العمارة والتشييد > معارض معمارية

"انعكاسُ الغياب" نصبٌ تذكاريّ تحتَ مستوى سطحِ الأرض

استمع على ساوندكلاود 🎧

في مدينةِ نيويورك - وتحديداً في الموقعِ الذي ضمَّ قبلاً برجَي التِّجارة العالميِّين - نرى أحدَ أكثر النُّصبِ التذكاريّة زيارةً في العالم؛ فقد قُدِّرَ عددُ زوَّارِ الموقع في العامِ الأوَّل بعد افتتاحه عام 2011 بـ 4.5 مليون زائر.

ونرى ضمن هذا الموقع بُركتَي مياه تعكسان السَّماء مُحتلّتَين موقعَ مسقطِ البرجين السَّابقين لتشكِّلا النَّصب التَّذكاري المعروف باسم انعكاس الغياب “Reflecting Absence”، والذي أُنشِئَ تكريماً لضحايا الهجمات الإرهابيَّة في 11 أيلول (سبتمبر) 2001م.

 

 

تاريخ الموقع:

ضمَّ مركزُ التِّجارةِ العالميّ في نيويورك مجموعةً من المباني أشهرُها البرجَين التوءَمين  Twin Tower، اللذَين أُنشِئا بين عامي 1966 و1973م ليكونا أعلى مبنيَين في نيويورك بارتفاعِ 415م تقريباً، ثمَّ أضيفت مجموعةٌ من المباني إلى الموقع بينَ عامي 1977 و1981م؛ ليصبحَ المجمَّعُ مكوَّناً من سبعةِ مبانٍ مختلفة.

ودُمِّرَ البرجين يوم 11 أيلول عام 2001م نتيجةَ اصطدامِ طائرتَين بهما، وسبَّبَ انهيارُهُما حدوثَ عدّةِ أضرارٍ في الموقعِ ومبانيه.

المسابقة وفكرة النَّصب:

طُرحت مسابقةٌ لدراسةِ الموقع  باسم World Trade Center Memorial Site في العام 2003م؛ بمشاركةِ 5200 متسابقٍ من أنحاءِ العالم، إذ اختيرَ ثمانيةُ مشاريعَ منها، وقُرِّرَ بناءُ ستِّ ناطحاتِ سحابٍ جديدةٍ في الموقع من تصاميمِ المعماريِّين Richard Rogers، Norman Foster، Frank Gehry،Santiago Caltrava وغيرهم، إضافةً إلى تصميمِ الموقع المُقترَح من قِبَل المعماريّ Daniel Libeskind بعنوان أُسس الذاكرة “Memory Foundations” الذي يضمُّ البركتَين ومتحفاً ومنشآتٍ تذكاريَّةً أيضاً.

 

 

اعتَمدَ التَّصميمُ الفائزُ بإنشاء النَّصب التذكاري على مساحةٍ بعمق تسعةِ أمتارٍ تقريباً تحتَ مستوى سطحِ الأرض، ليخلقَ مكاناً للتأمُّلِ والاستذكارِ لما حدث، ولكن كجزءٍ من المدينةِ أيضاً؛ إذ تقومُ فكرةُ النَّصب على تحويلِ بقايا مسقط برجَي التِّجارة العالميين إلى فراغٍ عام يبعثُ على التأمُّل ومحاولةِ الشِّفاءِ من الحدث، وذلك عن طريقِ المحافظةِ على الذِّكرى المؤلمة وتكريمِ الضَّحايا؛ إلى جانبِ المُساعدةِ على المُضي قُدُماً مع الحياةِ اليوميَّة.

 

 

وصف المشروع:

يتكوَّن النَّصبُ من بركتَين متطابقتَين تعكسان السَّماء بطولِ ضلعٍ يقاربُ 58.5م على امتدادِ مساقطِ برجي التِّجارة العالميين، مؤمِّنّةً بذلك فراغاً عامَّاً متكاملاً يساعدُ في ممارسةِ التأمُّل والتَّفكير بالقربِ من ضجيجِ المدينةِ نفسِها؛ إذ يتساقطُ الماءُ كالشَّلَّالات من أطرافِ الفراغ اللامتناهي المظهر، فيعملُ على جذبِ أنظارِ الزوَّارِ بعيداً عن ضجيجِ المدينةِ، وشدِّ انتباهِهم نحوَ النَّصب.

 

 

 

ويحدِّدُ شجرُ البلُّوط الإطارَ البصريّ لمحيطِ موقعِ البرجَين الأصليين واضعاً النَّصب ضمنَ حيِّزِ تركيزِ المشاهد.

 

 

عندَ الوصولِ إلى هذا الفراغ العام قد تجدُ نفسَك في لحظةِ تأمُّلٍ حزينة، ولكن على بُعدِ سبعةِ أمتارٍ تقريباً قد ترى موظفي المكاتب المُجاورة يتناولونَ طعامَ الغذاء.

وتتوضَّعُ بمحاذاةِ البِرَكِ لوحاتٌ برونزيَّةٌ تحملُ أسماءَ ضحايا الهجمات (هجمات 11 أيلول 2001م وقصف مبنى التِّجارة العالمي عام 1993م) وتُضاءُ هذهِ الأسماءُ يوميَّاً في اللَّيل من الدَّاخل.

 

 

تبلغُ مساحةُ النَّصب ثُمنَ مساحةِ الموقع التي تقاربُ 64749.7 م2 .

 

الموقع العام لمركزِ التِّجارة العالمي:

سيتضمَّنُ موقعُ مركزِ التِّجارةِ العالميّ ستَّ ناطحاتِ سحابٍ جديدة بجانبِ المتحفِ التَّذكاري والنَّصب، ومركزاً للفنونِ المعاصرة ومركزَ النَّقلِ والمواصلات وعدداً من الفعاليَّاتِ الأخرى، وسترتبطُ هذهِ المشاريعُ جميعُها وظيفيَّاً ونفسيَّاً معَ المساحةِ التي يأخذُها النَّصب، ممَّا تطلَّبَ تنسيقاً دقيقاً بينَ مختلفِ فرقِ التَّصميم بعد الحادثة.

افتُتِحَ أحدُ أبراجِ مركزِ التِّجارةِ العالميّ في العام 2013، وآخرُ في العام 2014، في حين افتُتِحَ مركزُ المواصلات في العام 2016، وتُبنَى حاليَّاً ثلاثةٌ من الأبراجِ التِّجاريَّة التي يُتوقَّعُ الانتهاءُ منها في العام 2018، وأمَّا المُتحفُ فقد افتُتِحَ عام 2014م مع صالاتِ العرض تحت مستوى سطحِ الأرض، والتي تكشفُ عن الجدرانِ المتبقية من البرجَين بعد الهجمات الإرهابيَّة.

 

وبعدَ أن تعرَّفنا على الفكرةِ التَّصميميَّةِ لهذا النصب وما يحتويه الموقعُ الحاليّ، هل تعتقدُ عزيزي القارئ أنَّ المعماريَّ كان موفَّقاً في تكريمِ ضحايا الحادثة وتخليدِ ذكراهم؟ شاركنا برأيك.

 

 

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا

4 - هنا

5 - هنا