الطب > قصة قصيرة

علماء الفرح (السكري) - الجزء الثالث: مهمات صعبة

استمع على ساوندكلاود 🎧

(7)

طرقَت قطراتُ المطرِ على نافذةِ غرفة الطبيب تميم.. ففتح عينَيه ونظرَ من النَّافذة إلى السماء المُلبَّدة بالغيوم.. وأخذَ يشعرُ بالقلق لأنّه منذ يومَين يجلسُ في تلك الغرفة دونَ أن يحدِّثَه أحدٌ.. وهو فقط تعلَّمَ بضعَ كلماتٍ من تلك اللغة العجيبة التي يتحدّث بها البشر في المستقبل.. إنّها تقوم على الهمهمة بطرقٍ معيّنة دون أن تحتاج لتحريك شفتيك.

أدرك الطبيب تميم أن رئتي الإنسان في ذلك الزمن قد أصبحت أقوى جدّاً حتّى تمكّنوا من التحدّث هكذا.. فهم يغلقون فمهم ويدفعون الهواء في الحنجرة بتنهيداتٍ بسيطة ومعقّدة.. إنّها لغة المستقبل.. فحتى إن كُنتَ تأكل فذلك لن يمنعكَ من التحدُّث.. إنّه أمرٌ جيّدٌ لمن يحبّون الثرثرة!!

وبعد قليل وبينما كان يجلس في قاعةٍ مجاورة.. جاء إليه الرجل العجوز مع ثلاثة رجال وامرأتين من بشر المستقبل.. وسلّم عليه؛ ثمّ قال:

-         سنذهب معاً لزيارة بعض المرضى هنا.. إنّهم يعانون من مرض السكري الجديد..

ردّ الطبيب بهدوءٍ:

-         نعم فلنذهب !! إنّه عملي الإنساني..

طوال الطريق إلى المشفى كان الطبيب تميم يفكّر بطريقةٍ للتواصل مع مركز الرحلات عبر الزمن ليتمكّن من العودة بينما يتأمل الأبنية الجديدة وأشكال السيارات والطرقات في أرض المستقبل.

عندما وصلوا إلى المستشفى .. لم يكن المرضى ينامون على أسرّة كما توقع الطبيب تميم .. بل يجلسون معاً في قاعة اختبار كبيرة دون أن تبدو عليهم علائمُ المرض.. أعطاهُ أحدُ أطباء المشفى بعض الأوراق باللغة الفرنسية عن حالتهم.. ثم شغَّل شاشةً كبيرةً ليعرِضَ له أصلَ المشكلة.. وهنا كانت الصدمة!!

لقد لاحظ الطبيب أن شكل البنكرياس لدى بشر المستقبل مختلف جدّاً .. ومساحة جزر لانغرهانس فيه أقل بكثير.. ولكنّه لاحظ وجود عضو آخر لم يتعوّد أن يراه في أجسامنا؛ إنّهم يطلقون عليه اسم "المنظّم الثالث" وهو يشبه حبّة الجوز ولونه أخضر داكنٌ.. وبدأ يقرأ في الأوراق:

-         المنظم الثالث: هو العضو المسؤول عن إصلاح الخلل في الأجهزة الهضمية.. وهو يفرز هرموناً داعماً للأنسولين يمنع مقاومة الخلايا له.. كما يساعد البنكرياس على إصلاح ذاته إذا توقف عن إنتاج الأنسولين!!

قال الطبيب تميم للباحث العجوز جورج:

-         إنّ هذا العضو الجديد في أجسامهم.. يشبه مضخات الأنسولين الّتي اخترعناها ونحن نصلها بأجساد مرضى السكّري لتراقب مستوى السكر في دمهم على مدار الساعة وتضبطه من خلال إمدادهم بالقدر اللازم من الأنسولين!!

أجاب الباحث جورج:

-         نعم.. إنّه أمرٌ غريب.. كيف تطوّرت أجسامهم بهذه الطريقة.. إنّ بشر المستقبل يملكون أجساماً أقوى منّا بكثير.. وأشدَّ تعقيداً !!

ردّ الطبيب تميم:

-         حسناً سأدرس هذه الحالات.. وأحاول أن أعطيهم كل المعلومات التي وصلنا إليها في معالجة مرض السكّري.. ولكن هل سأعود إلى زمني؟!

حين سأل الطبيب سؤاله هذا.. نظرت إليه الفتاة الّتي رآها أوّل مرّة.. ثم همهمت له:

- يجب أن ترى شيئاً مهمّاً!!   

(8)

أصبحت الأصوات خارج مركبتنا أعلى في ذلك الصباح.. وأفقنا مسرعين ننظر إلى الخارج فرأينا مئات الديناصورات تتجوّل حولنا.. وبعد قليل من المشاهدة لاحظنا أن أصوات الطرق تلك صادرة عن أسنانها !!

وهنا نظر إلينا زوانغ، وقال:

-         أعتقد أنّها وسيلتها للتواصل مع بعضها.. فهذه المخلوقات ليس لها أصوات.. ولا حنجرة.. وهي أجداد الطيور التي نعرفها اليوم.. فإن كانت الطيور اليوم تصدر صفيراً كي تتواصل مع بعضها .. فالديناصورات ربّما تتحدث مع بعضها بطرق أسنانها ببعض؛ لا أعرف حقّاً!!

قالت جولي: لقد قرأت عن ذلك.. ربما هي تلهو الآن مع بعضها.. لا نعرفُ إن كانت هذه وسيلة تواصلها بعدُ!!

مشيت نحو صديقي زوانغ؛ وفتحت يديّ عالياً؛ وقلت له:

-         الديناصورات العملاقة هذه..هي أجداد الطيور؟!  ماذا تقصد؟!

أجاب زوانغ: نعم.. فقد وجد العلماء تشابها كبيراً بينها وبين طيور اليوم بالشكل وبعض الصفات!!

بينما تجاذبنا أطراف الحديث حول الديناصورات كانت مركبتنا على وشك الامتلاء بالطاقة اللازمة للإقلاع.. وأخيراً تمكّنت كليمة من التقاط أوّل الإشارات من زمننا؛ وملأ الفرح قلوبنا؛ وبدأَتِ التحدُّثَ إلى الطبيبة لجين:

-         مرحبا أيتها الطبيبة.. ما الذي حدث لنا؟!

أجابت الطبيبة: هل أنتم جميعا بخير؟!

كليمة: نعم.. نحن بخير جميعاً.. ولكن ما الذي حدث؟ وكيف سنخرج من هنا؟

الطبيبة لجين: لقد اصطدمتم بأمواج غريبة لم نستطع تحديدها.. وقد دفعتكم إلى الماضي السحيق.. سنرسل لكم بياناتٍ تمكّنكم من الخروج كي تكملوا رحلتكم وتحصّنوا مركبتكم من الحوادث على الطرقات الزمنية.. ستذهبون الآن إلى العام 1921 ميلادي.. إلى كندا.

أخذت مركبتنا تستقبل البيانات.. وعندما أتمَّت استقبالها.. شغَّلت جولي المركبة وأقلَعَت بنا.. وابتعدنا نحو بوابات الزمن ونحن نلقي النظرات الأخيرة على الأرض القديمة ونلوّح بالوداع للديناصورات.. وما إنْ وصلْنَا إلى العام 1921.. مضت بنا المركبة إلى كندا.. إلى مدينة تورنتو في ذاك الوقت.

هبطت المركبة في أحد المزارع الكندية الّتي تتشرب أضواء الشمس الصيفية ألواناً تلاعب بعضها كالفراشات فوق السهول الواسعة.. هناك جلس شابٌّ في الثلاثين من عمره.. يضع نظاراتٍ طبية مدوّرة على وجهه.. ويمسك ريشةً في يده.. وأمامَهُ لوحةٌ يلوّنها بإتقان.. وهنا سألْتُ الطبيبةَ ريما:

-         من هذا الشخص؟

ابتسمت الطبيبة وقالت:

-         إنّك فضوليٌّ جدّاً يا ورد.. ولكن هذا حَسَنٌ.. كي نعرِفَ لا بُدَّ لنا أن نكون فضولييّن ونسأل دائماً.. فمفتاح المعرفة هو السؤال..

إنّه الطبيب الكندي فريدريك بانتنغ.. فلنشاهد:

" دخلت سيارة قديمة إلى المكان وترجّل منها شخصان أحدهما يبدو في الخمسين من عمره؛ والآخر شابٌ عشرينيّ.. ثم توجها مشياً على الأقدام صوب الطبيب بانتنغ.. وألقيا عليه التحية.. فوضع الريشة من يده وهو يرحب بهم.. فقال الرجل الخمسينيّ:

-         تبدو لوحة جميلة.. دعني أقدّم لك تشارلز بست.. أحد طلابي في جامعة تورنتو.

مدّ الطبيبُ بانتنغ يدَه نحو تشارلز، وقال له:

-         أهلاً بك.. لقد أخبرني الأستاذ مكليود عنك.. أرجو أن يكون عملنا مثمراً !!

تشارلز: أنا سعيدٌ جدّاً بلقائك.. لقد قمْتَ بعملٍ عظيمٍ أيّها الطبيب الكريم.. إنّك ستخلّص ملايين المرضى من آلامهم..

بانتنغ: أرجو ذلك حقّاً ..

تشارلز: كيف استطعتَ أن تعزل الأنسولين في بنكرياس الحيوانات وتستخرجه؟

بانتنغ: لم أتمكّن من إتمام عملي بعدُ.. سنعمل على ذلك معاً، لقد قرأت عدّة مقالات عن البنكرياس وهرمون الأنسولين الذي يفرزه.. وفكّرتُ طويلاً كيف يمكن أن نستخلص الهرمون من البنكرياس ونساعد مرضى السكّري على الشفاء!!

تشارلز: هذا تفكير رائع!!

بانتنغ: يعدُّ عزل الأنسولين أمراً صعباً؛ لأنّه هرمونٌ بروتينيّ يتحطّمُ بفعل الأنزيمات الهاضمة للبنكرياس نفسه؛ لقد قرأتُ مقالاً للطبيب موسيس بارون عن إغلاق قناةِ البنكرياس بضمادٍ ممّا يؤدّي إلى تخريبِ الجزر التي تفرز الأنزيم الهاضم (التربسين).. وهكذا تبقى جزر لانغرهانس التي تفرز الأنسولين سليمةً.. وهكذا يمكن استخراجه!!

تشارلز: إنّها فكرة عظيمة.. سنبدأ العمل معاً في جامعة تورنتو لننقذ ملايين المرضى حول العالم!!

بانتنغ: أرجو ذلك."

ربّما لم نفهم جيّداً كيف استخرجَا الأنسولين من بنكرياس الحيوانات لإنقاذ المرضى.. ولكن أدركنا كم هو شيء عظيم أن تنقذ الناس.. إنّ الوصول إلى استخراج الأنسولين كان جزءاً من رحلة طويلة لآلاف الأطباء عبر العصور.. منهم من شخّص المرض.. ومنهم من حاول فهمه وعلاجه حتى أصبحنا في عصرٍ يمكننا فيه القضاء على كل آثاره السيّئة..

تحرّكت مركبتنا نحو بوابات الزمن وأخبرتنا الطبيبة ريما.. أن الطبيب بانتنغ نال جائزة نوبل للطب في العام ذاته؛ وقد أعطى الطالب تشارلز نصفها لأنّه عمل معه على استخراج الأنسولين.

لقاؤنا غداً مع الجزء السابع والأخير..

أجزاء قصة علماء الفرح

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا