الفنون البصرية > فنانون عالميّون

الاضطراب هو سِرُّ الإبداعِ أحياناً

بينما رأى بعض الفنانين الذين عانوا من اضطراباتٍ عقليَّةٍ ونفسيَّةٍ أن شياطينهم الداخليَّةَ قد ساعدتهم في التوصُّلِ للإبداع، فقد صوَّر آخرون عملَهم الإبداعي كطوقِ نجاةٍ من تلك الشياطين.

1- فرانسيسكو غويا (1746-1828):

خاض فرانسيسكو غويا تجربة الانهيار العقلي، وتنقسمُ رسوماتُه في فئتين: تتميَّزُ الأولى بالمنسوجاتِ، والرسومِ المُتحركةِ، والصور، أمَّا تعجُّ الثانيةُ باللوحاتِ السوداءِ وكوارثِ الحرب؛ إذ يصوِّر شياطيناً، ومعاركَ عنيفةً، ومشاهدَ أخرى من الموت والدمار.

ويقترنُ تدهورُ غويا الذهنيُّ ببداية إصابته بالصمم في سنِّ السادسة والأربعين، بالإضافة إلى ازدياد العزلة، وجنونِ العظمة، والقلق لديه وفق الرسائل واليوميات.

2- فنسنت فان غوخ (1853-1890):

في رسالةٍ إلى أخيه ثيو، كتب الفنان الهولندي ذو السبعة والعشرين عاماً: "إنَّ قلقي الوحيد هو كيف يمكنني أن أحيا في هذا العالم؟"، وقد أمضى السنوات العشر الأخيرة من عُمُره في البحث عن إجابة، واستطاعَ تركَ أثرٍ كبيرٍ عالميَّاً، بالإضافةِ إلى تحقيقِ ذاتِه من خلال الفنِّ. وعلى الرغمِ من ذلك كلِّه، استمرت معاناته من مرضي الصرع وثنائيِّ القُطب بحسبِ ما تكهن به كثيرون.

وخلال الفترة التي أمضاها في باريس، وثَّق فان غوخ في رسائله النزاعاتِ النفسيَّةََ التي مرَّ بها، ولا سيَّما في السنتين الأخيرتين؛ إذ عانى من نوباتِ هَوَسٍ تلت عادةً نوبات الاكتئاب العميق. وفي عام 1889، التزم طوعاً في مستشفىً للأمراض العقلية وأنجزَ سلسلةً مذهلةً من اللوحات محاطاً بالرعاية النفسيَّة.

وبعد عشرة أسابيع من تركِ المشفى، غادر فان غوخ العالم وحيداً ومُخلِّفاً أعمالاً إبداعيةً لم تلقَ الاعتراف اللائق بها خلال حياته التي لم تتجاوز 37 عاماً.

3- بول غوغان (1848-1903) :

عانى بول غوغان صديقُ فنسنت فان غوخ المقرَّب من نوباتِ اكتئابٍ حادَّةٍ، وحاول الانتحار عدَّة مراتٍ قبل أن يقرِّرَ الهرب من ضغوط الحياةِ الباريسيَّة والاستقرارَ في مدينة بولينيزيا الفرنسية حيث أنجزَ أكثر أعمالِه الفنيَّة شهرة. ومع أهميَّة هذه الخطوة كمصدرِ إلهامٍ فنيٍّ، لكنَّها لم تُنْهِ معاناتَه مع مرضِ الزهري، أو إدمان الكحول والمخدَّرات كالمورفين الذي أدَّى لوفاته عام 1903 عن عمرٍ يناهز الخامسة والخمسين.

4- إدفارد مونش (1863-1944):

لا يُمكن لأحدٍ إنجازُ لوحةٍ مثل "الصرخة" من دون وجودِ صراعاتٍ عقليةٍ ونفسيَّة؛ وفي مذكّراتِه، وثَّق مونش صراعاتِه، وأفكارَه الانتحاريَّةَ، والهلوسات، ورُهابَ الأماكن المكشوفةِ الذي عانى منه، بالإضافة إلى مشاعر الألمِ العقليِّ والجسديِّ. وقد وصفَ الانهيار العقلي الذي ساهم في بناءِ تحفتِه الفنيَّةِ "الصرخة": "كنتُ أسيرُ مع اثنين من أصدقائي عندما ثبُتَت الشمس وتحوَّلت السماء فجأةً إلى دم، وشعرت بما يشبه لمسة حزن، وبينما كنت ما أزال واقفاً، انحنيت على السياج؛ ميِّتٌ مُتعب. وفوق المضيق الأزرق الأسود والدم المتموج النازف من غيوم المدينة المعلَّقة، وقفت من جديد بعد مغادرة أصدقائي؛ خائفاً مع جرحٍ مفتوحٍ في صدري، وصرخةٍ كبيرةٍ اخترقت الطبيعة".

5- أغنيس مارتن (1912-2004):

شُخِّصت إصابة أغنيس مارتن بالفُصام في سنِّ الخمسين بعد أن عانت من الذهان المصاحَب بالهلاوس وخضعت للعلاجِ بالصدماتِ الكهربائيَّةِ. وفي عُمُر الشيخوخة، انتقلت إلى صحراءِ نيو مكسيكو؛ حيث وُجِدت أساليبُ ناجحةٌ لعلاج مرضها؛ فالتزمت بالعلاج وأخذِ الدواء، ومارَسَت زِنِّ البوذية أي المذهبَ البوذيَّ التأمُّليِّ.

وعلى عكسِ العديد من الفنَّانين الذين عانوا من اضطراباتٍ نفسيَّةٍ، أنكرت مارتن العلاقة بين الفُصامِ والعمل الفنيِّ،لكنَّ معرفة القليلِ عن واقعها المعذَّب تزيد إعجابنا بأعمالها الهادئة؛ لوحاتٌ مجرَّدةٌ شبيهةٌ بمذهبِ الزِن.

المصادر:

هنا

هنا