الفيزياء والفلك > أعظم مهمات ناسا

ناسا تُخطِّط لإرسال غوّاصةٍ إلى قمر زُحل

تعملُ ناسا على تصميمِ غوّاصةٍ آليّة خاصّةٍ لاستكشافِ المُحيطاتِ الكاربوهيدروجينيّةِ الفائقةِ البرودةِ الواقعةِ على القمرِ تيتان التّابعِ لزُحل، وهو الجّسمُ الوحيدُ في المجموعةِ الشّمسيّةِ (عدا الأرض) الّذي يملكُ مُسطّحاتٍ سائلةٍ. إذا يقومُ الباحثون باختبارِ مسبارٍ صغيرٍ بحجمِ السّلةِ في المُختبر لمعرفةِ مدى قُدرتِهِ على استكشافِ المُحيطاتِ البعيدةِ.

تختلف المُحيطاتُ الواقعةُ على تيتانِ كليّاً عن المُحيطاتِ الموجودةِ هنا على الأرض، بدلاً من ماءِ البحرِ، تحوي البحارُ في تيتان بشكلٍ أساسيٍّ مزيجًا من الميثانِ والإيثان بدرجةِ حرارةٍ 184 درجة سيلسيوس تحتَ الصّفر، وذلك حسب البياناتِ الّتي قدَّمها المسبارانِ كاسيني وهايوجين؛ إذ حطَّ المسبارُ هايوجين على سطحِ تيتان عام 2005.

تهدفُ الخطَّةُ إلى إرسالِ غوّاصةٍ أوتوماتيكيّةٍ إلى أكبرِ بحرٍ موجودٍ في تيتان، واسمه (كراكن مير) نسبةً إلى وحشِ البحر الاسكندنافيِّ (كلمةِ"مير" تعني "بحر" في اللاتينيّة)، ويغطّي هذا البحرُ 400 ألفِ كيلومترٍ مربعٍ من سطحِ تيتان، وثاني أكبرَ بحرٍ في تيتان اسمه (ليغيا مير) وهو يغطّي ربعَ هذه المساحة، وسُمّيَ باسمِ أحد الوحوشِ البحريّةِ في الميثولوجيا الإغريقيّة.

سوف تساعدُ هذه الغوّاصةُ العلماءَ في الإجابةِ على بعضِ أسئلةِ القائمينَ على دراسةِ تيتان، ومنها هذهِ الأسئلةِ: هل تتفاعلُ مُحيطاتُ تيتان الكاربوهيدروجينيّة مع غلافِهِ الجوّيِّ المكوَّنِ من النّيتروجين بنسبةِ 98%؟ وهو واحدٌ من الأسئلةِ الّتي يعملُ عليها العالم ريتشاردسون، وهو عالمُ موادٍ من جامعةِ واشنطن. بنى هذا العالمُ محاكاةً لمُحيطِ تيتان من أجلِ مشروعِ ناسا لتصميمِ الغوّاصةِ، ويقول ريتشارد: "على عكسِ الأرضِ، يذوبُ النّيتروجينُ بشكلٍ كبيرٍ في تلكَ المُحيطاتِ، فيمكنُ أن ينحلَّ 15% أو 20% من النّيتروجين، وهذا قد يكونُ له تأثيرٌ هائلٌ على أنظمةِ الدّفعِ والتّوازن".

المُحيطاتُ الفضائيّةُ:

يقولُ ريتشاردسون: "على الرّغمِ من أنَّ العُلماءَ قد درسوا سابقاً أمزجةَ الإيثانِ والميثان الباردةِ على شكلِ الغازِ الطّبيعيِّ السّائلِ، لكن لم يرى أحدٌ من قبل كيفَ ستتصرّفُ بحارٌ من هذه المواد في غلافٍ جوّيٍّ نيتروجينيٍّ باردٍ كالغلافِ الجوّيِّ في تيتان."

ولكي نتعلّمَ أكثرَ كيف سيؤثِّرُ المُحيطُ الفضائيُّ على الغوّاصةِ الآليّةِ، بنى ريتشاردسون حُجرةً مضغوطةً، وضخَّ فيها النّيتروجين السّائل، إذ سكبَ فيها حوالي لترٍ من الإيثانِ والميثانِ السّائلِ، وبرَّدَها حتّى 185 درجةِ سيلسيوس تحتَ الصِّفر.

ثمَّ وضعَ سخّاناً أسطوانيّاً صغيراً ليحاكي جسمَ الغوّاصةِ، وعدَّلَ ريتشاردسون درجةَ حرارةِ وضغطَ نموذجِ المُحيطِ، حتّى يرى كيف سوفَ تؤثِّرُ حرارةُ الغوّاصةِ على التّركيبةِ الكيميائيّةِ لبحرِ تيتان في مُختلفِ الأعماق.

سوف تؤدي هذه الحرارةُ إلى ظهورِ فقاعاتٍ من النّيتروجينِ المُنحلِّ في السّائلِ المُحيطِ بالغوّاصةِ، ما سيجعلُ الرّؤيّةَ عن طريقِ كاميرا مُركبةٍ على الغوّاصةِ صعبةً، كما أنَّ فُقاعاتِ النّيتروجين سوف تمنعُ أنظمةَ الدّفعِ والتّوازنِ في الغوّاصةِ من العملِ بشكلٍ مُناسب.

احتاج ريتشاردسون إلى محاكاة التّركيب الكيميائيّ لمُختلف البحارِ الموجودةِ في تيتان، في الأرضِ تكونُ كلُّ المُحيطاتِ مملوءةً بنفسِ ماءِ البحر، ولكن ليسَ هذا هو الحالُ في تيتان كما بيّنت أرصادُ المسبارِ كاسيني، على سبيلِ المثال، (كاركين مير) غنيٌّ بالإيثانِ، في حينِ أنَّ (ليغيا مير) غنيٌّ بالميثان، والعلماءُ ليسوا واثقينَ من السَّبب.

 

سلحفاةُ تيتان

أظهرت التّجاربُ أن المِسبارَ الغوّاصَ سيكونُ قادراً على التّعاملِ مع فُقاعاتِ النّيتروجين النّاتجةِ عن الحرارةِ المتولِّدةِ من الغوّاصةِ في السّائلِ البارد، وأسوأُ الحالاتِ ستكونُ في أقصى أعماقِ بحرِ (كراكن مير) على عمقِ 500 مترٍ تحتَ سطحِ البحر.

يقول مهندسُ الطّيرانِ جيسون هارتوينغ -أحدُ المشرفينَ على هذا المشروعِ والّذي يعملُ في معهدِ الأبحاثِ (غلين) التّابعِ لناسا-: "إذا ما تمّت المُوافقةُ على المهمّةِ، سيتمُّ إطلاقَ المِسبارِ في مُنتصفِ الثّلاثيناتِ، وسيصلُ إلى زُحلٍ في أواخرِ الثّلاثينيّاتِ وبداياتِ الأربعينيّاتِ، في ذلك الوقت سوفَ يكونُ القمرُ المُتجمِّدُ البعيدُ أكثرَ دفئاً بقليلٍ ومشمساً أكثرَ ممّا هو عليه الآن، بفضلِ فصلهِ الخاصِّ المُشابهِ لفصلِ الرّبيعِ في الأرضِ، فالكوكبُ زحل يُكمِلُ دورتَهُ حولَ الشّمسِ كلَّ 29 سنةً، وفي ذلكَ الوقتِ سوفَ يكونُ أقربَ قليلاً إلى الشّمس".

يعملُ فريقُ هارتوينغ على تصميمَينِ مُختلفَينِ للمسبارِ الآليِّ، التّصميمُ الأوّلُ عبارةٌ عن غوّاصةٍ آليّةٍ ضيّقةٍ بطولِ ستّةِ أمتارٍ، يُمكنها الإبحارُ على السّطحِ وإرسالِ المعلوماتِ مباشرةً إلى الأرض، والتّصميمُ الآخر اسمُه (سُلحفاة تيتان)، وهو عبارةٌ عن مركبةٍ دائريّةٍ مُستقلّةٍ يمكنها أن تتواصلَ مع الأرضِ عن طريقِ مكُّوكٍ فضائيٍّ موضوعٍ على مدارٍ حولَ تيتان.

يقول هارتوينغ: "سوف يكون من الأرخصِ إرسالُ مسبارٍ غوّاصٍ، لكنَّ السّلحفاةَ والمكّوكَ سيكونان أقلَّ مُخاطرةً وأكثرَ شموليّةً في إرسالِ البياناتِ إلى الأرض"

انتقل المشروعُ مُؤخّراً من مرحلةِ التّجاربِ البدائيّةِ إلى مرحلةِ التّطويرِ التّكنولوجيِّ، وهناك مجموعةٌ من الاختباراتِ المُزمَعِ تنفيذُها خلالَ أواخرِ هذا العام 2018 وبداياتِ العام 2019.

المصدر: هنا