البيولوجيا والتطوّر > الأحياء الدقيقة

هل يمكنُ للبكتيريا أن تتنبّأ بالإصابةِ بسرطان الثدي؟

استمع على ساوندكلاود 🎧

يعدُّ سرطانُ الثدي أكثرَ السرطاناتِ الغازية انتشاراً بين النساء، حيثُ يشكّلُ حواليَ 25.1% من جميعِ أنواعِ السّرطاناتِ التي تُصيبُ النساء. يتشكّلُ سرطانُ الثّدي نتيجةً لتكاثرٍ غير طبيعيٍّ لخلايا الثدي، ويترافقُ مع مجموعةٍ من التغيّراتِ التي تُشيرُ إلى الإصابةِ به، كالتغيّرِ في شكلِ الثدي، وخروجِ السوائلِ من الحلمتين، وغيرها. بالإضافةِ إلى انتشارهِ الكبير، فإنّ نسبةَ الوفيّاتِ الناجمةِ عن الإصابةِ به تُعدّ مرتفعةً، ممّا يضعُ الأطبّاءَ والباحثينَ تحتَ ضغطٍ كبيرٍ في محاولةٍ للبحثِ عن أيّ دليلٍ يساعدُ على الحدّ من هذهِ النِسب المُرتفعة.

وبناءً على هذهِ المعطيات، قام الباحثونَ في معهدِ "كليفيلاند كلينيك" الجيني الطّبي بدراسةِ الجراثيمِ الموجودةِ في الثدي، ومقارنتها مع تلكَ الموجودةِ في حالِ الإصابةِ بسرطانِ الثدي، فلاحظوا انخفاضاً في أعدادِ الجراثيمِ من النوعِ ميثيلوباكتيريوم Methylobacterium عندَ المصاباتِ بسرطانِ الثدي.

ولكن، ما الفائدةُ التي نرجوها من هذهِ المعلومات؟ وعلى ماذا يؤثّرُ ذلك؟

تؤثّرُ الجراثيمُ التي تعيشُ في الجسم، والتي تُعرفُ بمجموعِها بالمايكروبيوم microbiome، في العديدِ من الأمراض. وقد قامَ الباحثونَ بالعديدِ من الأبحاثِ على الجراثيمِ الموجودةِ في التجويفِ المعدي المعوي، والذي اعتُقِد أنّهُ يساهمُ بالإصابةِ بسرطانِ الثدي من خلالِ تعديلِ نسبةِ هرمونِ الأستروجين.

ولكن وبعدَ ملاحظةِ وجودِ microbiome خاصٍّ في أنسجةِ الثدي، كانَ لابدَّ من طرحِ تساؤلٍ هامٍّ حولَ إمكانيةِ مُساهمةِ هذهِ الجراثيم في الإصابةِ بسرطانِ الثدي.

ولهذا قامَ فريقُ البحثِ بالخطوةِ الأولى لفهمِ المحتوى الجرثومي في سرطانِ الثدي من خلالِ الكشفِ عن اختلافٍ جرثوميٍّ مميّزٍ بينَ نسيجِ الثدي السّليم والنسيجِ المُصاب. حيثُ تقولُ كاريس إنج Charis Eng  المؤلّفُ المشاركُ في الدّراسة، ورئيسُ معهد كليفيلاند كلينيك الجيني الطبّي: "تبعاً لمعرفتي، فإنَّ هذهِ هي الدّراسةُ الأُولى التي تقومُ بدراسةِ نسيجِ الثدي ومواقعَ بعيدةً في الجسم، كالفمِ والمجاري البولية، وذلكَ للكشفِ عن الاختلافاتِ الجرثوميّةِ في حالِ الإصابةِ بسرطانِ الثدي."

وتُضيف: " نأملُ بإيجادِ واسمٍ بيولوجيٍّ biomarker يساعدُ في تشخيصِ سرطانِ الثدي بشكلٍ أسرعَ وأسهل. كما ونأملُ بإمكانيةِ استخدامِ المايكروبيومكس microbiomics قبلَ تشكّلِ سرطانِ الثدي، وبالتالي منعَ تشكّلِهِ من خلالِ استخدامِ البروبيوتكس probiotics أو الصادّاتِ الحيوية."

تشيرُ الباحثةُ في هذا القولِ إلى محاولةِ استخدامِ التغيّرِ في التركيبِ الجرثومي لنسيجِ الثدي للتنبؤِ بالإصابةِ بسرطانِ الثدي قبل بَدْءِ تشكّلِه، ومحاولةِ منعِ استمرارِ هذا التغيّرِ من خلالِ إعطاءِ المريض مكمّلاتٍ تحتوي على جراثيمَ مُفيدة، أو كما تُعرف بالـ probiotics، أو منعِ بعضِ أنواعِ الجراثيمِ الضارّةِ من التأثيرِ على الثدي باستخدامِ المضاداتِ الحيويّة.

كيف تمَّ إجراءُ هذا البحث؟

قامَ الباحثونَ في هذا البحث، والذي نُشِرَ في الخامسِ من تشرينَ الأوّل لعامِ 2017 في مجلّةِ Oncotarget، بفحصِ نسيجِ الثدي عندَ 78 من المرضى الذينَ كانوا قد خَضعوا لعمليةِ استئصالِ الثدي نتيجةً للإصابةِ بسرطانٍ غازٍ، أو كجراحةٍ تجميليّةٍ اختياريّة. كما قاموا بفحصِ عيّناتٍ من الفمِ والبولِ وذلكَ لتحديدِ المحتوى الجرثوميّ لهذهِ المواقعِ البعيدةِ مِن الجسم.

ما هي النتائجُ التي توصّلوا إليها؟

بالإضافةِ إلى التغيّر في أعدادِ الميثيلوباكتيريوم Methylobacterium، وجدَ الباحثونَ ازدياداً في كميّاتِ الجراثيم إيجابيّةِ الغرام في عيّناتِ البولِ لمرضى السّرطان، بما في ذلكَ أعدادُ المكوّراتِ العنقوديّة Staphylococcus و Actinomyces. ولا بدّ من إجراءِ المزيدِ من الدراساتِ للتحرّي عن دورِ هذهِ الأحياءِ الدقيقة في سرطانِ الثدي.

يقولُ المؤلّفُ المشارِكُ ستيفان غروبيمير Stephen Grobymer: "إن تمكّنّا من مجمّعاتِ الجراثيمِ التي تتكوّنُ قبلَ تشكّلِ السّرطان، قد نتمكّنُ من جعلِ الوسطِ أقلّ مناسبةً لنموِّ السرطان، وندعمُ بذلكَ العلاجَ المستخدم. ورغمَ أنّ هذهِ النتيجةِ تحتاجُ لمزيدٍ من الدّراسات، إلّا أنَّ هذا العمل يُعدُّ خطوةً صلبةً في محاولةِ فهمِ الدورِ الهامِّ للتوازنِ الجرثومي في سرطانِ الثدي".

وتشيرُ هذهِ الدراسة إلى ضرورةِ دعمِ الأبحاثِ المستقبلية التي تعملُ على تطويرِ واستخدامِ المضادّاتِ الحيويّةِ النانوية nanoparticles التي تعملُ على الاستهدافِ المباشرِ للجراثيمِ التي تستوطنُ أنسجةَ الثدي قبلَ تشكّلِ السرطان.

وما تزالُ الأبحاثُ إلى الآن مستمرّةً، لتضعَ لبنةً جديدةً، في طريقِ الوصولِ لوسيلةٍ يتمُّ من خلالِها معرفةَ الخطواتِ السابقةِ لتشكّلِ الخلايا والنُسجِ السّرطانية، وبالتالي القدرةَ على منعِ تشكّلها والوقايةَ من المرض.

المصادر:

هنا

هنا

هنا