الطب > قصة قصيرة

علماء الفرح (السكري) - الجزء الثاني: أزمنة غير متوقَّعة (2)

استمع على ساوندكلاود 🎧

(6)

ها هي الطبيبة ريما تقيس مستوى السكّر لأصدقائنا عمر وخولة وأحمد؛ وقد هبط المساء في الخارج، ونحن نحضّر طعام العشاء.. جلسنا معاً إلى الطاولة، ورفعنا الستائر الحديدية للمركبة لنتمكّن من مراقبة النجوم المتوهجة في السماء.. وكان غريباً أنّنا لم نسمع سوى صوت الرياح في الخارج.. نظرْتُ إلى أصدقائي وقلْتُ:

-         لقد فشلنا في العودة.. وهذا ليس أمراً عظيماً.. إنّنا من الممكن أن نفشلَ كلَّ يومٍ.. ولكنْ لا ُبدَّ لنا من المحاولة دائماً كي نستطيع الوصول إلى النجاح..

فهذا كلبي الآلي الذي صنعته.. ما زال لا يعمل على نحو جيّد.. ولكنّني أصلح الأخطاء فيه كل يوم حتّى أصلَ إلى هدفي!!

أخرجَتْ يانا قطعة شوكولا من جيبها؛ ثم بدأت تتناولُها وقالت:

-         هذا صحيحٌ يا ورد.. علينا أن نحاولَ كلَّ يومٍ حتّى ننجحَ.. ولكنْ أريدُ أن أسألَ أصدقاءنا الجدد كيف يتعاملون مع مرضهم؟ وما هي المواقفُ الصَّعبةُ التي مَرُّوا بها؟

ابتسمت الطبيبة ريما؛ وقالت:

-         إن أصدقاءكم لا يخجلون أبداً من الحديث عن مرضهم، بل على العكس لقد واجهوا بعض الصعوبات، وهم الآن يعرفون كيف يتعايشون مع مرضهم..

هم يدركون أنّهم سوف يتعافون من هذا المرض تماماً مع تقدم العلم؛ وبمحاولاتنا الدائمة أن نصل إلى العلاج الأفضل!! سأبدأ معك يا أحمد.. أخبِرْنا عن مرضك.. وما هي الصُّعوبات التي واجهَتكَ؟!

"أحمد: حسناً.. أذكرُ أنّني كنت في مخيّم صيفي للمدرسة عندما بدأتُ أشعرُ أنّني لست على ما يرام.. في البداية كنت أعطش قليلاً مع بعض التعب والوهن.. وعندما عدتُ إلى المنزل بدأت الأعراض تزداد.. حتّى أخذني أبي إلى الطبيب.. لم أفهم أوّلاً ما هو مرض السكّري.. ولكنّني كنت حزيناً وشعرت أنّ حياتي ستتغيّر تماماً!!

جولي: وكيف تعاملَ والداكَ مع الأمر؟!

أحمد: لقد لمحتُ أمّي تبكي عدّة مرّاتٍ، وعندما كنت أقترب منها كانت تمسحُ دموعَها بسرعةٍ .. وتتظاهرُ أنَّها سعيدةٌ.. وتبتسمُ.

لقد أخافَني الأمرُ قليلاً.. واعتقدتُ أنّ مرضي خطيرٌ جدّاً.. وكنتُ أسألُ أبي وأمي دائماً وكان جوابُهما الوحيدُ أنّني يجبُ أن ألتزمَ بالعلاج وأنتبهَ إلى صحّتي وغذائي دائماً.. وأنْ أحملَ في جيبي بعض السكاكر!!

يانا: ولماذا يجب أن تحمل بعض السكاكر؟!

أحمد: سأشرحُ لكَ.. إنَّ مرضَنا هوَ من النمطِ الأوّل.. وهذا يعني أنَّ البنكرياس لدينا قد توقف عن إنتاجِ الأنسولين.

بيانكا: وما هو الأنسولين؟!

أحمد: إنّه هرمونٌ في الجسم يسمح بدخول السكاكر أو ما يسمّى "الغلوكوز" إلى الخلايا كي يمنحها الطاقة!! كما تفعلُ الألواح الشمسية والحرارية في مركبتنا فهي تستقبلُ الحرارةَ والضوء وتحوُّلها إلى طاقة..

دون الأنسولين لا يمكن للسكاكر أن تدخل إلى الخلايا.. لذلك نشعر بالتعب والضعف لفقدانهِ.. ويزداد السكر في الدم ممّا يجعلنا نحتاج إلى طرحه دائماً مع البول..

نظرتُ إلى الطبيبة ريما وقلت:

-         إذاً فالمشكلة تبدأُ في البنكرياس !!

أجابتني: نعم يا ورد.. في النمط الأوّل.. هنا تبدأ المشكلة عندما يتوقف البنكرياس عن إفراز الأنسولين.. إذا افترضنا أن الخلية هي بيت صغير.. فإن الأنسولين يملك مفتاح هذا البيت كي نستطيع فتحه والسماح للسكاكر بالدخول إليه !!

وهنا سألتُها: ولماذا عليه أن يحملَ السكاكر؟

الطبيبة ريما: أحياناً يمكن أن يحدثُ بالخطأ زيادةٌ ما في جرعة الأنسولين التي يأخذها.. أو ينسى المريضُ أن يتناولَ وجبة طعام بعد جرعة الأنسولين.. فينخفضُ السُّكَّرُ كثيراً في الدم.. ولذلك فعليه أن يعوّض السكر فوراً.. أما ما حدث مع أحمد ذات يومٍ في المدرسة فقد كانَ لِسببٍ آخرَ!!

قال أحمد: نعم، إنّ هذا الانخفاض في كمية السكر في الدم نسمّيه نوبة نقص السكر.. وهذا ما حدث معي..

ففي حصة الرياضة بذلتُ جهداً كبيراً.. وفجأةً بدأت أشعر بالدوار.. ولا أرى جيّداً.. وبدأ جسمي يتعرّق كثيراً.. ولقد خاف أصدقائي جدّاً؛ وهَرَعوا إلى الممرّضة.. بينما أخرجْتُ من جيبي حبّةَ دواءٍ تحتوي على السكر وتناولْتُها فوراً حتّى جاءت الممرّضة وأخذت تعتني بي!!

يانا: وماذا حدث بعد ذلك؟!

أحمد: في اليوم التالي.. بدأت أشعرُ أنّني مختلفٌ عن أصدقائي.. وهم كانوا ينظرون إليّ باستغراب.. وهم لا يعرفون جيّداً عن مرضي.. فطلبتُ من المعلّمة في حصة العلوم أن تسمح لي بالحديث عن مرضي لزملائي في الصف.. وبعد أن عرفوا هذا أصبحوا أقرب إليّ ويهتمّون بي أكثر.. ولا يسمحون لي بأن أبذلَ جهداً زائداً.. بل إنّ أحد أصدقائي يحاول دائماً أن يلعب معي بهدوء عندما نلعب الريشة الطائرة.. وأنا أحبهم جدّاً.. ولا أشعر أنّني مختلف عنهم الآن.

مانديلا: هذا رائع.. فعلاً إنّك لستَ مختلفاً عنّا.. وها أنت تحدّثنا عن مرضك بكل قوّة وذكاء.. إنّك ذكيّ جدّاً يا صديقي!!

ابتسم أحمد ابتسامة عريضة؛ وقال: شكراً لك يا صديقي!!

نهضت الطبيبة ريما عن كرسيّها وجلست بجانب خولة.. ثم وضعت يدَهَا على كتِفها بكلِّ حنانٍ وقالت: وأنتِ يا خولةُ.. أخبرِي أصدقاءَكِ.. ما هو أصعب موقفٍ مررْتِ به؟!

وشرعت خولة تتحدّث:

إنّ مشكلتي الكبرى كانت مع أمّي.. كانت حزينةً جدّاً بسبب مرضي.. وتسألني كثيراً إن تناولْتُ وجبتي في المدرسة أم لا؟ وأحياناً كنتُ أجيبها ثلاثَ مرّاتٍ بنعم؛ ثم تعودُ وتسألُني!! وعندما حلَّ الربيعُ الجميلُ في العام الماضي.. وأعلَنَتْ مدرستُنا عن رحلةٍ إلى ضفافِ نهر الفرات الرّائعة؛ لم تسمحْ ليَ أمّي بالذهاب!!

جولي: لماذا يا صديقتي؟!

خولة: إنّها تخاف كثيراً.. ودائماً تلاحقني وتسألني عن الدواء ووجبات الطعام.. وتطلب منّي ألّا أتناول الحلوى.. وأنا أعرف ما الذي يجب أن أفعل!! .. وحين رفضت أمّي أن أذهب مع أصدقائي.. ذهبتُ إلى فراشي وبدأتُ بالبكاءِ.. ثم خطر في بالي أن أتصل بالطبيبة ريما.

وهنا قالت الطبيبة ريما:

-         نعم.. لقد تصرَّفَتْ خولةُ تصرُّفاً صحيحاً.. فَبعد أن كلّمتْنيَ بالأمر؛ ذهبتُ إلى والدتها في اليوم التالي وأخبرْتُها أنّها ارتكبَتْ خطأ كبيراً بمنع خولة من الذهاب مع أصدقائها في الرحلة.. وما عليها إلا أن تطلب من ممرّضة المدرسة أن تهتمّ بها..

حينها وافقت والدة خولة على الرحلة.. ونادَتْها؛ وقالت لها: ستذهبين يا ابنتي مع زملائك إلى ضفاف نهر الفرات الخضراء الرائعة!!

بدا وجه عمر حزيناً جدّاً، وأطرقَ رأسَهُ في الأرض فجأةً، فقلت له:

-         ما بك يا عمر؟ لماذا أنت حزينٌ يا صديقي؟

بقي عمر صامتاً.. وبدأنا نطلبُ منه أن يتحدّث.. أفلَتت بيانكا كلبي (أورما) الذي هَروَلَ إلى عمر وقفز إلى حضنه وأخذ يلاعبه.. فابتسم عمر وهو يمسح يده على رأس كلبي ذي الوبر النّاعم؛ ثم قلت له:

-         يا صديقي!! إنَّ كلبي فضوليٌّ جدّاً ويريد أن يعرف لماذا أنت حزين.. إنّه لن يفهم ما تقول.. ولكن لا بأس!!

ضحكنا جميعاً.. وأخذ كلبي ينظر إليّ نظراتٍ غريبة.. وكأنه فهم ما قلته!!

ثم تحدّث عمر:

-         لقد تذكرت ذلك الولدَ الذي رأيناه في بخارى.. ذلك الولد المريض.. الذي ذهب إلى الطبيب ابن سينا.. لقد تمنّيتُ لو أنّني أستطيع التواصل معه لأعطيه الدواء.. أشعر الآن أكثر أنّني لستُ مريضاً أبداً.. فأنا أعيش مثل أصدقائي ومثلكم.. لأنّ لدي العلاج الجيّد لمرضي.. بينما ذاك الولد ليس لديه العلاج الكافي.. أرجو أن نعود إلى ذاك الزمن مجدّداً ونعطيه أدويتنا !!

أجابته الطبيبة ريما: لا تقلق يا عمر .. ربما هو لا يملك تلك الأدوية التي نستخدمها اليوم.. ولكنّ ابن سينا طبيب مبدعٌ وربّما سيتمكّن من علاجه!!

بعد أن أنهينا سهرتنا الجميلة.. مضى كلٌّ منّا إلى سريره.. وفي الصباح الباكر جدّاً.. أفقنا خائفين قليلاً.. فقد سمعنا أصوات طرقٍ غريبة جدّاً تأتي من خارج المركبة.

ما هي هذه الأصوات ياترى؟؟..

أجزاء قصة علماء الفرح

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا