العمارة والتشييد > التصميم المعماري

مجلس الأمّة الكويتيّ، لغةٌ حديثةٌ بمفرداتٍ محليَّةٍ

استمع على ساوندكلاود 🎧

مجمّع مباني مجلس الأمّة الكويتيّ المُصَمَّم من قبَل المعماريّ الدّنماركيّ Jorn Utzon الّذي يتمتّع بشهرةٍ عالميّةٍ نالها بعد ما اقترن اسمه مع مبنى دار أوبرا سيدني في أستراليا الّذي بات بمنزلة أيقونةٍ لمدينة سيدني بل لأستراليا قاطبةً. (رابط مقال دار أوبرا سيدني هنا )

صُمِّم مجمّع مباني مجلس الأمّة الكويتيّ عام 1972م بعد أن حاز المعماريّ على المرتبة الأولى في المسابقة المعماريّة الدّوليّة لتصميم مبنىً جديدٍ للمجلس المذكور، وافتُتِح المجمّع عام 1983م.

كان من الممكن أن يفسَّر قرارُ الاستعانةِ بمعماريٍّ أجنبيٍّ في مشروعٍ يتميّز بهويّةٍ ثقافيّةٍ كبيرةٍ على أنّه تصريحٌ سياسيٌّ قويٌّ معادٍ للوطنيّة كما كان الحال في تصميم أبنيةٍ حكوميّةٍ مختلفةٍ في العالم، ويجدُر بالذّكر هنا حصولُ المعماريّة زها حديد على الأولوّية في تصميم مجلس الشّعب العراقيّ على الرغم من فوز معماريٍّ أجنبيٍّ آخر في المسابقة. وفي الكويت وفي مثالنا هذا، حتّى لجنةُ التّحكيم كانت مؤلّفةً من أشخاصٍ أجانبَ؛ إذِ اختِيرَ ستّةُ مُداخِلين للحدث ذي الدّعوة الخاصّة من قِبَل لجنة تحكيمٍ دوليّةٍ أشرف عليها السّيّد Leslie Martin واختِير المعماريُّ Utzon من قِبَلهم ليباشر بتصميم مجلس الأمّة الكويتيّ.

موقع المبنى

يقع المجمّع على شاطئ الخليج، ويحمل هذا الموقعُ المختارُ دلالاتٍ كثيرةً للكويتِ، لأنّ أعمالَ كثيرٍ من الكويتيّين و حَيوَاتِهمُ ارتبطتِ ارتباطاً وثيقاً بالبحر وبيئتِه، لهذا نرى أنّ البحرَ حاضرٌ في التّصميم حضوراً بليغاً، ولا يمكن عزلُ المبنى المُصمَّمِ عن الخلفيّةِ البحريّةِ ذاتِها.

التّصميم

ينزَعُ المعماريّ إلى توظيف مفرداتٍ محدّدةٍ تُشكِّلُ بتآلُفِها الحلّ المعماريّ للمبنى، وبالإمكان قراءةُ أفكار المُصمِّمِ عن طريق رؤية المخطّطاتِ الابتدائيّةِ، إذ يحرص فيها على تجزِئةِ مبناهُ إلى عددٍ من المفردات مانحاً كلَّ مفردةٍ تشكيلاً خاصّاً بها: فثمّةَ مفردةٌ تشكيليّةٌ للمظلّة الخارجيّة وثانيةٌ للممرّ الوسطيّ الّذي يدعوه بـ(الشّارع الدّاخليّ)، وثالثةٌ خاصّةٌ بقاعة المجلس، ورابعةٌ للقسم الإداريّ المكتبيّ ذي الأفنية المختلفة، وبتجمّع هذه المفردات معاً يتشكّل الحلّ التّكوينيُّ العامُّ للمجمّع في شكلٍ هندسيٍّ منتظمٍ يشبه المربّع بمساحةٍ تُقَدَّر بـ56،250 مترٍ مربّعٍ موزَّعةٍ على دورَين مع طابقٍ تحتانيٍّ (نسوية).

المظلّة الخارجيّة

الصّفة المتميّزة في التّصميم صفُّ الأعمدة النّحيفة المرتفعة الّتي تمتدّ على طرفي ساحةٍ مفتوحةٍ مطلّةٍ على البحر لتدعمَ أسقُفاً ملتفّةً من البِيتُونِ تغطّي السّاحةَ بمنحنِياتٍ مثيرةٍ للاهتمام مُتألِّفةٍ من سلسلةٍ قشريّةٍ على شكل أنصاف دوائرَ مثبَّتةٍ بواسطة كابِلاتٍ معدنيّةٍ لتمتدّ برشاقةٍ من فوقِ الأعمدةِ حتّى أعلى المبنى مشكِّلةً سلسلةً بشكلها الطّبيعيّ.

يعتقد المعماريّ بأنّ الشّكلَ المتدلّي المشابهَ للقماشِ في السّقفِ يولّد إحساساً أنّ المجمّعَ كالخيمة، إذ يتّسم صفُّ الأعمدةِ المحاذي للخليجِ بارتفاعٍ أكبرَ من صفّ الأعمدةِ المجاورِ للمبنى الرّئيسيّ، ما يعطي شكلاً متدليّاً لمظلّةِ المدخلِ لتوحيَ بشكل الخيمة ذي الرّمزيّة الكبيرة لدى العرب البدوِ، وتستمرّ المظلّةُ بالارتفاع إلى أن تصلَ إلى محاذاةِ الخليجِ الكويتيّ أمامَ المجمّع. يأمل المعماريّ أن تكون مظلّةُ المدخلِ الواسعةُ حلّاً مقنعاً لإشكاليّةِ الانتقال من الخارج نحو الدّاخل، وأن تكون همزةَ وصلٍ بين البحرِ والصّحراءِ، ويَنشُد أن تكون تلك المظلّةُ الرّحيبةُ في منزلةِ ميدانٍ ظليلٍ يتفيّأُ تحتَه ناسٌ كُثُرٌ: حاكمون ومحكومون، مشرّعون ومنفّذون… تأكيداً على وظيفة المبنى ورمزيّته.

وكانت رغبة المعماريّ أن يبدوَ سقفُ المظلّة الضّخمة البيتونيُّ وكأنّه يتحرّك باتّجاه الرّياح، وحُقِّقت رغبته تلك على الرّغم من كتلة الجوائز الهائلة الّتي تزن 600 طنٍّ عن طريق الإبداع في استخدام المواد؛ فبِنيةُ الجوائزِ مُقوّاةٌ عن طريق توظيف هندسة القطع المكافئ المزدوج الّتي تنحني فيها المقاطع الفرديّة إلى الأعلى عموديّةً على منحني البِنية ككلٍّ ليُوزَّعَ حملُ كتلةِ الجوائز على نحوٍ يُشعِرُ النّاظرَ بانعدام وزنها وكأنّها قماشٌ على الرّغم من صلابة المادّة.

الفراغات الدّاخليّة

أمّا الجانب الأكبر من مساحات الاستخدام الحكوميّ فينحصر في بناءٍ أشدَّ تقليديّةً، وأشبهَ بالمستطيلِ، ذي سقفٍ مسطّحٍ، ويقع خلف ساحة المظلّة الضّخمة. هنا أيضاً نرى المعماريّ يتأثّر في تخطيطِه مسقطَ الأعمالِ الحكوميّةِ والممراتِ بنمطٍ محلّيٍّ مُتداوَلٍ في الأسواق العربيّة والفارسيّة التّقليديّة؛ فخطّطه على شكلِ شبكةٍ بسيطةِ الشّكلِ منظَّمةٍ تتجمّع الغرفُ والقاعاتُ فيها حول السّاحات المركزيّة الّتي تمثّلُ ساحات مناقشةٍ وتداولٍ للشّؤون بين النّاس وتخلُقُ وحداتٍ نموذجيّةً تتكرّر على طول الشّبكة.

تتكوّن العناصرُ في هذا الجزء من المبنى من مجموعةٍ صغيرةٍ من أشكال البيتون مُسبَقِ الصّبِّ، ما يُركّز النّظر على تواؤُمٍ مع طرق البناء المعاصِرة وصِلَةٍ واهيةٍ بالهويّة التّاريخيّة. وبالإمكان إضافة وحداتٍ تصميميّةٍ أخرى وفقاً لحاجة التّكوين الّذي يشبه هنا إلى حدٍّ كبيرٍ تكويناتِ المباني الإسلاميّة العظيمةِ وربّما أيضاً تخطيطَ المدن الإسلاميّة الّتي يتوسّع فضاؤها المكانيّ حَسَبَ هذا الأسلوب. يصف المعماريُّ عمارةَ التّكوينِ قائلاً: "(هي) العمارةُ الّتي تُعنى بنفسها، ذلك بأنّها تنمو عضويّاً تماماً كالأشجار".

ونلاحظ ضمن هذا التّصميم عنصراً تكوينيّاً آخرَ له أهمّيّةٌ خاصّةٌ لا تقلّ عن أهمّيّة المظلّة، ويمكن أن يوجَزَ ضمن المعالَجات المعماريّة لمجمّع مباني المجلس، ألا وهو الممرّ الدّاخليّ العريض الّذي يخترق المبنى كلَّه من أوّله إلى آخره. بدايتُه المدخلُ الواقع في الجهة الشّرقيّة الجنوبيّة، ونهايتُه نقطةُ الدّخول تحت المظلّة الكبرى؛ فهو في منزلة الشّريان الرّئيسيّ للمبنى بأكمله، فالمساراتُ الموصولة بمساحات المجمّع كلُّها تصبّ فيه وكذلك يُوصَل إلى تلك المساحات عبرَه.

يرغب المصمّم في تأكيد دور هذا العنصر التّصميميّ ضمن النّسيج التّكوينيّ العامّ للمبنى، لذلك حرَص على معاملته على نحوٍ خاصٍّ بدءاً من ارتفاعه الشّاهق الّذي يصل لارتفاعٍ أكبرَ من ارتفاع المبنى المتكوّن من طابقين، وانتهاءً باستقلاليّة المعالجة الإنشائيّة له. سقْفُ السّوق مصنوعٌ من جسورٍ نصفِ أُسطوانيّةٍ تتّكئ على أعمدةٍ نصفِ أُسطوانيّةٍ أيضاً تتوزّع على امتداد الشّارع على الجانبين، وقد جُعلت هذه الأعمدة مستدقّةَ النّهاياتِ عن طريق قَطْعِها على نحوٍ مائلٍ من أعلاها، كما هو الحال في المناطق الوسطيّة لجسور السّقف، وبهذه الطّريقة تبدو عناصرُ الشّارع العريض الإنشائيّةُ جميعُها أرقَّ وأرشق. وإذا علمنا أنّ التّباين في الارتفاع بين سقف السّوق وكتلة المبنى الرّئيسيّة قدِ استثمره المصمّم في الحصول على إنارةٍ طبيعيّةٍ، فيمكننا أن نتصوّر غزارةَ ضياءِ حُزَمِ النّورِ المُنسكبِ من الأعلى ودورِه في زيادة الإحساس برهافة أجزاء الحيّزِ المُبتدَعِ والشّعور بلاماديّتِه.

وفي تعامله مع هذه المفردة تصميماً، يتوق المعماريّ إلى تضمينها مفهوماً أعمقَ من أن تكون مجرّدَ ممرٍّ تقتصر وظيفتُه على الوصول إلى الفضاءات المقصودة بعجَلَةٍ ووضوحٍ كما هي وظيفة الممرّات عادةً؛ لذا صمّمه ليكونَ في منزلة مكانٍ مناسبٍ لالتقاء جميع العاملين في المجمّع و تبادُلِهِمُ الأحاديثَ. فهذا الممرّ -بعبارةٍ أخرى- بَهْوُ المجلس ورِواقُه الفسيحُ، ومن هنا جاءت أُلفَةُ الفضاء المُصمَّمِ وحميميَّتُه، فلا يشعر المرءُ في هذا المكانِ الأنيسِ بشعورِ (غُربةِ السّوق) كما سمّاه عالِمُ الاجتماعِ العراقيُّ عليٌّ الورديُّ، الشّعورِ الملازمِ مثيلَ هذا الممرِّ من الأماكن.

نقد المشروع

نوّه البروفيسور Lawrence Vale من MIT في نقده للمشروع إلى التّمييز الواضح بين الإيحاءات التّقليديّة للمبنى وما قد يصل إلى أكثرَ من مجرّدِ تفسيرٍ مناسبٍ للشّكل المستورَدِ الواضحِ؛ مُشيراً إلى الطّابع الفوضويّ المُميِّزِ للسّوقِ العربيَّ، والّذي أضعفَه استخدامُ الشّبكةِ المنتظمةِ ذاتِ الشّكل المعاصر، ما قد يفسَّر على أنّه اقتباسٌ من تخطيط المدن الرّومانيّةِ (الهيبوداميِّ) نظراً للمرجعيّة الغامضة لهذه الخطوط في تصميم المسقط وخاصّةً الفراغاتِ الدّاخلية. وعلاوةً على ذلك فإنّ المظلّةَ المنحنيةَ المشابهةَ للخيمة لا تحمل شيئاً من الطّابع البدويّ، الطّابعِ الّذي يميّزه الإحساس بعدم الاستقرار وعدم قدرة القماش على تأمين الحماية من البيئة في الخيام البدويّة.

لكنّه أشار إلى أنّ الشّكل العامّ للمظلّةِ المشابهَ لأشرعةِ السّفُنِ والتّجارةِ عبرَ البحرِ وتقاليد التّرحال في الصّحراء قد يحمل شيئاً من المفارَقات المناسبةِ –وإن كانت غيرَ مقصودةٍ- إذ قد يشير إلى النّجاح الثّقافيّ والاقتصاديّ لدولة الكويت الحديثةِ.

وعموماً عند النّظر إلى الأفكار الّتي حاول المعماريّ استقاءَها من الثّقافة الكويتيّة يعتقد بعضُ النّقادُ بعدمِ نجاحه في تجريد العناصر وتحديثها، ويمثّلون لذلك بالتّفاصيل المنخليّة على النّوافذ والأقواس المدبّبة وغيرها، فنراه تارةً يجرّدها إلى حدٍّ كبيرٍ ليصلَ إلى شكلٍ مستمَدٍّ من أعماله المعماريّة السّابقة عوضاً عن الوصول إلى مفردةٍ مستوحاةٍ من الخلفيّة الثّقافيّة الكويتيّة، وتارةً يستخدمها بكثرةٍ وحرّيّةٍ حدَّ المُغالاة.

ولكن من جهةٍ أخرى؛ وبرأي مُنظِّرِين آخرين؛ لا يمكن إنكار الحضورِ البصريِّ للمبنى على المستوى الإقليميّ، ما يدلّ على قدرة المعماريّ على التّنسيق ما بين نجاحه في المسابقة وتحقيق أهدافه التّصميميّة المتعارِضةِ معها، إذ يمكن أن نرى في عمارة مجمّع مباني مجلس الأمّة الكويتيّ صنيعاً اجتهاديّاً ناتجاً عن (وحدة اليدِ والعين)، الوحدةِ الّتي أبدعت لنا مبنىً عميقَ الأصالة تَشِيْ تكويناتُه بمعانٍ عديدةٍ، منها التّشديدُ على حضور المكان عن طريق توظيف العمارة الإسلاميّة في معالَجات المعماريّ التّخطيطيّةِ التّكوينيّة للتّصميم، ومنها أيضاً أنّ هيئتَه ستظلُّ باقيةً خارج الزّمن في حداثتها رغم أنّها في الوقت ذاتِه شديدةُ الانتماء إلى مكانها، المكانِ الّذي بات يمثّل لدى المعمار أحدَ مقوّماتِ التّصميم الأساسيّة.

في النّهاية نرى أنّ هذا المبنى السّياسيّ في الكويت يعكس في تفاصيله أشياءَ عدّةً أوّلُها التّوتّرُ بين المجتمع المحلّيّ والأجنبيّ، ومصدرُ القلقِ في بلدٍ من سكّانِه مَن هم مهاجرون مُنذُ أمدٍ بعيدٍ الّذي يظهر في سجلّ التّطوّر التّاريخيّ في عمارة الكويت والمنتَجِ الجديدِ المَصوْغِ فيها، وثانيها الصّراع القائم بين البِنية المعماريّة والِبنية السّياسيّة الّذي يظهر في التّنقّل بين التّصميم التّقليديّ التّاريخيّ وبين الفلسفة الغربيّة المستورَدةِ عن طريق إدارةِ المشروع وتصميمه.

الآن وبعد أن اطّلعتم على الآراء المتعارضة في هذا المبنى، شاركونا بآرائكم في التّصميم وبأيّ الآراء الواردة في المقال تؤيّدون أو تعارضون.

المصدر:

1- 

(السلطاني، خالد، 2007، تناص معماري-تنويع على تطبيقات المفهوم، سوريا، مطبعة المدى)

2- هنا