الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

الطبيعة الإنسانية والأخلاق عند تشانغ زاي

استمع على ساوندكلاود 🎧

وُلِدَ عامَ 1020م  وتُوفِّيَ عام 1077م.

يُعرَفُ بزانغ هينغكو أيضاً نسبةً إلى المدينة التي نشأ وتعلَّمَ فيها.

وكان في البداية غير راضٍ بالأفكارِ الكونفوشية، ودَرسَ البوذية والطاويةِ عدَّةَ سنواتٍ، وأخيراً؛ قرَّر أنَّ الطريقَ غيرُ موجود في البوذية أو الطاوية وعادَ إلى النُّصوصِ الكونفوشية، وفي عام 1076 أنهى أكثرَ أعمالِه أهميَّةً: "تصحيح الجهل" وقدَّمَه لتلاميذه.

كانَ تشانغ زاي واحداً من روَّادِ الحركةِ الفلسفيةِ لسلالة سونغ الحاكمة والتي دُعيَت "دراسة الطريق"، ويُعرَفُ بالكونفوشية الجديدة، وكانت أكثرُ إسهاماتِ تشانغ في الفلسفةِ الصينية تبحثُ في مجال ما وراء الطبيعة؛ إذ أوجدَ نظريةً جديدةً هي "Qi" (تشي)* التي حازت أثراً كبيراً، ويُنسَبُ إليه الفضلُ في التمييز بين الطبيعة الأصلية والطبيعة الفيزيائية أيضاً.

الطبيعةُ الإنسانيةُ والأخلاق:

إنَّ اعتقادَ الفيلسوف الصيني منشيوس أنَّ الخير الأساسي هو في الطبيعةِ البشريةِ قد سمحَ للفيلسوف تشانغ زاي وعَبرَ نظريته *Qi بالاستنتاج الآتي: إذا كانتِ الطبيعةُ البشريةُ جيّدةً؛ فما الذي يجعل الناسَ سيّئين؟؟

تضمّنَ حلُّ تشانغ افتراضَ طريقتَين في النظر إلى الطبيعة: الطبيعةِ الأصلية والطبيعة المُجسَّدةِ في "تشي"؛ إذ يزعمُ أنَّ الطبيعةَ الأصلية موجودةٌ إلى الأبد في المثالياتِ غير المتغيرة؛ خلافاً للأشياء المادية التي تتلاشى وتموت، فقد حدَّدَ بوضوحٍ الطبيعةَ الأصلية بالـ تشي غير المتمايزة للفراغ العظيم، إذ حينَ تتكثَّفُ تشي لتشكيلِ الوجود الإنساني فإنّه يحتفظُ - بطريقةٍ ما - ببعض صفاتِ وحدةِ الفراغِ العظيم (أو الانسجامِ العظيم كما يُسمّيه أحياناً)؛ وهذه هي الطبيعةُ الأصليةُ، وهذا ما هو جيد.

ويمتلكُ الوجودُ الإنسانيُّ طبيعةً مُجسَّدةً في تشي أيضاً؛ وهي ما يسميها بالطبيعة الفيزيائية، إذ وضع تشانغ نظريةَ أنَّ الطبيعةَ الفيزيائية تحجبُ الطبيعةَ الأصلية؛ مانعةً إيَّاها من أن تكون كاملةً، وهذا ما يجعلُ الناسَ تنحرفُ عن طريق الخير.

ولمّا كنّا مختلفين؛ فجميعنا يملكُ طباعاً فيزيائيةً مختلفةً قليلاً، إذ إنَّ بعضَ الأشخاص أكبرُ وأقوى؛ وآخرون أكرمُ من غيرهم، والبعضُ أكثرُ حكمةً، هذا كله نتيجة  تشي التي تشكل الفرد.

وما يهمُّ في موضوع زرع الأخلاق أنَّه يُوجِدُ القدرةَ على تحويلِ الطبيعة الفيزيائية للشخص وتحقيقِ الطبيعة الأصلية أيضاً.

وقد امتلكَ تشانغ إيماناً عميقاً بالقدرةِ على تحسينِ الشخص؛ كما المفكِّرون الكونفوشيون الأوائل مثل: مينشيوس وَكسانزي، واعتقدَ أنَّ التطوَّرَ الأخلاقي هو مسألةُ جهدٍ؛ وليسَ قدرةً.

وبرحلةٍ إلى اعتقاداته الميتافيزيقية (ما وراء الطبيعة)، عدَّ تشانغ أنَّ "تشي" تتغير طبيعيّاً دونما سببٍ خاص، وادَّعى أنَّ قلبَ الإنسان لديه القدرة على تبديل qi الشخص.

يستطيعُ الشخصُ أن يُغيِّرَ الطبيعةَ الفيزيائية لشخصٍ ما بهدفِ مَلءِ الطبيعة الأصلية له، وإذا لم يكن ذلك ممكناً فإنَّ الخير يكون من قبيل الصدفة.

وقد هاجم تشانغ توجُّهَ الفلسفة الطاوية إلى طولِ الحياةِ واستمرارها وخلودها، وحدَّدَ تشانغ أنَّ الرغباتَ إحدى العقباتِ الأساسية أمام التطوُّر الأخلاقي، إذ ركّزت البوذيّةُ على إزالةِ الرَّغباتِ، وقد تبنّى العديدُ من الفلاسفة هذا الاعتقادَ؛ إذ استخدمَ تشانغ مصطلحَ "الرغباتِ الماديةِ" محدِّداً إيَّاها بالطبيعةِ الفيزيائية، ويَجِبُ التغلبُ عليها لأجلِ العودةِ إلى طبيعةِ الشخص الأصلية.

وعدَّ تشانغ في "الرقيم الغربي" يستطيع المرء فهم الوحدة الأساسية لكل الأشياء، فكل الأشياء مكوَّنة من الـ "تشي" ذاتها، وفي نهاية المطاف نحن جميعاً نشتركُ في المادة نفسِها، وأصبح هذا أكثرَ اعتقاداتِ تشانغ الأخلاقية شُهرةً، ويتمثّلُ في فكرة تشكيلِ هيئةٍ واحدةٍ مع كل شيء.

وكتب تشانغ في عمله "الرقيم الغربي": "ما يملأ الكون، أعدُّه كجسدي". "كلُّ شخصٍ لديه السماءُ والأرضُ كما الأبُ والأمُّ، لذلك كلُّ الأشخاص هم أخوة وأخوات". "الاهتمامُ بالآخرين كالاهتمام بعائلة الشخص نفسه".

ومع وجودِ بعضِ السوابقِ لهذه الأفكار من الأُخوَّة في الكونفوشية الباكرة، لكنها تبدو أكثر تشابهاً مع التعاطف العظيم في البوذية أو فكرة "الموهيست" عن الاهتمام بالكون، وقد عدَّ المفكرون المحدثون "الرُّقيم الغربي" أعظمَ إسهامات تشانغ في دراسة الطريق.

هوامش

Qi (Chi): " القوة المادية "

تُعرَفُ أنَّها قوةُ الحياةِ عند الصينيين القدماء التي يكون وجودُها وخصائصُها أساساً للفلسفة ولأدويةٍ صينية كثيرةٍ، ويعتقدون أنَّ "تشي" تتغلغلُ في كلِّ شيءٍ وشبهوها بتدفُّقِ الطاقة حول الجسم، ويعتقدون أنّه بواسطةِ فهمِ إيقاعِها وتدفُّقِها يمكن أن تُوجَّهَ التمارينُ والعلاجاتُ لتوفيرِ الاستقرار وطول العمر.

 المصدر:

هنا