الفلسفة وعلم الاجتماع > الفلسفة

التّنوير عند العرب.

استمع على ساوندكلاود 🎧

استُخدِم مصطلحُ التّنوير في الفكر العربيّ الحديث والمعاصر للدّلالةِ على النّهضة، على غرارِ التّنوير في أوروبا، وقد شاع مصطلح التّنوير في العالم العربيّ في القرن التّاسعَ عشرَ، كنتيجةٍ لالتقاء الحضارة العربيّة الإسلامية المُحتضِرة بالحضارة الأوروبّيّة المزدهرة.

حمل هذا المصطلح معنى نفْضِ الغبار الّذي ران على العقل العربيّ الإسلاميّ على مدى عصور الانحطاط الّتي بدأت في القرن السّادس الهجريّ، وأتى تجديداً للفكر العربيّ الإسلاميّ لمواجهة الفكر الغربيّ المنتصر منذ حملة نابليون بونابرت على مصرَ والشّام عامَ 1789م.

ولكنّ إفادةَ حركة التّنوير العربيّة من الفكر الغربيّ الوافد لم تعنِ انقطاعَ علاقتها بالتّراث العربيّ. بل عوّلت على إحياء جوانبه العقلانيّة والعلميّة التّجريبيّة وربطِها بالحضارة الحديثة، فلم تكنْ حركةَ تقليدٍ للقديم ولا الوافد، بقدْرِ ما كانت محاولةً للتّجديد في إطارٍ عربيٍّ إسلاميٍّ.

وجاء فكر التّنوير دعوةً إلى التّوحّد وإزالة الفروق بين المذاهب الإسلاميّة، وتحرير العقل من الخرافات والأوهام، والتّخلّص من قيود التّقليد، وفتح أبواب الاجتهاد، ومناهضة الاستبداد. فالتّوجّه الإسلاميّ وقتَها ألزمَ المنخرطين في هذه الحركة بالتّبصّر في الفنون والعلوم كعلم الطّبيعة والكيمياء والهندسة وغيرها.

روّاد التّنوير:

أبرز روّاد هذا الفكر جمالُ الدّين الأفغانيُّ ومحمّد عبده، ومحمّد فريد وقاسم أمين، ورفاعة رافع الطّهطاويّ وعبدُ الرّحمن الكواكبيّ، وغيرُهم. وقد تأثّر بموقف الشّيخين، الأفغانيِّ ومحمّد عبده، عددٌ كبيرٌ من المفكّرِين العرب والمسلمين من الأجيال اللّاحقة، إذ كانت لهما أدوارٌ هامّةٌ في الحياة السّياسيّة والفكريّة.

ويُعدّ الدّكتور طه حسين أهمّ روّاد التّنوير في القرن العشرين، فقد حاول أن يربط بين الثّقافة الأوروبّيّة والثّقافة العربيّة الإسلاميّة، وأن يستفيدَ من فلسفة التّنوير الغربيّة. فكان كُنهُ طرحِه، التّنويرِ العربيِّ، ردَّ فعلٍ لزحف المدّ اللّيبراليّ الغربيّ موقظاً الأذهانَ ومنبّهاً إيّاها إلى ضرورة المراجعة والإصلاح استناداً إلى العقل، وضرورة الانعتاقِ من إسار النّقل والأثَرَ.

إنّ حركة التّنوير نجحت في أمرين مهمَّين:

لكنّ هذه الحركةَ فشلت في تنوير العرب المسلمين إذ لم تكن كافيةً للنّهوض بالحضارة العربيّة الإسلاميّة، وهناك أسبابٌ عدةٌ لفشلها، وأبرزُها هيمنةُ الاستبدادِ السّياسيِّ، والتعصّبُ الدّينيُّ، والبؤسُ الاقتصاديُّ، وسوءُ التّنمية، وانتشارُ عقليّةِ الخرافاتِ وسَطَ شرائحَ واسعةٍ من الشّعب حتّى المثقّفين منه. وتلك كلُّها عواملُ نجحت فلسفةُ التّنوير في أوروبا في القضاء عليها.

ونختِم بمقولةٍ للدّكتور طه حسين يُوضِح فيها هدفَ المنهجِ التّنويريِّ: "إنّ سبيل النّهضة واضحةٌ مستقيمةٌ ليس فيها عِوَجٌ ولا التواءٌ، وهي أن نسيرَ سيرةَ الأوروبّيّين ونسلك طريقَهم لنكونَ لهم أنداداً، ولنكونَ لهم شركاءَ في الحضارة خيرِها وشرِّها، حلوِها ومرِّها، وما يُحَبّ منها وما يُكرَه، وما يُحمَد وما يُعاب".

مصادر المقال:

1- الانسداد التاريخي، الدكتور هاشم صالح.

2- دراسات في الفكر والتاريخ الإسلامي، الدكتور محمود إسماعيل.