الطب > قصة قصيرة

علماء الفرح (السكري) - الجزء الأوّل: أمواجٌ غريبة (2)

استمع على ساوندكلاود 🎧

(2)

عندما تمشي في أزقّة دمشق القديمة فأنت لا تحتاج إلى آلة زمن تنقلك عبر العصور.. كنتُ أمشي مع أصدقائي ورجالي الآليِّين بعضَنا خلف بعضٍ كعربات القطار في تلك الأزقّة، وأتنفَّسُ أحداثَ التاريخ العريق للمدينة في كلِّ زاوية، بل أحسستُ حتّى أنَّ الآلاتِ التي ترافقني بدأَتْ تختزنُ في ذواكرها ما لا يمكن فهمه من جمال وجلال.

حين وصلنا إلى البيت الدمشقي الذي نجتمع فيه فتحت لنا الطبيبة لجين الباب، ورحّبت بنا بابتسامةٍ تفيض بالحنان والثقة بنا، وهناك اجتمعنا بجانب البركة التي تنثر رذاذ الماء اللطيف، وأخذتُ أنظر إلى شجرة توتٍ معمّرة على يميني وحولها تعربش شجيرات الياسمين وإلى جانبها ثلاثُ شجرات ليمون.

تأمّلتُ الزَّخارفَ على أبواب الغرف.. خطوطٌ لانهائيّة من الفن الخلّاق.. وبينما أنا أنقلُ نظري في فناءِ البيت.. دخل الطبيب تميم ومعه صديقتنا جولي قادمَين من باريس؛ وألقيا التحيّة بكلّ ودٍّ؛ ثم حدّثنا الطبيبُ قائلاً:

-         أهلاً بكم أصدقائي الرائعين.. وأشكركم لمجيئِكم إلى هنا للمشاركة في هذه المهمّة العظيمة.. سأبدأ بتجهيز الشاشة الإلكترونية لِأشرحَ لكم.

 جهّز الطبيبانِ الشاشة الإلكترونية وعندما وضعَا الصورة الأولى معنونةً (مرض السّكّري) توقّفت الشاشة عن العمل فجأةً؛ وهنا نظرنا باستغراب، وقالت الطبيبة لجين:

-         ما الذي حدث؟ يبدو أنّ هناك خطأ تقنيّاً؟! هل يستطيع رجالك الآليون يا ورد تحديد المشكلة؟

نظرتُ إلى الرجل الآلي (رحّالة)، وقد كان متقدّماً جدّاً وبدأ برصد المكان ثم قال:

-         لا أستطيع أن أحدّد شيئاً.. أستطيع التقاط أمواجٍ راديو ضعيفة وقليلاً من الحرارة الغريبة في المكان.. وأعتقد أنّها زالت تماماً الآن.. شغّلوا الشاشة مجدّداً.

وبالفعل فقد ارتبكنا قليلاً في البداية.. ثمَّ بدأ قائد فريقنا بالحديثِ مع الصور المعروضة:

-         ليس مرضُ السكّري مرضاً جديداً.. وهو يصيبُ ملايين النّاس حول العالم.. ولا بدَّ أنّكم قد سمعتم به أو تعرفون شيئاً ما عنه.. لقد قمنا برحلاتٍ عديدة إلى الماضي والمستقبل لنعرف عن ظهور الأمراض.. ولكن كما تعرفون فنحن لا نستطيع البقاء في زمن آخر أكثر من سبع دقائق.. لأنّنا لم نصل بعدُ إلى تقنيّاتٍ أعلى تقدّماً.

ستسافرون في المركبة المتطورة "السندباد 4" إلى عدّة أزمنة برفقةِ ثلاثةِ أطفالٍ مَرضَى بالسكّري.. وهم أطفالٌ أذكياءُ مثلكم وسيفرحون جدّاً بالانضمام إليكم.

وبالنسبة إلى التعليمات فسوف تصلكم من مركز الرحلات عبر الزمن في المريخ.. وسوف تصفون لنا ما تشاهدونه في الأزمنة المختلفة.. وتلتقطون الصور.. وستكون "جولي" قائدة فريقكم؛ وكذلك فأنتم أوَّل أطفالٍ يتوجهون في هكذا رحلة ممتعة!

نظر زوانغ الصينيّ إلى أصدقائه؛ وقال: لا أعرف حقّاً.. ولكنّني أعتقدُ أنّها ستكون رحلة ممتعة!

هلّلَ الجميعُ فرَحاً.. ثمَّ سأل مانديلا الطبيب تميم:

-         أيّها الطبيب العزيز.. أنا لا أعرف كثيراً عن هذا المرض.. هل ستخبرنا عنه؟

الطبيب: نعم.. ولكن ستتعرَّفون عليه بالتدريج من خلال رحلاتكم.. ما هي أعراضه؟ وأين بدأ اكتشافه؟ وكيف تطوَّرَ علاجه؟ والأهمّ كيف يجب أن يتعامل المرضى والمجتمع معه؟

ثم نظر الطبيب تميم إلى الطبيبة لجين وقال لها:

-         من فضلك اطلبي من الأطفال الثلاثة القدوم إلى هنا لِنتعرّفَ عليهم.

ذهبَتِ الطبيبةُ لجينُ إلى إحدى الغِرف؛ ثمَّ عادت برفقة طبيبة أخرى اسمها ريما وهي متخصصة في علاج مرض السكّري.. ومعهما الأطفال الثلاثة.. عمر وأحمد وخولة.. ثم قالت لهم:

-         هؤلاء الباحثون الصِّغار سيكونون أصدقاءَكم الجدد في الرحلة الّتي أخبرناكم عنها.. وهم مجموعة من كل أنحاء العالم..

جولي قائدة الفريق هوايتها تكنولوجيا الآلات ورصد الأصوات، ويانا تحبُّ عالمَ الماء وهي المسؤولة عن التقاط الصور بقطتها الآلية المتطورة، وورد هو المكتشف الصغير صاحب المهام الدقيقة ومراقبة الظواهر ووصفها، وزوانغ مهتمٌّ بالأمراض وعلاجها، أمَّا مانديلا وأخته بيانكا فهما توءمان يحبّان الحياة البريّة؛ وهما مسؤولان عن دراسة البيئة والمناخ.

هرع الباحثون الصغار إلى  أصدقائهم الجُدد ورحّبوا فيهم بفرحٍ شديد ثم أخرجت يانا من حقيبتها قطع الشوكولا اللذيذة وأعطتها لهم، ولكن قالت لها الطبيبة ريما:

-         شكراً لك يا يانا.. ولكنَّ هذه الشوكولا قد تحتوي على السكاكر؛ لذلك فأصدقاؤك الجدد لا يستطيعون تناولَها.. ولكن لا بأس أن يتناولوا قطعة صغيرة جدّاً.

أحسّت يانا بالحزن.. ثمّ نظرَت إليهم؛ وقالت:

-         أنا أحبُّ الشوكولا.. ولكنّني لا أحبّ رقائق البطاطا المالحة.. ولا أتناولها.. وحياتي جميلةٌ جدّاً من دونها.. ولأنّني لا أتناولها فأنا أعدّها غير موجودة أصلاً!

لذلك لا تحزنوا .. أعتقد أن العالم سيكون أجمل لو كان خالياً من السكّر!!

ضحك الأطفال جميعاً.. ثم جلسوا مجدّداً.. وخاطبهم الطبيب تميم:

" - أحبائي الصغار .. نحن نعمل كل يوم.. ونسعى خلف أحلام مختلفة في حياتنا بحثاً عن السعادة لنا ولغيرنا.. ولأنّنا نحبُّ أن تكون الحياة أجمل .. لذلك فنحن نحبُّ أن نخلِّص غيرنا من كل مرضٍ أو ألمٍ أو حزنٍ حتّى نعيد السعادة إلى قلوب النّاس.

كلما اكتشفنا أشياء جديدة نحب أنفسنا وحياتنا أكثر .. ولكن نحن -الكبارَ- مهما فعلنا لا نستطيع أن نصنعَ الفرح مثلكم..

أنتم بهجة حياتنا.. وتستطيعون إدخالَ الفرح إلى قلوبنا بسهولةٍ.. بأحلامكم وأفكاركم وأعمالكم وكلماتكم غير المتوقعة.. أنتم تتفوَّقون علينا في صناعة الفرح.. لذلك سأسمّي مجموعتكم الجميلة هذه "علماء الفرح"..

أرجو لكم رحلة موفّقة .. انطلقوا إلى مركبة "السندباد 4" .. وستتابع معكم الطبيبة لجين كل خطوة!!"

فرح أصدقائي جدّاً بهذه الاسم الجميل .. بينما كنتُ أنظر إلى هذا الطبيب الرائع وأحفظ كلماته الجميلة في قلبي .. نعم نحن نستطيع أن نغيّر هذا العالم إلى عالم أجمل بالحب والعمل الخيّر.. لقد أحببتُ اسم مجموعتنا جدّاً.. "علماء الفرح"!!

خرج الطبيب تميم بعد أن ودّعنا عائداً إلى عمله في باريس .. ولكن توقَّفتِ الشاشة عن العمل مجدَّداً.. وبدأ رجلي الآلي يحاول رصدَ المكان..بينما جولي تتفحّص المعدّات.. وأخبرَتْنا أنَّ هناكَ أمواجاً غريبة تُوقِفُ عملَ الآلات البسيطة هنا..

بعد ساعة من الاستراحة.. عندما أردنا أن نتّصل بقائد فريق الأطباء الطبيب تميم لنطمئنّ أنّه وصل إلى المطار بخير.. وجدْنا أنّ هاتفه مغلق وسيّارته مركونة في الخارج ولم نعثر له على أثرٍ.. وأبلغْنا مركز الشرطة الكونية بالحادثة وجاؤوا لتفحص المكان.. وكل ما توصّلوا إليه هو أنّهم رصدوا في الوقت ذاته أمواجاً غريبة في المكان.

لتعرفوا ماذا حصل مع القائد تابعونا غداً...

أجزاء قصة علماء الفرح

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

المصدر:

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا

هنا