المعلوماتية > الذكاء الصنعي

تعليمُ الشبكاتِ العصبونية ما تذكرُ وما تنسى!

استمع على ساوندكلاود 🎧

تُعدُّ الذاكرةُ مورداً فائقَ الأهمية، فالجنسُ البشريُ طَّور آليته لتذكُّرِ المهارات المُهمِّةِ، ونسيانِ غير المفيدة منها، ولذلك أصبحت الآلاتُ اليوم  تُصمَّمُ على هذا النحو.

هل يمكن أن تتعلم الآلات ما يجب (ألّا) يُنسى؟

إنَّ حضورَ الآلاتِ اليومَ وأدائها في كثيرٍ من أنواع المهام أصبحَ أفضلَ بكثيرٍ من البشر انطلاقاً من الشطرنج ولعبة Go وصولاً إلى التعرُّفِ على الوجوهِ والأشياء.

ولكنَّ المهاراتِ المُكتَسبة قد تُمسَح ويُكتَبُ فوقها لسببٍ ما، وبغضِّ النظر عن مدى أهميتها، ولاتوجد تقنية حقيقية حاليّاً  يمكن استخدامها لتحديد الأولويات بين المهارات لمعرفة ما يجب تذكُّره وما يجب نسيانه.

ويبدو أنَّ تلك النظرةَ سوف تتغيرُ بفضل جهود الباحثة رهف الجندي وزملائها في جامعة Leuven في بلجيكا وباحثين في قسم الذكاء الصنعيّ التابع لفيسبوك، فقد أظهر أولئك الشبابُ أنَّ الأسلوبَ الذي تتبعه الأنظمة الحيوية في التعلم والنسيان يمكن أن يعملَ مع الشبكاتِ العصبونيةِ الصنعيةِ أيضاً.

والمفتاح لهذا كلِّهِ هو عمليةٌ معروفةٌ بِاسمِ التعلُّم الهيبيّ Hebbian learning، والذي طُرِح أوَّلَ مرَّةٍ في أربعينيات القرن الماضي من قِبَلِ الطبيبِ النفسيّ الكنديّ دونالد هيبّ Donald Hebb؛ شارحاً الطريقة التي يتعلّم بها الدماغ من خلال اللدونة (المطاوعة) المشبكيّة Synaptic Plasticity، ويُمكن أن تُلخَّصَ نظريةُ الدكتور Hebb بعبارة شهيرة :“Neurons that fire together wire together" .  وبعبارة أخرى؛ العملُ المتزامنُ المتكرِّرُ للعصبونات يجعل الترابطَ بينها أقوى وأصعب من أن يُكسَر (يُنسَى).

ولذلك عملت الجندي وزملاؤها على تطوير طريقةٍ لجعلِ الشبكات العصبونيّة الصنعيّة تتصرف بالطريقةِ ذاتها، وفعلوا ذلك عن طريقِ قياسِ خرج الشبكاتِ العصبونيّةِ ومراقبة حساسيتها للتغيُّراتِ الواقعةِ في روابطِ هذه الشبكة، وقد أعطاهم ذلك القدرةَ على تحديدِ معاملات (Parameters) الشبكةِ الأكثرِ أهميَّةً والتي يجب الاحتفاظ بها، وهكذا تمتلك الشبكاتُ الناتجةُ "ذاكرةً واعيةً للمشابكِ العصبيّةِ" على حدِّ تعبيرهم.

وفي هذا الإطار؛ وجد الفريقُ أنَّه يمكن الاستفادةُ من التعلُّمِ طويلِ الأمد، لأنَّه يعملُ عبر المَهامِّ والبيانات، ومن دون تخزينِ بياناتٍ قديمة، وذلك عن طريقِ مُراكمةِ المعرفةِ الناتجة عن تأديةِ مهامَّ مختلفة؛ أي يُدرَّبُ نموذجٌ واحدٌ لتأديةِ عدَّةِ مَهام بدلاً من مَهمَّةٍ واحدةٍ فقط.

كيف يحدثُ ذلك عملياً؟

توصّلتِ الجنديُّ وزملاؤها إلى التطبيق العملي لهذه الفكرة مع مجموعة من الاختبارات التي تدرّبُ الشبكةَ العصبونيّةَ على تأديةِ مَهمَّةٍ معيّنة، ثم اختبارِ أدائها على مَهمَّةٍ أُخرى غير تلك التي تدرَّبت عليها، فمثلاً؛ إنَّ شبكةً مُدرَّبةً على التمييز بين صورٍ لأنواعٍ مختلفةٍ من الزهور تُختبَرُ على التمييزِ بين أنواع الطيور، ثم تُعرَضُ عليها صور الزهور مجدّداً لمعرفة مقدار محافظتها على مهاراتها.

وفي هذه الاختباراتِ أبدَتِ الشبكاتُ العصبونيّةُ مع ذاكرةٍ واعيةٍ للمشابكِ العصبيّة (Memory Aware Synapses) أداءً أفضلَ من الشبكاتِ الأخرى، ما يعني أنَّ الشبكاتِ مع ذاكرةٍ واعيةٍ حافظت على مهاراتها الاصليّة أكثر من الشبكات العاديّة.

ولهذهِ التجارُبِ ومثيلاتِها آثارٌ مهمّةٌ على مستقبلِ التعلُّم الآلي، فإذا تمكَّنَ العلماءُ من تحسينِ نتائجِهم فسوف تصبحُ الآلاتُ أكثرَ مرونةً في التعلُّم وأكثرَ قدرةً على التكيّف مع العالِم الحقيقيّ.

المصدر:

هنا

هنا