الطب > أمراض نسائية وتوليد

اكتئاب ما بعد الولادة.

استمع على ساوندكلاود 🎧

يحرِّكُ قدومُ طفلٍ جديدٍ إلى العائلة مزيجاً من المشاعرِ المختلفة، من سعادةٍ وفرحٍ إلى خوفٍ وقلق، وعلى الرغم من المتعة التي تصاحبُ ولادةَ طفلٍ جديدٍ؛ فإنّها قد تؤدّي إلى الإصابة بشعورٍ غير متوقَّعٍ؛ ألا وهو الاكتئاب!

قد تعاني الأمهاتُ الجديداتُ من حُزنٍ تالٍ للولادة Postpartum baby blues، والذي يتّصفُ بوجود تقلُّباتٍ في المِزاج، ونوباتٍ من البكاء والقلق، وصعوبةِ النوم، ويستمر ذلك قرابةَ أسبوعَين بعد الولادة، وأمَّا بعضُ الأمهاتِ فيُعانينَ من نوعٍ آخر من الحزن، وهو أكثرُ حدةً وأطولُ مدةً، والذي يُعرف باسم الاكتئاب التالي للولادة.

ما هو الاكتئاب التالي للولادة؟

هو أحدُ اضطراباتِ المِزاج الَّتي تصيبُ الأمَّهاتِ بعدَ الولادة، وتعانين فيه من مشاعرِ حزنٍ وقلقٍ شديدَين بالإضافةِ إلى الشعور بالإرهاقِ والتعب، ممَّا يجعلُ مَهمَّةَ إِكمالِ الأنشطةِ اليوميةِ المُعتادةِ أمراً صعباً.

ما هو السببُ وراءَ الاكتئابِ التالي للولادة؟

لا يوجدُ سببٌ محدَّدٌ له، وإنَّما هو جملةٌ من العواملِ الجسديةِ والعاطفية، ولا تُعَدُّ أفعالُ الأمِّ مُسبِّباً له، فقد تحدثُ بعضُ التغيُّراتِ الكيميائيةِ في دماغ الأم بعد الولادة نتيجةَ هبوطِ مستوياتِ الهرمونات (الأستروجين والبروجيسترون) على نحوٍ سريعٍ في الجسم، وكذلك فنَقصُ النوم المُصاحِبُ لقدومِ طفلٍ جديدٍ قد يسهم في ظهورِ أعراضِ الاكتئاب.

وبعضُ النساءِ أكثرُ عرضةً من غيرهنَّ للإصابةِ بالاكتئاب التالي للولادة، وتشمل عواملُ الخطرِ:

-سوابقُ اكتئابٍ تالي للولادة أو اضطراباتٌ نفسيةٌ أُخرى خلال الحياة.

-سوابقُ عائليةٌ للاكتئاب أو للاضطرابات النفسية.

-المرورُ بِشدَّةٍ نفسية أثناء الحملِ أو بعده بفترة قصيرة، كوفاة أحدِ الأقارب مثلاً.

-شربُ الكحول أو تعاطي المُخدَّرات.

-حدوثُ مضاعفاتٍ أثناءَ الولادة أو وجودُ مشكلاتٍ صحيةٍ لدى الطفل المولود.

-اضطرابُ مشاعرِ المرأةِ أمامَ الحمل.

-عدم تلقِّي المرأةِ الدعمَ العاطفيَّ المناسبَ والكافي.

هل تستطيع المرأة تحديدَ إذا ما كانت مصابةً بالاكتئاب التالي للولادة؟

لأنَّ أعراض هذه الحالةِ هي أعراضٌ واسعةُ الطيف ومتباينةٌ من امرأةٍ إلى أُخرى؛ فإنَّ مُقدِّمَ الرعاية الصحية هو الوحيد المُخوَّلُ بتشخيص الاكتئاب، وفي حالِ مواجهةِ المرأةِ لأيٍّ من أعراض الاكتئاب؛ فيجب عليها استشارة الطبيب على الفور.

ما هي أعراضُ الاكتئابِ التالي للولادة؟

من أعراضِ هذا الاكتئاب تقلُّباتُ المِزاج الحادَّةُ والبكاءُ الشديدُ والغضبُ، ممَّا يؤدِّي إلى صعوبةِ الترابطِ العاطفيِّ مع الطفل المولود والابتعادِ عن أفراد الأسرة والأصدقاء، وقد تَظهرُ اضطراباتُ الشهيةِ والنومِ؛ ويسيطرُ الشعورُ بالإرهاق والعجزُ عن الاستمتاعِ بالأنشطة التي كانت تُشكِّلُ مصدراً للسعادة سابقاً، وقد يشكينَ من خوفٍ دائمٍ من العجز عن تربيةِ الطفل؛ بسبب غياب القدرةِ على التركيز والتفكيرِ بوضوحٍ أو التفكيرِ بالموت والانتحار أو بأذيةِ أطفالهنَّ.

ما هي مضاعفاتُ الاكتئاب التالي للولادة؟

قد يسبِّبُ الاكتئابُ التالي للولادة - في حالِ عدمِ معالَجتهِ - مشكلاتٍ عائلية على مختلفِ الأصعدة:

فيما يخصُّ الأمهاتِ، فقد يتحوَّلُ لاضطرابٍ اكتئابيٍّ مُزمِنٍ، ويزيدُ من خطرِ الإصابةِ المستقبليةِ للأم بالاكتئاب أيضاً، وذلك حتَّى عند معالجته.

وتزدادُ نسبةُ إصابةِ الآباء بالاكتئابِ عند إصابة الأم أيضاً، إذ لدى الآباءِ الجدُدِ في الأصل خطرُ الإصابةِ بالاكتئابِ؛ سواءٌ أكانتِ الأمُّ سليمةً أم مصابةً.

ويزدادُ خطرُ إصابةِ الطفل بمشكلاتٍ سلوكية وانفعالية أيضاً، مثلَ صعوباتِ الأكل والنوم، والبكاءِ الشديد، واضطرابِ نقص الانتباه مع فرط النشاط ADHD، وتأخُّرٍ في تطور اللغة والكلام.

كيف يمكن الوقاية من الإصابة بالاكتئاب التالي للولادة؟

إذا ما وُجِدَت سوابقُ للاكتئاب فمن الضروري إخبارُ الطبيب عند التخطيط للحمل أو فورَ حدوثه، ويراقب الطبيبُ المرأةَ أثناء حملها بانتباهٍ شديدٍ لتحرِّي ظهورِ أيٍّ من أعراض الاكتئاب، إذ يمكن علاجُ الاكتئاب عبر الاستشاراتِ النفسية وارتيادِ اجتماعاتِ الدَّعمِ النفسي، أو قد توصَفُ مُضادَّاتُ اكتئابٍ أثناء الحمل أو بعد الولادةِ مباشرةً.

وأمّا بعدَ الولادة؛ فيبحثُ الطبيبُ عن أيِّ عرضٍ مُحتَمَلٍ من أعراضِ الاكتئاب أيضاً، ويُفضَّلُ أن يكون الفحصُ بعدَ الولادة بزمنٍ قصيرٍ لأن التحرّي المُبكِّرَ يفيدُ في العلاج.

المصدر:

هنا

هنا