الطب > مقالات طبية

عائلة السِتوكروم ووظائفها

عائلةُ السيتوكروم هي أنزيماتٌ مسؤولةٌ عن اصطناعِ وتخريبِ العديدِ من الجزيئاتِ والموادِّ الكيميائيّةِ المتنوَّعةِ داخل الخلايا، أو بتعبيرٍ أدقَّ؛ فإنَّها المسؤولةُ عن التحوُّلِ الحيويّ للمواد في الجسم (من الشكلِ الفعَّال إلى الشكلِ غيرِ الفعَّال أو بالعكس)، فهي تتدخَّلُ في اصطناعِ العديد من الجزيئات مثلَ الهرمونات الستيروئيدية، والأحماض الصفراوية والكولسترول، وتقومُ باستقلاب السموم داخل الخلايا والأدوية على نحوٍ رئيسٍ أيضاً.

وتوجَدُ هذه الأنزيماتُ أساساً في الكبد وبكميّةٍ أقلَّ في الكُليةِ والجلدِ والجهازِ الهضمي والرِّئتَين، إذ تدخلُ في بِنيةِ القنواتِ الناقلة للبروتينات في غشاءِ الخلية؛ إضافةً إلى وجودِها ضمنَ الميتاكوندريا.

وتُنتَجُ الأنزيماتُ بتحفيزٍ من الجينات الخاصّةِ بالسِتوكروم، إذ يوجَدُ قرابةُ 60 مورثةً مسؤولةً عن عمل هذه الأنزيمات في الجسم البشري، ويُطلَق على هذه الجيناتِ اسمَ عائلة P450، ويحملُ كلُّ جينٍ الأحرفَ CYP للدلالة إلى أنَّهُ جزءٌ من هذه العائلة؛ (مثلَ CYP2D6، CYP3A4، وهكذا...

وإنَّ حدوثَ تبدُّلاتٍ في هذه الجينات يؤثِّرُ على فعاليّةِ هذه الأنزيماتِ؛ إذ يختلفُ التعبير عنها إمَّا بالزيادةِ وإمّا بالنقصان، وأكثرُ ما يُلاحَظُ هذا التأثير هو في استجابةِ الجسم للدواء؛ أي إنِّهُ باختلافِ شكلِ الجيناتِ والتعبيرِ عنها يختلفُ زمنُ استقلابِ الدَّواءِ أو المادّةِ عموماً في الجسم.

وتُعّدُّ الاختلافاتُ العرقيّةُ أحدَ أهمِّ العوامل التي تؤدّي إلى اختلافِ الجينات عند الأشخاص؛ ومن ثمَّ اختلافُ نِسبِ السِتوكروم بينهم؛ وهذا يؤدي إلى فروقٍ في زمنِ الاستقلابِ والتخلُّصِ من المواد.

وعلى سبيلِ المثال؛ فلنفترِضْ أنَّ الدواءَ أو المادَّةَ X تستقلبُ بواسطة الأنزيم CYP2D6، وفي الوقتِ ذاتهِ تُبيِّنُ لنا الدراساتُ أنَّ هذا الأنزيمَ يغيبُ عند 1% من الصينيين و4.8% من الهنود و5-10% من القوقازيين (فنُسمّي هؤلاءِ الأشخاصَ بضعيفيّ الاستقلاب)، وهذا سوفَ يؤدّي إلى انخفاضٍ في استقلابِ المادّة X -التي افترضناها- ومن ثمَّ زيادةُ نسبتِها في الجسم (فانخفاضُ استقلابِها سيؤدّي إلى انخفاضٍ في إطراحِها)، وقد تصلُ هذه المادَّةُ إلى الجرعةِ السُّمّيةِ في الجسم، وإذا كانَ الطبيبُ على علمٍ بغيابِ هذا الأنزيم لدى المريض فحينئذٍ ينبغي له أن يصفَ له دواءً لا يستقلبُ بواسطته، أو أن يخفِّفَ من جرعةِ الدواءِ تجنُّباً للتسمُّم.

وخلافاً لذلك؛ إذا ما زادت نسبةُ هذا الأنزيم في الجسم فإنَّ الدواءَ سوفَ ينخفضُ تركيزُه في الجسم، ويؤدّي ذلك إلى عدمِ الوصولِ إلى التراكيزِ العلاجية الملائمة وعدمِ الحصول على الإفادة المرجوّة، وفي هذه الحالة أيضاً؛ ينبغي للطبيب أن يزيدَ الجرعةَ لمريضٍ كهذا.

وشأنُها شأن أيِّ أنزيمٍ آخرَ في الجسم؛ فإنَّ هذه الأنزيمات قابلةٌ للتحرُّض بفعلِ أدويةٍ أُخرى أو عواملَ كيميائيةٍ أو ملوِّثاتٍ بيئيةٍ، فتؤدّي إلى تسريعِ استقلاب الدواء؛ أي مشابهة الحالة الأخيرة.

ومن الممكن أنْ تتثبَّطَ أيضاً؛ إذ تحدثُ هذه الحالة عندَ تناول دوائَين معاً يستقلبان بواسطةِ الأنزيم ذاته، فيحدثُ تنافسٌ بين الدوائَين لينتهيَ باستقلاب أحدِهما على حسابِ الآخر، ومن الممكن أن يصلَ إلى التركيزِ السُّمّي، (وهذا هو المبدأُ المبسَّطُ للتداخلاتِ الدوائية).

وطبعاً يوجَدُ اختباراتٌ خاصّةٌ يطلبُها الطبيبُ أحياناً، وذلك لتحديدِ مدى استقلاب هذا الدواء في الجسم، ومن ثمَّ تأثيرُ الأدوية عند الأشخاص المختلفين، ويُدَعى أحد هذه الاختبارات بـ (Drug-Gene testing)؛ وهي دراسةُ كيفيةِ تأثيرِ الجينات على استجابةِ الجسم للأدوية.

ويحاولُ العلماءُ بواسطةِ هذه الاختباراتِ فهمَ تأثيرِ الأدويةِ على أشخاص في حينِ لا تُبدي أيّةَ استجابةٍ عند أشخاص آخرين، وذلك لأجلِ فهمِ الدواءِ الأنسبِ للمريض.

ولا يحتاجُ هذا الاختبارُ إلى صيامٍ أو إلى أيّ توصيةٍ مميّزة؛ وإنَّما تؤخَذُ عيّنةٌ من الدم أو اللُّعابِ أو باطنِ الخد، ثمَّ يُفحَصُ الحمضُ النوويُّ، ويستغرقُ هذا الاختبارُ عادةً أسبوعاً أو أقلَّ بقليل للحصولِ على نتيجته.

فهل عرفتَ عزيزي القارئ فائدةَ هذه الأنزيمات في إنقاذِ جسمِك من مختلفِ المواد الضارة؟ّ!

المصادر:

هنا

هنا

هنا

هنا