الاقتصاد والعلوم الإدارية > الأسواق المالية

الحلقة الخامسة ـ المشتقّات الماليّة ـ عقود المبادلات

استمع على ساوندكلاود 🎧

عقودُ المشتقّاتِ هي عقودٌ ماليّةٌ تُستَخدَمُ لإدارةِ المخاطرِ، تُشتَقُّ قيمتُها من أصولٍ أخرى (كالأسهمِ والسّنداتِ الماليّةِ على سبيل المثال)، فهي عقودٌ تتحدَّدُ قيمتُها بناءً على قيمةِ الأصلِ محلِّ التّداول. لكن ليست كلُّ عقودِ إدارةِ المخاطرِ بهذا الشّكلِ، فثمَّةَ عقودٌ ذاتُ قيمةٍ بذاتِها كعقودِ المبادلات. ويرجعُ أصلُّ هذه العقودِ إلى سّبعينيّاتِ القرنِ الماضي، فابتُكِرَت في بريطانيا بغرضِ التَّحايُلِ على ضوابطِ صرفِ العملاتِ الأجنبيّةِ الّتي كانت مُطبَّقَةً في تلك الحقبةِ من الزَّمن. إذ قامت الحكومةُ بفرضِ ضرائبَ على صفقاتِ الصَّرفِ الّتي تتضمَّنُ الجُنيهَ البريطانيَّ وذلك بهدفِ الحدِّ من خروجِ رؤوسِ الأموال خارجَ بريطانيا، ما يعني زيادةَ حجمِ الاستثماراتِ الدّاخليّةِ.

وعقودُ المبادلاتِ في صورتِها البسيطةِ هي عقودٌ لمبادلةِ دَينٍ بدَينٍ، إذ يكونُ هناكَ اتّفاقٌ بين طرفينِ في بلدَينِ مختلفَينِ، يملكُ كلٌّ منهما قرضًا مقوّمًا بعملةِ مختلفةٍ عن القرضِ الّذي بحوزةِ الطّرفِ الآخر، وفي نفس الوقتِ كِلا الطّرفينِ بحاجةٍ للقرضِ الّذي بحوزَةِ الطّرفِ الثّاني وذلكَ لحاجتِهما للعملةِ الأجنبيّةِ، وهذا يدفع كِلا الّطرفينِ لتبادلِ القروضِ فيما بينهما ممّا يساعدهُما على تلافي دفعِ عمولاتِ الصّرافةِ.

أُبرِمَ أوّلُ عقدِ مبادلاتٍ عامَ 1981 بينَ البنكِ الدَّوليِّ وشركةِ IBM الأمريكيّةِ، حينَها كانَ البنكُ الدَّوليُّ بحاجةٍ إلى كلٍّ منَ الماركِ الألمانيِّ، والفرَنكِ الفرنسيِّ لتمويلِ بعضِ نشاطاتِه، بينما كانَ لدى شركةِ IBM قروضًا ضخمةً من كلٍّ من العملتَين، لكنّها كانت بحاجةٍ للحصولِ على الدّولاراتِ الأمريكيّةِ الّتي بحوزةِ البنكِ الدَّوليِّ وذلك بعدَ ارتفاعِ أسعارِ الفائدةِ على قروضِ الشّركاتِ. أدّى هذا لابتكارِ آليّةٍ يمكنُ من خلالها تبادلُ دينَينِ بعملَتَينِ مُختَلفتينِ بين طَرفي العقدِ من قَبَلِ أحدِ بنوكِ وول ستريت Salomon brother ، ساعدت هذه الآليّةُ كِلَا الطّرفَينِ على تحقيقِ ما أرادَاه. وجديرٌ بالذِّكرِ أنَّ سوقَ عقودِ المبادلاتِ قد اتَّسعت فيما بعد حتّى وصلَ حجم التّداولاتِ إلى ترليوناتِ الدّولاراتِ.

هذا ولا تنحصرُ عقودُ المبادلاتِ بمبادلةِ القروضِ بهدفِ تخطِّي دفعِ رسومِ مُصارفَةِ العملاتِ الأجنبيّةِ، وإنَّما تعدَّتها إلى تبادلِ أسعارِ الفائدةِ بهدفِ تلافي خطرِ تقلُّباتِها. إنَّ عقودَ مبادلةِ أسعارِ الفائدةِ تصلحُ لطَرَفَي العقدِ سواءً كانوا مُقرضِين أو مُقتَرِضِين، ولتبسيطِ الفكرةِ سنطرحُ مثالًا على صعيدِ المُقرِضِين.

لنفرض أنَّ هناك بنكَين، أعطى الأوّلُ أحدَ عملائِه قرضًا بفائدةٍ مُتغيِّرَةٍ، بينما قدّمَ الثّاني قرضًا بفائدةٍ ثابتةٍ لأحدِ عملائه. لكنَّ البنكَ ذي الفائدةِ الثّابتةِ يتوقَّعُ ارتفاعًا في أسعارِ الفائدةِ في المستقبلِ لهذا فإنَّه يبحثُ عن آليّةٍ يتمكَّنُ من خلالِها بتحويلِ الفائدةِ من ثابتةٍ إلى مُتغيّرةٍ حتّى يتَحصَّلَ على المزيدِ من الفوائدِ (لكن في حالِ لم تصدُقْ تنبّؤاتِهِ وانخفضت أسعارُ الفائدةِ فعليهِ دفعُ الفائدةِ المرتفعةِ للبنكِ الآخر الّذي جَرَت معه عمليّةُ مبادلةِ الفائدة). أمّا البنكُ صاحبُ القرضِ ذي الفائدةِ المتغيّرةِ فإنَّه يتوقَّع انخفاضًا في سعرِ الفائدة، لهذا فهو يُفضِّلُ استبدالَ الفائدةِ المتغيّرةِ بفائدةٍ ثابتةٍ حتّى لا يخسرَ في حالِ انخفاضِ الفائدةِ (لكن  في حال كانت تنبُّؤاتِه خاطئةً، وارتفعت أسعارُ الفائدةِ، فسيكونُ قد خَسرِ الفائدةَ المرتفعةَ الّتي كانَ من المُفترَضِ أن يتحصَّلَ عليها). يجب التأكيد على حقيقةٍ مهمَّةٍ مفادُها أنَّهُ وفي بعضِ الحالاتِ، خاصّةً عندما تكونُ الخسارةُ كبيرةً، قد يتعرَّضُ أحدُ االطّرفَينِ لخطرِ تخلُّفِ الطَّرفِ الثّاني عن الوفاءِ باِلتزاماتِه، (في المثالِ السّابقِ، قد يتعثَّرُ الطَّرفُ الّذي استبدلَ الفائدةَ الثّابتةَ بفائدةٍ متغيّرةٍ عن أداءِ اِلتزاماتِه، إذ أنَّه اعتَقَدَ أنَّ سعرَ الفائدةِ المُتغيِّرةِ سيرتفعُ لكنَّه انخفضَ، ممَّا جعلَهُ يدفع الفَرقَ للطَّرفِ الآخر).

تجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ عقودَ المبادلاتِ كانت قد برزَت كلاعبٍ أساسيٍّ خلالَ الأزمةِ الماليّةِ العالميّةِ عام 2008، ويُعتَقَدُ أنَّها لعبت دورًا كبيرًا في الأزمةِ  آنذاك من خلالِ عقودِ مبادلةِ مَخاطرِ الائتِمانِ Credit Default Swap  والّتي تستندُ فكرتُها على بيعِ مخاطرِ تعثُّرِ المُقترضِينَ لطرفٍ ثالثٍ مقابلَ مبلغٍ من المال، بالتّالي يُسَدِّدُ الطَّرفُ الثَّالثُ القرضَ للمُقرِضِ في حالةِ تعثُّرِ المُقتَرِضِ عن أداءِ ديونه. إنَّ ما حدثَ خلالَ الأزمةِ الماليّةِ العالميّةِ، هو أنَّ الكثيرَ من المُقترِضينَ تعثَّروا عن سدادِ قروضِهم، ما جعلَ العبءَ كبيرًا على شركاتِ التّأمينِ والأطرافِ المعنيّةِ بالسّدادِ ممّا أدّى لتعثُّرِها أيضًا.

ماهي قصةُ الأزمةِ الماليّةِ العالميّةِ؟ كيف بدأت؟ من كان وراءها؟ وأسئلةٌ أخرى نجيبُ عنها في الحلقةِ الأخيرةِ من سلسلةِ المشتقّاتِ الماليّةِ.

المصادر: 

1- هنا 

2- هنا 

3- هنا 

4- هنا 

5- هنا