البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

طفيليٌّ جديدٌ.. يجعلنا نعيدُ النظرَ ملايين السنين إلى الخلف!

في دراسةٍ نُشِرَت مطلع هذا العام؛ كُشِفَ عن نوعٍ جديد من الطفيليات في أستراليا يشتركُ في جذوره مع طفيلي اللشمانيا، وقد اكتُشِفَ هذا الطفيليُّ في أحدِ أنواعِ الذُّبابِ الأسوَد الأسترالي الذي يلدغُ الثديّيات متضمّنةً الإنسان، فما هي تَبِعاتُ هذا الاكتشاف؟ وهل تمثّلُ هذه الطفيليات خطراً بالنسبة إلى البشر؟

  يضمُّ جنسُ اللشمانيَّات قرابةَ 53 نوعاً؛ يتسبّبُ 20 منها بداءِ اللشمانيا الذي يتفرّعُ بدوره إلى عدّة أنواع؛ منها داءُ اللشمانيا الجلدية الشائعُ والمعروفُ في بلاد الشام باسمِ "حبَّةِ حلب"، ويشكِّلُ داءُ اللشمانيا ثاني أكثر مرضٍ طفيليٍّ قاتلٍ بعد الملاريا، وبحسب الإحصائيات فإنَّ عددَ الحالاتِ المُشخَّصةِ بالإصابة بهذا المرض في تزايدٍ؛ إذ إنَّ العلاقة المتينةَ والمعقَّدةَ بين كلٍّ من المضيفِ والناقلِ والطفيليِّ هي إحدى أهمِّ أسباب انتشار اللشمانيا على نطاق واسع، ولا تنشأ علاقاتٌ قويةٌ كهذه بينَ ليلةٍ وضُحاها، وإنّما تتطوَّرُ على مدى ملايين السنين!

  ولنَعُدْ إلى ضيفِنا الجديد؛ فهو طفيليٌّ يشتركُ بأصولٍ سحيقةِ القِدَم مع طُفيليّ اللشمانيا! فأين الأهميةُ في ذلك؟ يعتقدُ جويل باريت Joel Barratt قائدُ عمليةِ البحثِ الَّتي أدَّت إلى هذا الاكتشاف أنَّ الطفيليَّ الجديدَ Zelonia austrlaiensis وعلى الرغم من عدم إصابتِه البشرَ؛ فقد يكونُ مصدرَ خطرٍ نائم ويجبُ التنبه إليه، لأنَّ وجودَ طفيلياتٍ كهذه شكّلت دائماً بدايةً للجائحاتِ في مناطقَ مختلفة، وذلك لقدرتِها العاليةِ على التأقلُمِ الَّتي تتيحُ لها فرصةَ إصابةِ أنواعٍ جديدةٍ من الكائنات الحية.

 ويقودُنا هذا إلى إشكاليَّةٍ أُخرى نتساءَلُ فيها: هل طبيعةُ البشرِ ونشاطاتِهم هي من أتاحت الفرصةَ للطفيلياتِ التي تصيبهم أن تستوطِنَ مناطقَ معينة؟ إذ يوجَدُ سوابقُ تشيرُ إلى ذلك؛ أبرزُها انتقالُ الملاريا من أفريقيا إلى أوروبا والأمريكيتَين.

  ويتوافقُ هذا الاكتشافُ مع الإحصائيات التي تشير إلى تزايدِ أعدادِ طُفيليِّ اللشمانيا في أنحاء العالم في العقود السابقة، والدليلُ على هذه الزيادة هو ارتفاعُ عددِ الإصاباتِ بداءِ اللشمانيا، الَّذي يُعزى إلى السياحةِ والهجرةِ واللجوءِ من المناطق الموبوءة إلى المناطق السليمة؛ كما حدثَ في أستراليا.

  تشيرُ الدراسةُ إلى أنَّ اكتشافَ هذا الطفيليّ في أستراليا المعزولة برّياً عن العالم - والذي اعتُقِدَ قبلاً أنَّه غير موجود - يعيد طرحَ العديد من الأسئلة والنظريَّاتِ حول نشوء اللشمانيات وقِدَمِها.

  يظنُّ بعضُ العلماء أنَّ اللشمانيات نشأَت من  المملكة البيئية الشمالية Palearctic، وعبرَت إلى العالم الجديد عبرَ الممرِّ الأرضيّ الذي يصلُ بين روسيا وكندا  Bering land bridge؛ في حينِ يعتقد آخرون أنها نشأت من المناطق المدارية الجديدة1 Neotropic regions، وأمَّا نظريةُ تعدُّدِ الأصول تنصُّ على أنَّ الفصلَ بين الأنواعِ في العالم القديم والأنواعِ الأُخرى في المناطق المدارية الجديدة ما هو إلّا نتيجةُ تشكُّلِ المحيط الأطلسي وفصلِ اليابسة.

  وقد حُدِّدَ الطفيليُّ الجديدُ Zelonia australiensis  المنتمي إلى نوع الطفيلي المدراي Zelonia costaricensis نفسِه الّذي يرتبطُ مع طفيلي اللشمانيا، وإذا افترضنا أنَّ انفصالَ هذَين الطفيليَّين عن بعضهما قد حدَث نتيجة انفصال أستراليا عن أميركا الجنوبية؛ فإنَّ تمايزَهما قد وقعَ منذ 36 -41 مليون عام، وبالارتكاز إلى هذا التمايز لأجل بناءِ شجرةِ تطوُّرِ السُّلالة؛ نستنتجُ أنَّ سلفَ اللشمانيا ثنائيةِ النوع2 dixenous2 Leishmaniinae ظهرَ في جوندوانا3 منذ 91 مليون عام.

  وتساهمُ هذه الدراسةُ في تعميقِ فهمِنا لتطوُّرِ طفيلي اللشمانيا، ومن خلال تتبُّعِ مسارِه التطوري السابق وتمييزِ الأحداث التي حرَّضَت هذه الطفيلياتِ على الانتقالِ من عدوى الحشرات فقط إلى عدوى الإنسان؛ نستطيعُ أن نستقرِئَ قدراتِها على التأقلم والتنبؤ بسلوكِها ومخاطرِها في المستقبل.

1المناطقُ المداريةُ الجديدةُ: المناطقُ المداريةُ في العالم الجديد.

2 طفيلي ثنائي النوع: طفيليٌّ يستطيعُ التطفلَ على نوعَين، ويكملُ دورةَ حياته في أيٍّ منهما.

3جوندوانا هي كلٌّ من أستراليا وأفريقيا وأميركا الجنوبية والهند والمتجمّدةِ الجنوبيةِ قبل انفصال صفائحِ اليابسةِ عن بعضها.

 

المصادر:

المقال: هنا

الدراسة: هنا

عن الليشمانيا: 

1 - هنا

2 - هنا