البيولوجيا والتطوّر > علم الجينات

مِسمارٌ فِي نعشِ الأمراضِ الوراثيَّة الفتَّاكة

استمع على ساوندكلاود 🎧

كثيرًا ما نسمعُ عنِ الأمرَاضِ الوِراثِيَّةِ الّتي لم يُبلَغْ علاجٌ نهائيٌّ  لهَا حتّى الآن؛ ويعدُّ مرضُ بيتا ثلاسيميا (فقرُ دمِ البَحرِ المُتوسِّط) مِنْ أخطرِها وأكثرِها انتشارًا؛ وهوَ مرضٌ وراثِيٌّ ناتجٌ عنْ طفرَةٍ فِي قاعدَةٍ واحدةٍ نتروجينيةٍ تتحوَّل من A إلى G، ممّا يُحدِثُ خطأً في تكوينِ بروتينِ الهيموجلوبين بيتا، وهذا يعني عدمَ قدرةِ الخلايَا الدَّمويةِ على نقلِ الأوكسجينِ وتوزيعه فِي أنحاءِ الجِسمِ على نحوٍ سليم.

وبسبب عدمِ وُجودِ عِلاجاتٍ فعَّالةٍ لهَذا المَرض فإنّه يُلازِمُ الفردَ طوالَ حياتِه، وعلى الرّغم من أملِ العلاج A بواسطةِ الخلايَا الجذعيَّة وعملياتِ زرعِ النُّخَاع، لكنَّ النَّاسَ ينفرُونَ من هذهِ العملياتِ نظرًا إلى مخاطِرهِا المُحتَمَلةِ؛ والّتي من الممكِن أنْ تُهدِّدَ حياةَ الفرد، مفضِّلينَ بذلكَ العَيشَ مع حاجَتِهم إلى عمليَّاتِ نقلِ الدَّم والرِّعايَةِ المُتَخصصِّة طوالَ حياتِهم، واحتمالِيَّةِ إصابتِهِم بالعديدِ من الأمراضِ المترتِّبَةِ علَيهَا.

وأمّا الآن فهي المرَّةُ الأُولَى فِي العالَم التي يجري فيها عُلماءٌ مِن جَامِعةِ (Sun Yat-sen University) تجارُبَهم عَلى أجنَّةٍ بشريَّةٍ حقيقيَّةٍ بهدفِ علاجِهِم مِن مرضِ بيتا ثلاسيميا، وذلكَ باستِخدامِ إِحدَى تِقْنيَّاتِ الهندسَةِ الوِراثيَّة. وعَلى وجهِ الدَّقةِ؛ مَا فعلَه الباحثُون هوَ استخدَامُ تِقنيَّةِّ "تعديل القاعدة" (Base editing)، أَو كَما يُطلِق عَليهَا بعضُ الباحثِين "الجراحة الكيميائية"؛ إذ تمكِّن هذه التقنيّةُ الباحثِين مِن استبدالِ القَوَاعدِ البنائِيَّة للمادَةِ الوِرَاثِيَّة، فقد استَطَاع الباحثُون استِهدَافَ قاعدةٍ وراثيَّةٍ وحيدةٍ كانت هي المسبِّبة للمرَضِ مِن بين ثلاثةِ ملياراتِ قاعِدةٍ وراثيَّةٍ مكوِّنةٍ للحمضِ النَّوويِّ للأجنَّةِ المُصابةِ؛ ومن ثمَّ إصلاحُها؛ ما يعني شفاءَهُم مِنَ المرض.

وأكَّدَ ديفد ليو (David Liu) - أُستاذُ الكيمياءِ والبيولوجيَا الكيميائيَّة في جامِعةِ هارفرد -  أَنّ قرابة ثلثَي التَّغيراتِ الوراثيَّةِ البشريَّةِ المصاحِبةِ للأمرَاضِ مَا هِيَ إلّا مجرّدُ طفرةٍ فِي قَاعِدةٍ وراثيَّةٍ واحدةٍ، أَو كَمَا تُسمَّى الطفرةُ النُّقطيَّة (point mutations)، ولذلك فإنَّنَا نَنظُرُ إلى الجِراحَةِ الكيميَائيَّةِ عَلَى أنها تستطيعُ إصلاحَ العديدِ مِنَ الأمراضِ الوراثيَّةِ المنتشرةِ حولَنا مباشرةً، أو يمكننا استخدامُها كي نُنتِجَ طفراتٍ مختلفةٍ فِي عيِّناتِ التَّجاربِ للأغراضِ البحثيَّة.

ولا يزالُ هناكَ الكثيرُ أمامَ الفريقِ البحثيِّ كي ينجِزَه قبلَ بدءِ التّجارب الإكلينيكية، وعلى الرّغمِ من ذلك فهذه الدّراسة تمثُّلُ أولَى الخُطواتِ نحوَ مستقبلٍ نستطيعُ فيه تحريرَ مادّتنا الوراثيّة وتعديلها؛ ما يساعدُنا في التخلّص من الأمراضِ المختلفةِ.

وممّا يجدر ذكره أنَّ فَريقاً مِن المَعهَدِ البحثِيِّ نفسه المشرفِ عَلَى الدِّراسَة (Francis Crick) قد نال السَّبَقَ فِي تطبيقِ تِقنيَّةِ CRISPER/cas9 عَلَى أجنَّةٍ بَشَريَّة؛ ومِنَ الجَلِيِّ تَمَامًا أنّنا قريبًا - ومَعَ إصرَارِ هَؤلاءِ العُلماءِ وكثيرٍ غيرِهِم في أنحاءِ العَالَمِ كافّةً – سنكتُبُ آخرَ كلمةٍ في جُملةِ وداعِ الأمراضِ البشريَّةِ الّتي أرهَقتنَا سنواتٍ عديدة.

 

ولمَعرِفة المَزيِد عن القَواعِد الوراثيَّة:

هنا

وللاطّلاعِ عَلى تجاربِ تعديلِ الأَجِنَّة البَشريَّة بتِقْنيَّة CRISPER/cas9:

هنا

ولقراءَة المزيدِ عن مرضِ الثلاسيميا:

هنا

المصادر:

هنا

هنا

الورقة البحثية:

هنا