الفنون البصرية > أساطير الشعوب

غيرة الحبِّ ليست حكراً على البشر

استمع على ساوندكلاود 🎧

بحسبِ الميثولوجيا الإغريقية، أيو هي ابنةُ إله النهر أناخوس و الحورية ميليا، وتعدُّ أيو أوَّل كاهنةٍ في هيكل هيرا زوجة كبير الآلهة زيوس.

أُغرِمَ زيوس بأيو وعلى الرغم من محاولته إخفاء الأمرِ عن زوجته من خلال تغطية العالم بغيومٍ كثيفةٍ، لكنَّ هيرا اشتبهت بالأمر فنزلت من جبل الأولمب على عجلٍ لتبدِّدَ الغيوم وتتمكن من رؤية زيوس الذي بادر إلى مسخِ أيو إلى عِجلةٍ بيضاءَ صغيرةٍ. لم يهدِّئ قَسَمُ زيوس بأنَّه لم يرَ تلك العجلة من قبل من غيرة زوجته لما اتَّصفت به العجلة من جمالٍ وبهاء. ادَّعت هيرا الهدوء والسكينة، وقد رضخ زيوس لإلحاح زوجته الشديد وأهداها العجلة البيضاء. أمرت هيرا العملاق أرغوس ذا المئة ين بحراسةِ العجلة الصغيرة؛ الذي ينام مغمضاً خمسين عيناً بينما تبقى الخمسون عيناً الأخرى مفتوحةً متأهبة.  

جوبيتر وأيو، ويظهر جوبيتر بهيئة غيومٍ كتمويهٍ أمام هيرا.

Jupiter and Io by Antonio da Correggio 1933

بالطبع، أراد زيوس استرجاع أيو ولكنَّه في الوقت نفسه لم يشأ أن يُغلبَ على يدِ أرغوس أو يصرعه بصاعقةٍ، بل فضَّل أن يتخلَّص من العملاقِ دون أن يُشعِرَ أحداً بتدخله.  فاستدعى ابنَه هيرمس وأوكلَ له المهمّة، الذي تنَّكر بزيِّ الرعاة، واستخدم مهاراته كموسيقيٍّ وراوٍ ليكسب ثقة أرغوس ويجعله ينام؛ اقترب هيرمس من العملاق و راح يعزف على مزماره ألحاناً عذبة ويحكي قصصاً جميلةً، مما جعل أرغوس يثمل من الطرب ويغطُّ في نومٍ عميقٍ مغمضاً عيونه المئة، وعلى الفور هوى عليه هيرمس وقتله وحرَّر العِجلة أيو.

ميركوري وأرغوس

Mercury and Argus، by Peter Paul Rubens 1635

ميركوري يهمُّ بقتل أرغوس

Mercury and Argos by Peter Paul Rubens 1636-1638

وعلى إثر موت حارسها الحبيب، حزنت هيرا ونثرت عيونه المائة تخليداً لذكراه على ذيل طائرها المفضل؛ الطاووس والذي ما زال يختال بها حتى اليوم. كذلك فقد ازداد غضب هيرا من أيو، فأرسلت ذبابةً قاسيةً تلاحقها وتلسعها، فراحت العِجلةُ المسكينةُ تجوب البحار والجبال هرباً من ذبابة هيرا حتى بلغت أعالي القوقاز؛ حيث وجدت بروميثيوس وهو خالق الإنسان من طين مقيداً حزيناً، ثم أكملت طريقها سابحةً في بحرٍ سُمِّيَ لاحقاً البحرَ الأيونيَ، ثمَّ قطعَتْ مضيق البوسفور الذي يعني في اليونانية معبر الثور، وتابعت مسيرها وصولاً إلى مصر. عندئذٍ، هدأت هيرا وسمحت لزيوس بأن يعيد أيو إلى شكلها السابق، وما لبثت أيو أن ولَدَت طفل زيوس وأسمته أبفوس؛ الذي أسس مدينة ممفيس في مصر لاحقاً. وعلى الرّغم من غضب هيرا ونفيها المولودَ إلى سوريا، لكنَّ أيو تمكَّنت من العثور عليه مجدداً. وبعد مرورِ أحد عشر جيلاً، حرَّرَ هرقل أو هيركوليس؛ سليلُ أيو بروموثيوس من قيده.

الجدير بالذكر أن الميثولوجيا الرومانية تروي أسطورة أيو نفسها مع تبديل الآلهة الإغريقية بمثيلاتها الرومانية: (زيوس-جوبيتر)، و(هيرا-جونو)، و(هيرمس-ميركوري).

وكما هي عادة الأساطير القديمة‘ فقد غَدَت أسطورة أيو مصدرَ إلهامٍ للعديد من لوحات الفنانين مثل: بيتر بول روبنز وأنطونيو كوريجيو وغيرهما.

المصدر:

1- هنا

2- هنا

3- بربارة، فؤاد جرجي . الأسطورة اليونانية . دمشق : 2014 . من ص 97 حتى 99 .

4 - سلامة، أمين . الأسطورة اليونانية والرومانية . 1988 . من ص 96 حتى 98 .