الفيزياء والفلك > علم الفلك

الغلاف المغناطيسي الأرضي

الغلاف المغناطيسي هو المنطقة المحيطة بالكوكب والتي تتعرض فيها الجسيمات المشحونة المتحركة في الفضاء لتأثير الحقل المغناطيسي للكوكب بحيث تنحرف عن مسارها وقد يتمتع هذا الحقل المغناطيسي بشدة وشكل كافيين لأن يجعل الجسيمات المشحونة السريعة تبتعد عن المناطق الداخلية للكوكب مما يحميه من تأثيرها.

 

لكن كيف يتولد الغلاف المغناطيسي الأرضي ؟ 

ينشأ الغلاف المغناطيسي الأرضي عن الحقل المغناطيسي الأرضي والذي يتولد نتيجة لعدة عوامل أهمها حسب النماذج الموجودة حاليا:

1- الشحنات والشوارد الموجودة داخل الكوكب

2- التيارات المستمرة لهذه الشحنات في باطن الكوكب نتيجة لدوران الكوكب والطاقة الداخلية الحرارية فيه.

فمثلا نعلم أن قطعة من الحديد يمكن تحويلها إلى مغناطيس بلفها بالأسلاك وتمرير تيار كهربائي (شحنات متحركة) عبر تلك الأسلاك. كذلك يتولد حقل مغناطيسي عن حركة المعادن المصهورة في باطن الأرض وبخاصة الحديد المصهور في القسم الخارجي من نواة الأرض. وتنشأ الطافة اللازمة لاستمرار هذه الحركة من تراكب عدة عوامل ومصادر كالحرارة الناشئة عن النشاط الإشعاعي لليورانيوم والثوريوم، كما تتولد حرارة من عملية التبلور التي تصاحب تصلب الغلاف الخارجي لنواة الأرض. وكذلك فأن دوران الكوكب حول محوره من العوامل الهامّة في نشأة المجال المغناطيسي ، فسرعة دورانه ينتج عنها دوامات باطنية تماما كالدوامات التي تحدث في الغلاف الجوي للكوكب وذلك نتيجة لما يعرف بتأثير كوريوليس، وبتأثير تلك الحركة الدوامية في باطن الأرض ونزعتها لتنظيم التيارات الكهربائية الناتجة ضمن أعمدة موازية لمحور دوران الأرض تقريبا ينتج الحقل المغناطيسي الأرضي.

لذلك تشبّه الكرة الأرضية أحيانا بقضيب مغناطيسي كبير له قطبان شمالي وجنوبي. ويقع مركزه على بعد 440 كم من مركز الأرض، ويتقاطع محوره مع محورها الجغرافي، ولذلك لا ينطبق كل من الشمال والجنوب المغناطيسي على الشمال والجنوب الجغرافي للأرض. 

تخرج خطوط القوة المغناطيسية من باطن الأرض ممتدة عبر الغلاف الجوي إلى الفضاء الخارجي مشكلة حقلاً مغناطيسياً هائلاً، يعرف بالغلاف المغناطيسي الأرضي (Magnetosphere) وينتهي عند حد يعرف بالفاصل أو الحد المغناطيسي (Magnetopause) .

ولكن ما علاقته بنشوء واستمرار الحياة على سطح الكوكب ؟ 

يعمل الغلاف المغناطيسي الأرضي على حماية الأرض من الرياح الشمسية ( أو النجمية في حالة نظام شمسي غير نظامنا ) إذ يمنعها من الوصول إلى الكوكب. تتكون الرياح الشمسية من مواد متأينة من إلكترونات ذات شحنات كهربائية سالبة وبروتونات ذات شحنات كهربائية موجبة بالإضافة لبعض الجسيمات الموجودة في الإكليل الشمسي، وتنطلق بسرعة تتراوح ما بين 400 كيلومتراً في الثانية في حالة الرياح الشمسية البطيئة وحتى 750 كليومتراً في الساعة في حالة الرياح السريعة. ولو قدر لهذه الرياح الشمسية الوصول إلى سطح الأرض لانعدمت الحياة عليها تماماً.

تضرب الأشعة الشمسية الغلاف الجوي للكواكب التابعة لها باستمرار، تلك الاصطدامات المستمرة ستنتج عنها أيونات موجبة وسالبة أخف وزنا من الجزيئات الأصلية ، وبالتالي أكثر عرضة لأن تتسرب شيئاً فشيئاً من الغلاف الجوي لذلك الكوكب إلى الفضاء الخارجي، مما يدمر تدريجاً غلافه الجوي ، لا سيما إن كان حقله الثقالي ليس بالقوة الكافية ليحافظ على مثل تلك الأيونات. ولكن وجود غلاف مغناطيسي للكوكب سيحد من أثر تلك الرياح الشمسية ، فنحن إذاً أمام توازن مدهش وأساسي لقيام الحياة على اي كوكب وهو حقل جاذبية كافٍ ليحافظ على الغلاف الجوي وحقل مغناطيسي  يشكل غلافاً مغناطيسياً يحد من أثر الرياح الشمسية في تأيين ذرات الغلاف الجوي بحيث يستطيع الحقل الثقالي منع تسربها إلى الفضاء الخارجي ، فيتكامل الإثنان في مهمة الحفاظ على الغلاف الجوي للكوكب،والذي يمثل شرطاً لازما لنشوء أي نمط من انماط الحياة.

شكل الغلاف المغناطيسي: 

يبدو شكل الغلاف المغناطيسي غير متناسق حول الأرض كما هو مبين في الشكل، إذ يكون مضغوطاً في الجهة المقابلة للشمس بسبب تصادمه بالرياح الشمسية، مشكلاً ما يعرف بقوس أو جبهة الاصطدام عند ارتفاع يناهز 90 ألف كيلومتراً، بينما يكون ممتداً نحو الجهة الأخرى مشكلاً ذيلاً عظيماً في الفضاء، يعرف بذيل الغلاف المغناطيسي (Magnetosphere tail) يمتد تأثيره حتى مسافة 6 ملايين و300 ألف كيلومتراً بعيداً عن الأرض. ويتشكل الذيل بواسطة الرياح الشمسية التي تلتف حول الغلاف المغناطيسي التي تسحبه معها غبر الفضاء. 

يظهر خلال الغلاف المغناطيسي نطاقي متميز مؤلف من طبقتين على الأقل من طبقتين من الجسيمات المشحونة المحتجزة في مكانها حول الحقل الأرض بفعل الحقل المغناطيسي، ويعرف بنطاق فان آلن الإشعاعي نسبة للعالم فان ألن، من جامعة إيوا الأمريكية الذي رأس فريق العلماء الذي اكتشفهما. 

يقع الحزام الخارجي على ارتفاع يتراوح مابين 13 ألف كيلومتراً وحتى 60 ألف كيلومتر ويحوي في معظمه على الإلكترونات، بينما الحزام الداخلي يقع مابين 1000 كم- 6000 كم فوق سطح الأرض ويحوي على إلكترونات وبروتونات. كما يحوي النطاقان أيضا على العديد من الجسيمات المشحونة كجسيمات ألفا.

 

وما علاقة ذلك كله بظاهرة الشفق القطبي ؟ 

تتحرك الجسيمات المشحونة المحتبسة ضمن خطوط الحقل المغناطيسي بشكل موازي لخطوط الحقل المغناطيسي كما أن بعضها تتحرك على طول خطوط الحقل المنطلقة من القطبين نحو ذرات الغلاف الجوي لتصطدم بها مسببة إثارة الذرات وتوهجاها بألوان مميزة تبعا لنوع الذرات مما يشكل اضواء الشفق القطبي.

 

قد يكون الحقل المغناطيسي والغلاف المغناطيسي للأرض غير مرئيين بالنسبة لنا بشكل مباشر على الأقل. ولكنها تشكل الدرع الذي يحمي جميع اشكال الحياة على الأرض من السقوط تحت رحمة الرياح الشمسية العاتية. وليست أضواء الشفق القطبي في هذه الحالة سوى عرض رائع لآثار هذه المعركة التي يخوضها هذه الدرع على مدار الساعة لحمايتنا جميعاً. 

 

المصادر:

حقوق الصورة: NASA