المعلوماتية > الذكاء الصنعي

مُنافسَةٌ فنيَّةٌ بين البشرِ والأنظمَةِ الذّكيَّة..من الفائز؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

أُعَرِّفُكَ بنفسي، أنا الذكاءُ الصنعي!

عرضت شركةُ (إنفيديا) فيلماً قصيراً  عن مستقبلِ الذكاءِ الصنعيِّ في مؤتمرِها الذي انعقد في النصف الأول من عام 2017، وافتتحتِ المؤتمرَ بهذا الفيلم الذي تحدثَ فيه الذكاءُ الصنعيُّ بلسانِه ليُعرِّفَ نفسَه، ويُقدِّمَ الخطوطَ العريضةَ لحاضره وللمستقبل الذي يتطلعُ إليه وهو بينَنا. تحدَّثَ الذكاءُ الصنعيُّ عن بعض المهام التي يُتقِنُها، والتي كانت في الماضي حِكرًا على البشر، وفي كل يومٍ يحملُ الذكاءُ الصنعيُّ عبءَ مهامَ جديدةٍ، ويُتقن المهامَ السابقةَ إتقاناً أكبر، بل ويُبدع أحياناً في أدائها.

الموسيقا التصويريةُ التي صاحبتِ الفيلمَ القصيرَ الذي عرضَته (إنفيديا) في مؤتمرها هو من تأليف آيفا Aiva ، وهي ليست إنساناً، وإنما مجموعةٌ من البرامجِ التي تعتمدُ على الذكاءِ الصنعيِّ في عملِها لإبداعِ موسيقا جميلةٍ تُمتِّعُنا وتُحرِّكُ مشاعرَنا.

الذكاءُ الصنعيُّ مؤلِّفاً موسيقياً

ظهر (بيّير بارو) Pierre Barreau -المديرُ التنفيذي لـ(آيفا)- في فيديو يتحدث عنه -أي الروبوت (آيفا)- وعن كيفية اعتماده على الذكاءِ الصنعيِّ ليقدِّمَ للجمهورِ موسيقا جميلةً وأصليةً وغيرَ مقلدةٍ بوقتٍ قياسي.

يتعلم (آيفا) من قاعدةِ بياناتٍ هائلةٍ من المقطوعات الموسيقية، ويتعرفُ على كلِّ نغمةٍ ودرجةٍ موسيقية، ومن خلالهم أيضا يتعرفُ على الأنماطِ المتكررةِ والأشكالِ الموسيقيةِ المختلِفة ليكون جاهزاً لإبداع موسيقا أصلية، ويحتوي (آيفا) أيضاً آليةً تضمنُ التأكدَ من أن الموسيقا التي يؤلِّفها أصليةٌ وغيرُ مقلدة.

شهِدَ ألبومُ (آيفا) الأول تعاوُناً مع مجموعةٍ من الموسيقيين خاصةً في توزيعِ المقطوعاتِ الموسيقيةِ وتهيئتِها لتعزفَها الأوركسترا بآلاتها المختلِفة، وقد اعتُمدَت الجمعيةِ الفرنسيةِ للموسيقيين SACE الروبوتَ (آيفا) مؤلِّفاً موسيقياً، وسيمتلكُ (آيفا) لاحقاً أذناً موسيقيةً تتذوقُ الموسيقى، بالإضافة إلى القدرةِ على التوزيعِ الموسيقي للأوركسترا، فضلاً عن قراءةِ النصوص لأيِّ فيلمٍ أو برنامجٍ، وإعدادِ الموسيقا التصويرية المناسبة.

الذكاءُ الصنعيُّ رساماً وفناناً تشكيلياً

تفوقَ الذكاءُ الصنعيُّ في مهامَ كثيرةٍ مثل التعرفِ على الوجوه، وترجمةِ اللغات، والألعابِ مثل الشطرنج، ولكنه يأتي متأخراً في المهامِ التي تتطلبُ إبداعاً، ويكمنُ التحدي في إيجادِ طرقٍ تكتسبُ من خلالها الآلاتُ القدرةَ على الإبداع.

في مركز الفن والذكاء الصنعي بجامعة (روتجرز) الأمريكية طوَّر أحمد الجمّال وفريقُه الشبكةَ الإبداعيةَ العكسيةَ CAN، وهو نظامٌ يعتمدُ على الذكاءِ الصنعيِّ لإنتاجِ ورسمِ لوحاتٍ فنيةٍ جديدة.

درَّب الفريقُ النظامَ باستخدامِ قاعدةِ بيانات تحتوي أكثرَ من 80 ألفَ عملٍ فنيٍّ من مدارسَ فنيةٍ متنوعةٍ تعاقبتْ في خمسةِ قرونٍ من الزمان.

لا يعتمدُ النظامُ فقط على محاكاةِ الأسلوبِ الفنيِّ لمدرسةٍ فنيةٍ ما مثل التأثيرية أو التكعيبية، بل وينطلقُ من الأسلوبِ الفنيِّ لإنتاجٍ فنٍّ جديد، وقد أُخضعتِ الأعمالُ الفنيةُ التي أنتجَها نظامُ CAN للتقييم من قِبل نقادٍ فنيين، إذ استطاعوا أحياناً التفريقَ بينَ إبداعِ الآلاتِ وإبداعِ البشر، وفي أحيانٍ أخرى وضعوا إبداعَ الآلاتِ في مرتبةٍ أعلى من إبداعِ البشر، ووصفوه بأنه أكثرُ إلهاماً.

جانبٌ من إبداعاتِ CAN بعد تدريبِه على أكثرَ من 80 ألف عمل فني من مدارسَ فنيةٍ متنوعة.

عندما يعملُ الذكاءُ الصنعيُّ في الكوميديا

إذا كان الإبداعُ في متناولِ يدِ الذكاءِ الصنعيِّ فهل من الممكن أن يكونَ مسلياً ويوظِّفَ هذا الإبداعَ لتسليتنا ويُطلقَ الضحكاتِ من قلوبنا؟

تُقدم مجلةُ (نيو يوركر) الأمريكيةُ لقرائِها مسابقةً هي عبارةٌ عن رسمِ كاريكاتير، ويختارُ القراءُ التعليقَ المناسبَ له، وتنشرُ المجلةُ أفضلَ ثلاثةِ تعليقات.

طوّر باحثان من (مايكروسوفت) بالتعاون مع مُحرِّر الكاريكاتير في المجلةِ برنامجاً يَعتمدُ في عملِه على الذكاءِ الصنعيِّ ليختارَ التعليقاتِ المضحكة، وقد نجحَ البرنامجُ بنسبة 64% في اختيارِ التعليقِ المضحكِ من بين كل تعليقين، وهو ما قلَّلَ حجمَ العملِ الملقى على عاتقِ مُحكِّمي المسابقة.

يستطيعُ الذكاءُ الصنعيُّ فهمَ النُّكات، ولكنَّ لديه الكثيرَ ليتعلَّمه كي يستطيعَ إلقاءَ النكاتِ القادرةِ على إضحاكِنا، فجزءٌ كبيرٌ من نجاحِ النُّكتة يعتمدُ على طريقةِ إلقائِها، فهناك فارقٌ كبيرٌ بين طريقةِ الإلقاءِ في نشرة أخبار عنها في إلقاءِ النُّكات. يعتمدُ الذكاءُ الصنعيُّ في نُكاته على أساليبَ مثل التلاعبِ بالكلمات، والتورية، وكسر التوقعات المنطقية. قد لا يكون (روبن ويليامز)، أو إسماعيل ياسين، أو دريد لحام، ولكنه ليسَ سيئاً كبداية.

هذا وقد طورَ باحثون في عام 2014 روبوتاً أسموه Zoei يستطيعُ أن يؤلف النكات، ويُلقيَها متفاعلاً بحركة يديه، ويتعرفَ على ردودِ فعلِ الجمهورِ من خلال قراءةِ الانطباعاتِ المختلِفةِ على وجوههم، وكأنه برنامجٌ كوميديُّ مُصغرٌ مثل برامج "ستاند أب كوميدي" الشهيرة. خضع Zoei للاختبار مع جمهورٍ من فردٍ واحدٍ في كل مرة حتى الآن، وتنوعٍ بسيطٍ جداً من ناحية العمرِ والخلفيةِ الثقافية والتعليمية. عند مشاهدةِ عرضٍ للروبوت Zoei لن تشعرَ أن الأمرَ سلسٌ وغيرُ متكلف، على عكس آيفا Aiva الذي تتدفقُ الموسيقا منه بسلاسةٍ وروعة.

لماذا تمكنَ الروبوتُ من التأليفِ الموسيقيِّ ولم يستطعْ أن يُتقن الكوميديا بالدرجةِ ذاتِها؟

يكمنُ وجهُ الاختلافِ في الوحداتِ التي تُبنى منها الموسيقا والتي تختلفُ عن الوحداتِ التي تُبنى منها اللغةُ في حالة الكوميديا؛ الوحداتُ الموسيقيةُ محددةٌ ويمكنُ حصرُها، وهي النغماتُ الموسيقيةُ المختلفة، وأما في حالة اللغة فهناك تزاوجٌ بين المعنى الذي تحمِلُه اللغةُ ونبراتُ الصوتِ التي تقدمُ اللغةَ وما تحملُه من معانٍ. فلنأخذْ على سبيل المثال جملةً سهلةً مثل: صباح الخير، افترضْ أنك ستلقيْها على شخصٍ تحملُ له في صدرِك شيئاً وتريدُه أن يشعرَ بهذا الأمر، ستختلفُ الجملةُ الصوتيةُ عنها لو ألقيتَها على والدتك أو زوجتك في صباحِ يومٍ سعيد، وهكذا فإننا أمامَ قدرٍ كبيرٍ من التنوعِ والاحتمالات.

اللغةُ في حياتِنا اليوميةِ حَمّالةُ أوجه، وهي نسيجٌ يحملُ قدراً كبيراً من التنوعِ والتعقيدِ والتلاعب، فضلاً عن أن طريقةَ الإلقاءِ تُعطيها أبعاداً أخرى، وهي أيضاً المادةُ الخامُ لصناعةِ الكوميديا، جنباً إلى جنبٍ مع العواملِ الثقافيةِ والاجتماعية. اللغة حتى الآن هي ملعبُنا الخاصُ الذي لم يستطعْ الذكاءُ الصنعيُّ أن يشاركنا فيه الإبداع، ويبدو أن أمامَ الروبوت طريقٌ طويلٌ حتى يستطيعَ أن يقفَ أمامَ جمهورٍ عريضٍ ويستثيرَ الضحكاتِ من أعماقِ قلبه.

الآلاتُ والذكاءُ الصنعيُّ في طريقِها لتحُلَّ محلَّ الملايين من سائقي سياراتِ الأجرة، والشاحنات، والعاملينَ في مطاعمِ الوجباتِ السريعة؛ هل يجب أن نستثنيَ الفنونَ ونُبعدَها من طريقِ الذكاءِ الصنعيِّ لنبقيَها خالصةً للإنسان؟ هل سيكونُ هناك قيمةٌ للفنونِ التي يُبدِعها البشرُ عن الفنونِ التي تُبدعُها الآلات؟

ستواجِهنا عشراتُ الأسئلةِ التي ستفتحُ أمامَنا نقاشاتٍ واسعةً، ولعلَّ منها: عندما تفوزُ إحدى الأغاني التي لحَّنَها الذكاءُ الصنعيُّ بإحدى الجوائزِ الموسيقيةِ الكبرى، من سيتسلمُ عندها الجائزة؟!

إذا أردت الاطلاعَ على الفيديوهاتِ والكلماتِ المتعلقةِ بموضوع المقال إليك هذه الروابط:

1- المقطوعة الموسيقية التي ألفها الروبوت (آيفا) احتفالاً باليوم الوطني في فرنسا

2- حديث (بيير بارو) عن الروبوت (آيفا) وعن طريقة عمله

3- الفيلم القصير الذي عرضته (إنفيديا) في افتتاح مؤتمرها GTC 2017

المصادر:

هنا

هنا

هنا