الطب > قصة قصيرة

علماء الفرح (السكري) - الجزء الثالث: مهمات صعبة (2)

استمع على ساوندكلاود 🎧

(9)

مشى الطبيب تميم مع الفتاة الغريبة في رواق ضيق في المشفى وهو يفكّر ما هو الشيء المهمّ الذي يجب أن يراه.. استقلّوا المصعد.. ثم نزلوا خمس طوابق تحت الأرض..

فُتِحَ بابُ المصعد؛ فرأى الطبيب مئاتِ المعدّات والصورِ والأجهزة القديمة وعشراتِ الباحثين يعملون ويجرِّبون و يحللون..

ثم أكملا المسيرَ حتى وَصَلا إلى غرفةٍ منعزلة في نهاية القاعة، وأدخلت الفتاة رمزاً سريّاً ثم فُتِحَ البابُ؛ فوجد الطبيب تميم أمامه صوراً وأوراق قديمة أطرافها مهترئة وبعضَ المعدّات الطبيّة التي يستخدمها في عمله.. أدرك أنّها أشياء تخصُّه وقد عثرَ عليها بشرُ المستقبلِ.. خرجت الفتاة من الغرفة وتركت الطبيبَ وحيداً ثم أغلقَتِ البابَ وقفلته..

رأى الطبيب جهازاً صغيراً وغريباً ثم أمسكه وأخذ يعاينه.. ويتساءلُ: ما هذا الجهاز؟! لقد رأيته قبلاً!!

في هذا الوقت كانت مركبتنا تعود بهدوءٍ إلى زمننا.. وكلٌّ منَّا يستلقي مُتعَباً على كرسيّه.. وفجأة هروَلَ كلبي الآلي (شيدو) نحوي وبدأ ينبحُ ويلتفُّ حولي..

نظرنا جميعاً نحوه بدهشةٍ.. وهو يقول:

-         صلني مع كليمة يا ورد .. صلني مع كليمة!!

أتت كليمة نحوي وبدأت أصلها بكلبي الآلي البدائي.. وهنا بدأت كليمة تحلل وتتحدّث إلينا:

-         إنّه يلتقط إشارات من المستقبل البعيد.. من جهاز اتّصالٍ خاصٍّ به!

سألها مانديلا: وما هي هذه الإشارات؟

كليمة: أنا أحاول أن أعرف.. إنّي بدأت أرى بصمة إبهام .. سأحلّلها فوراً

وبعد لحظاتٍ أجابتنا كليمة: إنّها بصمة الطبيب تميم .. قائد فريقنا!!

قفزنا من أماكننا.. وركضنا نحوها ونحن نصرخ فرحاً ونتساءل.. وسألْتُها بلهفةٍ:

-         أين هو؟ في أي زمان ومكان؟

أجابتني: على مهلكم .. إنّني أحاول أن ألتقط الإشارات وأحدّد المكان والزمان!!

جلسنا ننتظر بفارغ الصبر حتى أعطتنا كليمة المعلومات كافّة؛ ثم أرسلتها إلى مركز الرحلات عبر الزمن في المريخ؛ ثم اتصلت بنا الطبيبة لجين وقالت:

-         إنّ الزمن الذي يوجد فيه الطبيب تميم؛ بعيد جدّاً في المستقبل.. والرحلة إلى هناك خطيرة نوعاً ما.. لذلك ستعودون إلى زمننا حتّى نجهّزَ فريقاً للمهمّة..

جلسنا حزينين جداً.. وكلّنا يرجو أن يكون قائد فريقنا بخير.. وهنا خاطبني رحّالة:

-         يا ورد.. نحن نستطيع الذهاب إلى هناك..

أجبته بكل فضول: كيف؟!

رحّالة: لقد حللت الأمواج الغريبة الّتي شعرنا بها في دمشق.. وهي ذاتها التي أرسلتنا إلى الماضي السحيق .. ويمكنني الآن استخدامها بحيث نذهب إلى المستقبل البعيد بواسطتها.. ونستطيع التخفي بها دون أن يلاحظ وجودنا أحد.. سننقذ قائد فريقنا ونعيده إلى زمننا!!

قلت له: نعم سنذهب، نحن "علماء الفرح".. لقد آمن بنا الطبيب تميم.. آمن أنّنا نتفوّق على الجميع في صناعة الفرح.. يجب أن نفرحه.. يجب ان نعيده

جولي: هذا رائع!! هيّا صِلْ نفسَك بالمركبة مجدّداً يا رحالة.. وَلْننطلِقْ!!

مضينا عبر الأزمنة.. وعندما اقتربنا من المستقبل البعيد كانت المركبة ترتجُّ وتسير بصعوبة.. كأنَّ رياحاً عاتية تدفعها إلى الوراء.. ولكنّ جولي قادَتْها بطريقة بارعة حتّى وصلْنا إلى جانب الغرفة الّتي جلس فيها الطبيب تميم يتفحّصُ الأشياء.. ولكن كيف سنتّصل به فهو لا يرانا؟!

قال لنا رحَّالة: يجب أن يخرجَ أحدُنا إلى الغرفة ونجعلَ بوّابة المركبة مقابل باب الغرفة.. ثم يمشي مع الطبيب حتى يدخل داخل المركبة.. إنّها آمنة!! ولكن إذا جاء أحد أولئك الغرباء في الخارج إلى الغرفة فقد يمنعوكم من الحركة لذلك يجب أن نقومَ بذلك بسرعة..

وضعنا بوَّابة المركبة مقابلَ باب الغرفة.. وقلت لهم:

-         أنا سأخرج وأعيد قائد فريقنا!!

   قالت الطبيبة ريما: لا يا ورد.. أنا مَنْ سيخرج..

  نظرتُ إليها وقلْتُ: إنّها مهمّتي.. لقد تدرّبتُ على هذا؛ صحيحٌ أننا لم ننفِّذْ ذلكَ بعدُ؛ ولكن طالما أنّه يستطيع العيش في زمن آخر؛ فهذا يعني أنّني أستطيع.. أرجوكِ اسمحي لي!!

ردت الطبيبة ريما: حسناً يا ورد.. كُنْ حذِراً !!

فُتِحَ بابُ المركبة؛ وخرجت منها وعندما رآني الطبيب .. قفز من مكانه خائفاً، وصرخ:

-         ورد !! ما الذي تفعل هنا؟!

قلت له: أسرع.. يجب أن نعود إلى زمننا..

ردّ عليّ: إلى أين؟

أجبته وأجراس الإنذار بدأت تصدح في المكان: هيّا نركض نحو الحائط هنا.. مقابل الباب..

ركضنا معاً بينما كانت تلك الفتاة تحاول فتحَ الباب.. دخلْتُ إلى بوَّابة المركبة.. ثم عاد الطبيب تميم وأمسك أوراقاً مهترئة بيده .. وركض نحو البوابة مجدّداً.. والفتاة قفزت وحاولت إمساكه.. فمزّقت قميصه واستطاع الدخولَ.. ثم أغلقنا بوابة المركبة بسرعةٍ كبيرةٍ.. وركضَ الجميعُ نحوَنا فرحين يطمئنّون علينا .. وبينما نحن كذلك فرحين .. قالت الطبيبة ريما:

-         أين عمر؟!

ركضنا إلى غرفة عمر.. ووجدناهُ مستلقٍ على سريره مُتعَباً.. وبجانبه علبة شوكولا فارغة!!

أسرعَتْ الطبيبة ريما: أعطوني مقياس السكر بسرعة!! لا بدّ أنه أفرط في تناول الشوكولا وأهمل جرعته من الأنسولين فارتفع السكر إلى مستوى عالٍ جداً.

سألتها: وأين الخطر في ذلك؟؟

- عندما يصل السكر في دم المصابين إلى مستويات عالية دون وجود الأنسولين ستبحث الخلايا عن مصدر آخر للطاقة وهو الدسم، وينتج عن تحطيم الدسم مركَّبات سامة للجسم تُدعى "الأجسام الكيتونية" سيؤدي تراكمها في الجسد إلى التعب والإرهاق والإقياء والآلام البطنية.

لذلك يجب أن أعطيه جرعة أنسولين وكمية وافرة من السوائل حالاً لأساعد جسده على طرحها!!

خرجنا من غرفة صديقنا عمر.. ويانا تشعر بالحزن.. وابتعدَتْ عنَّا إلى زاوية الطعام في المركبة، وجلسَتْ وشبكت يديها على الطاولة، وحَنَتْ ظهرَها؛ ثم وضعت رأسَها فوقهما.

نظر الطبيب تميم إليها وقال: لا تحزني يا يانا!!.. إنه ليس خطأك.. الشوكولا موجودة في كل مكان؛ ولا مشكلة ستهتمّ الطبيبة ريما به.. وخلال وقت قصير سيتعافى مجدّداً

سألت بيانكا الطبيبَ: ولكنَّنا لا نعرف ماذا يجب أن يأكل أصدقاؤنا!!

ردّ الطبيب قائلاً: إنّ الحمية الغذائية مهمّة جدّاً إضافة إلى تنوّع الوجبات خلال اليوم.. وعلى عكس الاعتقاد الشّائع فليس هناك أغذية خاصّة بالسّكري؛ إنّ الغذاء الصحّي (المعتمد على الخضار والفواكه  ومنتجات الحبوب الكاملة) والذي ننصحُ به النّاسَ كافّةً هو الأساسُ في حمية مريض السكري، وهذا يعني أنّ العائلةَ كلَّها يُمكِنها المشاركةُ بهذا النّظام الصحي.

بيانكا: هذا جيّدٌ !!

الطبيب: نعم؛ لكن هناك بعضُ الخطط الغذائية التي يجب أن يتَّبعها المريض بالسكري؛ كَأَنْ تُحسَبَ الكربوهيدرات الموجودة في الوجبة بما يتناسبُ وجُرعة الأنسولين ونظام الحياة.

من الهامّ الابتعاد عن الوجبات السريعة و الدسم المشبعة .. وبالنسبة إلى الكبار عليهم الابتعاد عن التدخين والكحول للحفاظ على قيم طبيعية للسكر والوقاية من الاختلاطات.

بينما كان الطبيبُ تميم يشرحُ لنا عن الحمية الغذائية.. أخذنا واحداً تلو الآخر نغطُّ في نوم عميقٍ.. وفقط بيانكا كانت تحاول فتح عينيها بصعوبة.. ولا أعرفُ إن قاوَمَتِ النعاسَ أم نامت أيضاً بعدنا!!

(10)

مضى على عودتنا يومان.. فتحتُ حقيبتي وأخرجتُ الأوراق المهترئة الّتي جلبها معه الطبيب تميم من المستقبل.. إنّها كانت تحتوي على قصّتي هذه الّتي أخبركم إيّاها.. من المفترض أن أكتبها بعد عشرين عاماً.. ولكن من حسن حظّي أنّني حصلتُ عليها الآن..

لا.. لا.. سأخبّئها حتّى أصبح كبيراً وأكتبها؛ هذا ما قرّرته.. من الجميل أن ننتقل عبر الأزمنة.. ولكن الأجمل أن نعيش زمننا الحقيقي الذي نوجَدُ به.. فأنا أحبّ الكتابة جدّاً .. ولكن أحب أن أعبّر لكم بلغتي أنا.. بتفكيري أنا.. والبارحة كتبت قصيدة جميلة وقرأتُها لكلبي الآلي شيدو:

-         الشمس مثل الذهب ..

والوقت يتغيّر دائماً..

هناك طفل صغير يجلس تحت شجرة توت ..

قلت له:

لماذا لا تلعب معي؟!

قال: أنا مريض قليلاً

قلت له: حسناً.. أنا سأعلمك لعبة جميلة!!

……..

سألتُ شيدو: هل قصيدتي جميلة؟

فأجابني: يانا تحب الشوكولا جدّاً !!

أجبته: أعرف ذلك يا كلبي الجميل.. ولكنّني أسألك عن القصيدة:

فردّ مجدّداً: جولي تقود المركبة .. وبيانكا تحب الكلاب!!

شعرتُ بالغضب منه وكنتُ متعجّباً أنّه لا يذكر إلا أسماء الفتيات في مجموعتنا، مع أنّه كان البطل الذي دلّنا على زمان ومكان قائد فريقنا؛ حاولتُ معه مجدّداً لأتأكّد من صحّته الإلكترونية؛ وسألته:

-         أي نوع من الحيوانات أنت يا شيدو؟

فأجاب: أنا ديناصور!!

ملاحظة من الكاتب: (جولي؛ ورد؛ يانا) شخصيّات سوريّة حقيقيّة؛ ولكن منحنا جولي الجنسية الفرنسية في القصة فقط تكريماً للأصدقاء الفرنسيين الرائعين الذين تعهّدوا بترجمتها إلى اللغة الفرنسية.

الطبيبان تميم السليمان؛ ولجين الأسدي؛ والمهندسة ريما نعسان يعملون معنا بنشاطٍ كبير في موقعنا "الباحثون السوريون" وهم يستحقّون هذا التكريم لاهتمامهم الكبير بالعمل؛ وهم نموذجٌ لبقية الفريق المُجِدّ والمثابر.

دمتم بخير إلى القصة القادمة.

أجزاء قصة علماء الفرح

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا