البيولوجيا والتطوّر > علم الأعصاب

نومك سيّئ؟! احذر ألزهايمر

استمع على ساوندكلاود 🎧

أثبتَتِ الدراساتُ الحديثةُ أنَّ النّومَ المتقطِّعَ - حتى إذا كانَ لليلةٍ واحدةٍ فقط - يزيدُ من نسبةِ البروتينات المرتبطةِ بمرض ألزهايمر في الدماغ، ويساعدُ هذا الاكتشافُ على الإجابة عن السؤال: كيف يرتبطُ النّومُ المتقطِّعُ بظهور مرض ألزهايمر.

ويقولُ الباحثُ "ديفيد هولتزمان" من جامعةِ واشنطن "أظهرنا في هذهِ الدّراسةِ ارتباطَ النَّومِ المتقطِّعِ مع زيادةِ معدَّلات نوعَين من البروتينات المرتبِطة بمرضِ ألزهايمر"، ويكملُ: "نعتقدُ أنَّ النّومَ المتقطعَ والمزمِنَ في مرحلة منتصف العمر قد يزيد من خطرِ مرض ألزهايمر فيما بعد".

ويتسبَّبُ مرضُ ألزهايمر بالنَّقصِ التدريجي للمعرفة وفقدان الذاكرة؛ إذ إنّ أكثرَ من 5 مليون أمريكي مُصابٌ بألزهايمر، وكذلك فاحتمالُ الموتِ بسبب مرض ألزهايمر زاد 55% في الـ 15 سنةً الماضية.

ومع أنَّ السببَ المباشرَ للمرض ما يزال غيرَ واضحٍ، ولكن تعرَّفَ العلماءُ على بروتينَين وهما: بيتا أميلويد Amyloid beta والتاو Tau؛ وقد ترافَق ظهورُهما في الدّماغ مع مرضِ ألزهايمر.

وكانت أبحاثٌ سابقةٌ قد دلَّت على وجود علاقةٍ بين النوم المتقطع والضَّعف الإدراكي متضمنّةً مرضَ ألزهايمر، ولكنَّ آلياتِ هذا التأثير لاتزالُ مجهولةً؛ وقد سلّطت هذه الدراسةُ الحديثةُ الّتي بين يدَينا الضّوءَ على آليةِ الارتباط بين العوامل المذكورة.

وقد وجدَ فريقُ البحث أنَّ النومَ المُتقطِّعَ لليلةٍ واحدةٍ فقط أدَّى إلى زيادةِ نسبة بروتين بيتا أميلويد في الدماغ، وإذا كنتَ سيّءَ الحظِّ ولم تنَم جيداً مدّةَ أسبوعٍ كامل، فإنَّ ذلكَ سيؤدي إلى زيادةٍ في نسبة بروتين تاو أيضاً!

ويقول "يو-إل جو"؛ وهو باحثٌ آخرُ في الفريقِ من جامعة واشنطن "لم يفاجِئْنا عدمُ تغير نسبة بروتين تاو بعد نومٍ سيءٍ لليلةٍ واحدة مقارنةً بتغيُّرِ نسبة بروتين الأميلويد، فمستوى بروتين الأميلويد يتغيّرُ بسرعةٍ أكبر من بروتين تاو"؛ ويكملُ يو-إل جو: "ولكنَّنا رأينا تغيُّراً واضحاً في نسبةِ بروتين تاو عندما نام المتطوِّعون نوماً سيئاً عدَّةَ ليالٍ متتالية".

ولهذا الغرضِ صُمِّمت تجربةٌ على النحو الآتي:

عملَ فريقُ البحثِ مع 17 متطوعاً بصحّةٍ جيدة، وأعمارهم تباينت بين 35 و65 عاماً، ولم يعانوا أيّةَ مشكلاتٍ مُسبَقةً في النوم أيضاً.

زُوِّدَ المتطوعون بجهازٍ لقياس النشاطِ ولمعرفةِ عدد ساعات النوم التي يقضيها كلٌّ منهم قبل أسبوعَين من بَدء التجربة، وبعد مرور خمسِ ليالٍ على ارتداءِ الشاشةِ الخاصَّةِ بالتجربة بنجاحٍ وقضاءِ ليلةٍ في الغرفة المُظلِمةِ المُخصَّصةِ للتجربة؛ بدأتِ الخطوةُ التالية واستُقبِل نصفُ عددِ المتطوعين في مختبر النوم - وهو غرفةٌ مظلِمةٌ مضادّةٌ للصوت تحتوي على سريرٍ مريح وضمن مناخٍ مناسب - ثمَّ وُصِلَ المتطوعون بأقطابٍ كهربائيّة خلال النوم، وُضِعت على فروة الرأس لمراقبةِ نشاط الدماغ، وزوِّدوا بسماعاتِ الأذن لتسمح للباحثين بالتحكّم بنوم المتطوِّعين، وأثناء الدّراسة نام نصفُ عدد المتطوعين في المخبر ووافقوا على السَّماح بإيقاظهم خلال النوم، وأمَّا النصفُ الآخر فكان ينام بعمقٍ ودون إزعاج.

وفي كل مرّة يدخلُ المتطوعون فيها مرحلةَ أمواجِ النّوم البطيئة (وهي تنتمي إلى مرحلة النوم العميق المريح وغير الحالم) كان الباحثون يُرسلون نغماتِ رنينٍ عبر السّماعات تعلو تدريجياً، الأمرُ الذي يُخرِج المتطوع من مرحلة النوم العميق ويُدخله في مرحلة أُخرى تُدعَى بمرحلة النوم الضَّحل أو نوم الأحلام (مرحلةُ نومٍ أقلُّ عمقاً واسترخاء).

وفي صباح اليوم التالي؛ شعرَ المتطوّعون الّذين قوطعَ نومُهم العميقُ بالتَّعب والإرهاق، وكان من المثير للاهتمام أنَّ فترةَ نومِهم لم تكن أقلَّ، ولم يتذكَّروا أبداً إيقاظَهم بالضَّوضاء في سماعاتِ الأذن، وهنا يُمكنُ القولُ أنَّ غرفةَ النّوم أصبحت مُتعبةً ولم تعد للاسترخاء.

وبعد شهر من التجربة بُدّلَ بين المجموعتَين؛ إذ استطاعت المجموعةُ الأولى النومَ نوماً عميقاً، وأمَّا الثانية فقد تعرَّضت للموجات التي لم تسمحْ لهم بالدخول في مرحلة النوم العميق.

وكان الباحثون يدأبون على سحبِ عينةٍ من السائل الدماغي الشوكي لقياس نسبة ارتفاع كلٍّ من البيتا أميلويد والتاو، ثمَّ مقارنتِها بما كانت عليه خلال الأسبوعَين اللذَين سبَقَا بَدء التجربة، وبعدَ المقارنةِ؛ وجد الباحثون زيادةً بنسبةِ 10% في بروتين بيتا أميلويد لدى المتطوعين الّذين كانوا يوقَظون من نومهم العميق أثناءَ ليلة واحدة، في حين أنّهم لم يلاحظوا زيادةً في نسبة بروتين تاو، ورُبِطَ بين العاملَين (النوم ونسبة البروتين) بعدَ النظرِ إلى مقياس كلٍّ من النشاط والنّوم في الأسبوعين السابقين على هذه الليلة.

إنَّ النومَ بطيءَ الموجة هو نوعية النوم التي يحتاجها الإنسان لكي يستيقظ بعدَها مع شعورٍ كاملٍ بالحيوية والنشاط، وإذا لم يحصل على مدةٍ كافية منه - في حال إصابته باضطرابٍ ما في التنفس مثلاً - فإنه سيستيقظ مع شعورٍ بالكسل حتى وإن نامَ ساعاتِه المعتادة؛ ففي حالةِ النوم بطيء الموجةِ تتخلَّصُ الخلايا العصبيّة الدماغية من المُنتجاتِ الجزئية التي تراكمت خلال نهارٍ مليءٍ بالنشاط الذهني.

ولكن لا تجزع! يشير الباحثون إلى أنّه من المستبعَد أن تؤثّرَ ليلةٌ واحدةٌ أو أسبوعٌ واحدٌ من النوم المتقطع إلى تطويرِ المرض لأنَّ البيتا أميلويد وبروتين التاو يعودُ إلى مستوياته الطبيعية بعد نومٍ جيد، وتكمنُ المشكلةُ الحقيقيةُ عند الأشخاص الذين يعانون من مشكلاتٍ مزمِنةٍ في مسألة النوم المتقطع.

وما يجب أن تتنبّه لَهُ - عزيزي القارئ - أنَّ هذه الدّراسة لا تشير إلى أنَّ النّوم الجيد يقي من مرض ألزهايمر، ولكنّه لا يضرُّ بالتأكيد، والنتيجة الواضحة لهذه الدراسة تقول: أنَّ النومَ السّيئَ يزيدُ من مستوى بعض البروتينات التي ترتبط بألزهايمر، ولكنَّ ليلةَ نومٍ جيدةٌ هو شيء تريد أن تسعى إليه في أيّ حال.

لنستمتع إذاً بنومٍ جيدٍ عميق من دون الشّعور بالذّنب من أنَّ النوم هو هدرٌ للوقت!

المصدر:

هنا

ولمعرفة المزيد عن مرض ألزهايمر من "الباحثون السوريون":

هنا

هنا

هنا