الطبيعة والعلوم البيئية > عمارة وأرض

آثار تاريخية تسقي سكّان الأردنّ!

استمع على ساوندكلاود 🎧

تعدُّ الأردنُ إحدى أكثرِ مناطقِ الأرض جفافاً، والحالُ في تفاقم؛ إذ تستمرُّ الآبار بالجفاف، والمياه الجوفيّةُ بالتلوّث، إضافةً إلى حدوث الكثير من التسرّبات في المياه الصّالحة للشرب، والأهمّ من ذلك كلّه هو التزايدُ السكّاني الهائل، فما بين عامي (2006 - 2016) ارتفعَ تعدادُ سكّان الأردن من 5.9 مليون نسمة حتّى 9.5 مليوناً، ويصاحبُ هذا التعدادَ السكّانيّ كميّةٌ قليلةٌ من المياه المتوفّرة للفرد والّتي تقلّ عن 150 متراً مكعّباً سنويّاً؛ أي 1/60 من الكميّة المتوفّرة للمواطن الأمريكيّ.

ومن المتوقّع أن تسوءَ الحالُ أكثرَ مع ازديادِ درجات الحرارة وانخفاض معدّلات الهطولاتِ المطريّة النّاتج عن التغيّر المناخيّ، لذلك بدأتِ الأردن أكبرَ مشاريعها المائيّةِ الهادفة لتطوير وتنمية هذا القطاع، إذ تُعدُّ الأردنُ من أكثر الدّول ملاءمةً للتجارب أيضاً، نظراً للتحدّيات البيئيّة والبنيويّة الّتي يمرّ بها قطّاع المياه فيها، فأيّة تجربةٍ تنجح في الأردن؛ يمكن استخدامها في أيّ مكان على الأرض فعليّاً.

أمّا تاريخيّاً فقد سعى الأردنيّون في سبيلِ حفظِ المياه، واستمرّت جهودُهم حتّى هذه الأيّام، فعلى سبيلِ المثال؛ تعهّدَ عمدةُ إحدى البلداتِ الأردنيّة بترميم كثيرٍ من خزّاناتِ المياهِ الأثريّة الّتي بناها العرب في بلدته في نهايةِ القرنِ الأوّلِ بعدَ الميلاد، والّتي خزّنتِ الكثيرَ من المياه المتسرّبةِ إليها وروَت شعوباً خلالَ مواسمِ الصّيف الجافّة عبرَ السنين، وقد حافظت شعوبُ مختلَفِ الحقباتِ التّاريخية على هذه الخزّانات لثمانمئةِ عامٍ لاحقة، حتّى هُجِرتِ البلدةُ في القرن التاسعِ الميلاديّ.

ويعتمدُ اليومَ كثيرٌ من سكّان المناطقِ المجاورةِ للبلدةِ على الآبار الجوفيّة المحفورة حديثاً، والّتي تُعطي مياهاً مالحةً في بعض الأحيان، لذلك عمل العلماء على ترميم أوّلِ خزّانٍ في تشرين الأوّل (نوفمبر) من عام 2015، ودخلَ الخزّان حيّز العمل وقتها أيضاً، ومن المتوقّع أنْ يُقدّمَ المشروع ما مقداره 10% من احتياجاتِ المياهِ لحوالي أربعةِ آلاف شخصٍ من القاطنين حول هذه الآثار.

وكما أسلفنا؛ تُعدُّ الأردنَ من أكثر الدول ملاءمةً لأبحاثِ المياه بسبب طبيعتها ودعمِ الحكومة لمشاريع المياه؛ ووجودِ كوادرَ تُدرَّبُ على استخدام تقنيّاتٍ متقدّمة في مشروع المياه الأردنيّ، إذ تعتمدُ هذه التّقنيّات على عدّةِ عواملَ منها النّموّ الحضَريُّ وأسعارُ المياه، لاتّخاذ إجراءاتٍ متعلّقةٍ بالبنى المائيّة التّحتيّة في المنطقة.

تُستخدمُ هذه المشاريعِ أيضاً العديدَ من التّقنيّات الاقتصاديّة والصّديقة للبيّئة كنماذجِ الرّيّ الّتي تستهلكُ نصفَ كميّة الطاقة الّتي تستهلكها الأنظمة العاديّة، وتستهلك كميّاتٍ قليلةً من المياه أيضاً، وجُرّبت هذه التّقنيّاتِ في بعض المناطق الزراعيّة الّتي استفادت منها، ممّا دفعَ الخبراءَ إلى تطوير نماذجَ جديدة منها تعملُ بالطاقةِ الشمسيّةِ لاستخدامها في الرّي.

ومن ناحيّةٍ أخرى؛ يتعاونُ مركز هيلمهولتز Helmholtz الألمانيّ لأبحاثِ البيئةِ مع الحكومة الأردنيّة ضمنَ إطارِ معالجةِ المياه لتجربة أدواتِ معالجةِ نفاياتٍ صغيرة قادرةٍ على زيادةِ كفاءةِ المعامل الكبرى وفعاليّتها.

إنّهُ لمنَ الجيّد أن نُرجِعَ فضلَ هذه التّقنيّات إلى الأنظمة المائيّةِ التّاريخيّةِ في الأردن، وعلى الرّغم من عدم قدرتها على تحمّل كاملِ الاحتياجِ الوطني لكنّها قادرةٌ على توفير مياه الرّي للمحاصيلِ الزّراعيّةِ على أقلِّ تقدير.

وإنْ دلّت تلكَ الأنظمةُ التّاريخيّة على شيء، فهي تدلُّ على تحمُّل الحضاراتِ القديمة لظروف المعيشة الصّعبة وتأقلُمها معها من خلال العملِ على إيجاد حلولٍ دائمة، وهو ما يعطينا أملاً بإمكانية تأقلُمنا ونجاحِ جهودنا في تطويرِ الحلول.

المصدر:

هنا

/p>