البيولوجيا والتطوّر > منوعات بيولوجية

إذا كنت ذكياً فعليك دفعَ ضريبةِ ذكائكَ!

استمع على ساوندكلاود 🎧

يَقول فيودور دوستويفسكي فِي رِوايَتِه (رَسائل مِن أعماقِ الأرض): "الذكاءُ مُشكلة، والتفكيرُ مَرض، وشدّة الإدراكِ لعنةٌ حَقيقية"، لكن لِنَبتَعدْ قليلاً عن سَوداويّة دوستويفسكي وَنطرحِ السؤالَ الآتي: هل يُعدُّ الذكاءُ -حقيقةً- لعنةً تُنغّصُ عَلى الذَكي حَياتَه فَيتَمنّى لو كانَ أغبى مِن أنْ يُلاحِظَ ما يُحيط ُبه من مُشكلات؟ أم هو نِعمةٌ تُساعِدُ صاحِبَها على تَخطّي ما يُصادِفُهُ من عَراقيل؟!

يبدو أنَّ الباحثيّنَ مِن جامِعةِ (Pitzer) في كاليفورنيا وَجدوا الجَوابَ عن هذا التَساؤل، إذ أجروا دِراسة إحصائية عن طَريق إنشاء استِبياناتٍ لِلمُقارَنة بينَ أعضاءٍ مِن مُنظمةِ Mensa (مُنظمة مؤلفة مِن أعضاءٍ ذَوي نسبة ذَكاء IQ أعلى مِن 132) ومجموعةٍ مِنَ الناسِ العاديين (نِسبةُ ذَكاء IQ نحو 100) وهي نسبة المتوسط العام العالمي للذكاء المترافق مع العديد من الأمراض، وغطَّى الاستِبيانُ عَدداً مِن الاضطراباتِ والأمراض النَفسيّة والعصَبية، كالاكتِئاب واضطِراب المَزاج ثنائي القُطب Bipolar disorder والوسواس القَهري OCD واضطراب القَلق العام والقَلق الاجتِماعي واضطِراب نَقص الانتباه ADD وحالاتِ التَوحد، وإلى جانب الاضطِرابات النَفسيّة، غُطِّيَ عَددٌ مِنَ الاضطِرابات الجَسَديّة (الفيزيولوجية) كَحالات الحَساسية والربو وأمراض المَناعة الذاتيّة.

وقد عُبِّئَ الاستبيانُ مِنْ قِبل 3715 عُضواً مِنْ أعضاءِ Mensa، وَوجدَ الباحِثون أَن اضطِرابات التَوتر والقَلَق واضطِرابات المَزاج كانَت أكبر بَيّن المُشارِكين المرتفعي نِسبةِ الذَكاء بِالمُقارنة مع الأشخاص المُتَوسّطي نِسبة الذَكاء، إذ كانَت نِسبة اضطِرابات المَزاج قرابةَ 26% بين أعضاء Mensa، وكانت اضطِراباتُ القَلق والتوتُّر بنسبة 20%، وتُعَدُّ النِسبَتان عاليَتَين مُقارَنةً مَع مُتوسّط وجودِ هذهِ الاضطِرابات عند الأشخاص المُتَوسِطي الذَكاء، والتي كانت نحو %10 لِكُلٍّ من نَوعَي الاضطِرابات الآنفِ ذكرهما.

وأمّا فيما يَتعلَّقُ بِالاضطِرابات الفيزيولوجية كَحالات الحَساسيّة Allergies، فَقد وجَدَ الباحثون أنَّ %33 مِنَ الأشخاصِ ذَوي نِسبة الذَّكاء العالية يُعانونَ مِن الحساسيّة، وَيُعَدُّ مُعَدّل هذه الاضطِراباتِ بينَ الأشخاصِ المُتَوسّطي الذَّكاء 11%.

ولكن؛ كيفَ يُمكنُ تفسيرُ هذه النَتائج؟ ولماذا يُعَدُّ الذَكيُّ أكثَرَ عُرضةً لِهذه الأمراض؟

فَسّرَ الباحثون القائمون على الدِّراسة هذه النَّتائجَ وِفقَ نَظَرية (الدِماغُ الخارِق/الجِسمُ الخارِق) hyper brain/hyper body theory، وَتَنُصُّ هذه النظرية على وجود حالةٍ من التَّنبيه أو الحَسَاسية النَفّسية وَالفيزيولوجية الزائدة فِي حالةِ الأشخاص ذوي نِسَب الذَكاء المُرتَفِعة.

وَذُكِرَ مُصطَلَح التَّنبيه أو الحَساسية الزائدة overexcitability أوَّلَ مرَّةٍ مِن قِبَلِ عالم النفس البولندي Kazimierz Dabrowski في عام 1960، وعَرَّفهُ دابروفسكي على أنَّهُ رَدُّ فِعلٍ قَويٌّ مِن قِبَلِ الفَرد على المنَبِّهاتِ القادِمة من الوسط المُحيط.

وَتأخذُ زِيادةُ التَّنبيه أو الحَساسيةُ النفسيّةُ Psychological overexcitability شَكلَ نَزعَات نَحو القَلق وَالتَوتُّر، في حين تَظهَرُ زِيادةُ التَّنبيهِ الجسَديّة (الفيزيولوجية) Physiological overexcitability كنتيجة لِزيادة التنبيه النفسي.

وَبِالطَبع يَوجد نَوعَا زِيادةِ تَنبيهٍ عِندَ الأشخاص العاديين، ولكن لُوحِظ وجود رابِطة أقوى بَينَ حالاتِ زِيادَة التَنبيه النفسي والجسدي عند الأشخاص الأذكياء، ومن ثمَّ فنظراً لوجود هذه الرابِطة القَويّة فإنَّ تَعرُّضَ الشخص الذكي للمشكِلات وَالضُغوطات يُمكِن أن يؤثّر تاُيراً أكبرَ على صِحته النفسية التي تؤثر - بالنتيجة - على صِحته الجَسَديّة.

وَأرجَعَت بعضُ الدِّراساتِ العلاقة بينَ ارتفاع نسبة الذَّكاءِ وَحُدوثِ الاضطِرابات النفسيّة وَالجسديّة إلى عوامِلَ وِراثية، إذ يُمكِن لِبعض المُورِّثات أن تَكون مَسؤولةً عَن ارتِفاع نِسبةِ الذِّكاء وحُدوثِ الاضطِراباتِ النفسيّة والجسديّة في آنٍ واحِد، وذُكِرَ هذا في دراسةٍ نُشِرَت فِي International Journal of Epidemiology عام 2015.

حاشية (1): تُعَدُّ مُنظَّمةُ (مِنسا) Mensa مُنظَّمةً غَير رِبحيّةٍ تَضُمُّ أكثَر مِن مِئةِ ألف عُضو مِن الأشخاصِ عاليي الذَّكاء، وقد أُسِّسَت في المملكةِ المُتَّحِدة مِنْ قِبَلِ كُلٍّ مِن Lancelot Ware و Berrill َRoland في عام 1946.

المصادر:

هنا

هنا#

هنا

هنا