالآلهة؛ إذ تُمسِكُ إحداهُنَّ الرداءَ، وتأخذُ أخرى الجُعبةَ والقوس، وتفكُّ ثالثةٌ صندلَ أرتميس، وتوزع اثنتان المياهَ في الجِرار، بينما تسرِّحُ أكثرُهُنَّ براعةً شعرها. بعفويةٍ ودون تفكيرٍ، مشى أكتايون نحو الكهفِ ممَّا أفزع الحوريَّاتِ وجَعَلَهُنَّ يصرُخْنَ ويُحاوِلْنَ تغطيةَ جسدِ الآلهةِ العاري بسرعة، لكنَّها كانت أطول منهن فانهالَتْ بسهامها على الرجلِ الدَّخيل، ودَفَعَتْ بالمياه لتضرُبَ وجهه قائلةً: "اذهب الآن وتبجَّح -إن استطعت- بأنَّكَ رأيت أرتميس دون ثياب". وعلى الفور، نما زوجٌ من قرون الأيْلِ على رأس أكتايون، وازداد طولُ رَقَبَتِهِ وأُذُنيه، وتحوَّلَتْ يداه لقدمين، وغطَّى الشَعْرُ جسده كلَّه. بكلماتها تلك، أخافَت أرتميس أكتايون الذي فَقَدَ جُرأتَهُ وهَرَبَ بسرعةٍ مثيرةٍ للإعجاب، لكنّّه عندما رأى قرونَهُ في انعكاسِ صورتِهِ على الماء، لم يتمكَّن من التعبيرِ عن بؤسه بالكلام، وانهمرت الدموعُ على وجههِ الجديدِ؛ يتخبَّط في مكانِهِ دون أن يفقدَ وعيه أو يُدرِكَ ما عليه أن يفعله!

وبين شعوره بالخوفِ والخجلِ، تردد أكتايون بين الذهاب إلى القصرِ أو الاختباء في الغابةِ، وفي أثناءِ تردُّدِهِ، رآه الكلبُ ميلامبوس ونَبَح عالياً في إشارةٍ لبامفاغوس، ودوركس، وليلابس، وثيرون،  والبقية. بدافعٍ من الخوفِ وبسرعةِ الغزال، اندفع أكتايون نحو المنحدراتِ والتلالِ الصَّخريةِ هارباً من الكلاب التي شَرَعَتْ تَتْبَعُهُ أينما ذهب، وهو يبكي ويصرخ:"أنا أكتايون؛ ألم تميِّزوا سيِّدَكم!". ولكنْ للأسفِ الشديدِ، لم تكُن كلماتُه كما شاءَ لها أن تكون، ولم تتعرَّف الكلابُ عليه، بل راحت تلاحقُه بسرعة أكبر؛ تلك الكلاب التي كان يصطحبُها للصيدِ معه تصطاده الآن، يا لسُخريةِ القَدَرْ! وفي مطاردةٍ دراميَّةٍ، علا صوتُ نباحِ الكلابِ التي انقضَّت على سيِّدِها لتغرسَ أسنانها في جسده وتمزِّقهُ إلى أشلاء فانتفضَ صارخاً ليس كإنسانٍ بل كغزالٍ جريحٍ؛ جثا على ركبتيه ورفع عينيه للأعلى ولربما رفع يديه إلى السماء مستغيثاً إن هو استطاع، لكنَّ الكلابَ لم تلقِ بالاً لتوسُّلاته وصراخه، واستمرت بتمزيق أشلاءِ أكتايون حتى فارقَ الحياة وخمدت بذلك نيران غضب الآلهة أرتميس.

وُجِدَت لوحةُ فسيفساءٍ جميلةٌ للغايةِ  في محافظة السويداء جنوبَ سورية في مدينة شهبا أبعادها (1.55 م * 1.55 م )؛ تُظهِرُ أرتميس ووصيفاتِها أثناء استحمامهن بالإضافة إلى أرتميس وهي ترشُّ الماء بيدِها على الصَّياد أكتايون ذي قرونِ الوعل بعدَ أن تحوَّل لمسخٍ في  زاويةِ اللوحةِ العلويَّةِ اليُسرى.

تعودُ اللوحة إلى منتصف القرن الثالث الميلادي وهي فترة الحكم الروماني لسورية.

وقد ألهمت هذه الأسطورةُ بعضَ الفنانين الذين قاموا برسم لوحات مختلفة، كلٌّ بحسبِ رؤيتِه ومنها: لوحة ديانا و أكتايون للفنان Giuseppe Cesari المحفوظة في متحف اللوفر.

وفي الفيديو أدناه نشارِكُكم رقصةً مميَّزةً تحملُ اسمَ الأسطورةِ نفسَه.

 

المصادر:

هنا

هنا

هنا

عبد الكريم ، مأمون. آثار بلاد الشام خلال العصور الكلاسيكية . منشورات جامعة دمشق ، دمشق:2014 . ص 227