الاقتصاد والعلوم الإدارية > الأسواق المالية

الحلقة الرابعة - المشتقات المالية : عقودُ الخيارات

استمع على ساوندكلاود 🎧

بدايةً يجدرُ التأكيدُ مرةً أخرى على حقيقةِ أنَّ المشتقاتِ عموماً هي عقودٌ ذاتُ مخاطرَ مرتفعةٍ، قد يؤدي التعاملُ بها إمَّا إلى ربحٍ وفيرٍ، وإمَّا إلى خسارةٍ كبرى، وعقودُ الخياراتِ هي نوعٌ من عقودِ المشتقاتِ المالية التي تُستخدم للتحوُّطِ ضدَّ الخسارة، وكذلك تُستخدم للمضاربةِ على الأسعارِ (كنوعٍ من القمار)، وهي بطبيعةِ الحالِ عقودٌ ذاتُ مخاطرَ عالية؛ ممَّا يعني أنَّه يجبُ على كلِّ مَن يريدُ الاستثمارَ فيها أنْ يكونَ ملماً ومطَّلعاً على جوانبها كافة، وأنْ يدركَ آليةَ عملها والمخاطرَ التي قد تترتبُ على استخدامها استخداماً خاطئاً.

وعقودُ الخياراتِ هي عقودٌ تعطي صاحبَها الحقَّ ببيعِ أو شراء شيءٍ ما، بسعرٍ ووقتٍ قد اتُّفقَ عليهما مسبقاً، ولكنها لا تُلْزِمُه بالتنفيذ، إذْ إنَّ لصاحبِ الحق الخيارُ بالتنفيذ من عدمِه، وفي المقابل فإنَّ الخيار يكون مُلزِماً لمَن باعه؛ إذْ يجبُ على البائعِ تنفيذُ العقد إنْ رغبَ المشتري بالتنفيذ، وإلَّا فإنَّهُ سيُعرِّضُ نفسَهُ لكثيرٍ من المشكلاتِ القانونية، وسيحرمُ نفسَهُ من التداوُلِ في البورصة مرةً أخرى أيضاً.

وقد يقدّمُ المثال الآتي توضيحاً بسيطاً لآليةِ عملِ عقود الخيارات:

لنفترضْ أنكَ وجدتَ منزلَ أحلامِكَ لكنَّكَ تحتاجُ إلى ما يقاربُ ثلاثةَ أشهرٍ حتى تحصلَ على المالِ الكافي لدفعِ ثمنه، وتخافُ أنْ يُباع المنزل لغيرِكَ أو أنْ يرتفعَ سعرُهُ خلالَ الشهور الثلاثة القادمة، وفي هذه الحالةِ كلُّ ما عليك فعلُهُ هو الذهابُ لصاحب المنزل والاتفاقُ معه على أنْ يبيعَه لكَ بعدَ ثلاثة شهورٍ بسعرٍ تتفقانِ عليه اليوم، ولنقلْ أنَّ السعرَ المُتَّفَقَ عليه هو 200 ألف دولار أمريكي، ومقابلَ انتظارِ البائع لكَ وإعطائِكَ الحقَ بشراءِ المنزل بسعرٍ قد حُدِّدَ اليومَ فإنَّ عليكَ دفعُ مبلغِ 3000 دولارٍ أمريكي.

و بعد ثلاثةِ شهورٍ.. ستكون أمامَ احتمالَين:

1- إمَّا أنْ تكتشفَ أنَّ المنزلَ الذي قررت شراءَه  كان مكانَ ولادةِ إحدى الشخصياتِ المهمة، ممَّا يجعلُ سعرَه أعلى بكثيرٍ من السعرِ المُتفق عليه؛ كأنْ يكونَ سعرَه الحقيقي مليون دولارٍ أمريكي، مما يعني أنَّ شراءَكَ لهُ يعني ربحَكَ 797 ألف دولار أمريكي ($1 million - $200،000 - $3،000).

2- الحالةُ الثانيةُ أنْ تكتشفَ أنَّ المنزلَ الذي قررتَ شراءَه مشمولٌ في مخططِ المدينة لتوسيعِ الشارعِ العام، ممَّا يعني أنَّ شراءَك له سيؤدي إلى خسارةِ 200 ألف دولارٍ إضافةً إلى الـ 3000 دولار التي دفعتَها سابقاً، وفي هذه الحالة الأفضلُ لكَ ألّا تشتريَ المنزل.

وتجدرُ الإشارةُ إلى أنَّ عقودَ الخياراتِ لا تنحصرُ في عقودِ الشراء فحسبُ، بل تتعدّاها إلى عقود البيع، فعقدُ الخيار في مثالنا السابقِ عبارةٌ عن عقد خيارٍ بالشراء، ولكنَّهُ قد يكونُ في أحيانٍ أخرى خياراً بالبيع؛ كَأنْ يقوم مالكُ المنزل في الحالة السابقة بشراءِ خيار البيعِ من المُشتري ( بمعنى أنْ يملكَ الحق ببيعِ المنزل للمشتري بالسعر المُتفق عليه بينهما)؛ فعندها إذا ارتفعَ سعرُ المنزلِ فوقَ السعرِ المُتفقِ عليه بين الاثنين فإنَّ حامل الخيار ( صاحبَ المنزل)  لن يستخدمَ الخيار، بل سيبيعُ المنزلَ في السوق ويحقق ربحاً، أمَّا إذا انخفض سعرُ المنزل فإنَّ صاحبَ الخيار سيستخدمه ليبيعَ المنزلِ بسعرٍ أعلى من سعرِه في السوق، ويكونُ بذلك قد حققَ ربحاً.

ويتبيَّنُ لنا هُنا  أنَّ مشكلةَ التسعير غيرِ العادل قد حُلَّت، إذْ يملك حاملُ العقد الحقَّ في أن ينفّذ العقد أو يفسخه، وذلك خلافاً لما  يحدثُ في عقود المستقبليات المنظَّمةِ وغيرِ المنظمة التي تُوْجِبُ على حاملِ العقدِ أنْ ينفذَه سواءٌ أكانَ ذلك يصبُّ في مصلحتِهِ أمْ لا.

لغة التداول:

لكلِّ سوقٍ لغتُه ومصطلحاتُه الخاصة، لذلك  يجبُ على مَن يرغبُ الدخولَ في أيِّ سوقٍ أن يتعلَّم لغته؛ حتى يكونَ قادراً على التعاملِ معه بكفاءةٍ، ونعرضُ لكم مجموعةً من المصطلحاتِ المستخدمةِ في سوق الخيارات:

  1. سعرُ التنفيذ (Strike price): وهو مصطلحٌ يُستخدم للدلالةِ على سعر السلعةِ المرغوبِ بشرائِها أو بيعِها يومَ تنفيذِ العقد، لذا فإنَّ بعضَهم يُطلَق عليه أيضاً لقبُ (exercise price)، ويكونُ سعرُ التنفيذ مربحاً في عقودِ خياراتِ الشراء عندما يكون السعرُ في السوق أعلى من السعر المُتفق عليه في العقد، في حين يكونُ سعرُ التنفيذ مربحاً في عقود خيارات البيع عندما يكونُ سعرُ السوق أقلَّ من السعر المُتفق عليه في العقد.

  2. الخيارات المُدرجة في سوقِ التداوُل (listed options): هي الخياراتُُ المالية المُتَداوَلةُ في البورصات العالميةِ مثل الخياراتِ المتداولة في بورصة شيكاغو على سبيل المثال، ولهذا النوعِ منَ الخياراتِ سعرٌ ثابتٌ وتاريخُ صلاحيةٍ محدَّدانِ مُسبقاً.

  3. هناك ثلاثةُ مصطلحاتٍ تُستخدمُ لوصفِ العلاقةِ بينَ سعرِ البيع المُتفق عليهِ في العقد ( سعر التنفيذ) والسعرِ الحاليِّ للسلعة المُتفق على بيعها في السوق، وهذه المصطلحات كالتالي:

  1. في عقودِ خيارات الشراء نقول إنَّ العقدَ (In the money) إنْ كانَ سعرُ السلعةِ في السوق أعلى من السعرِ  المُتَّفَقِ عليه ( لتبسيط الفكرة: تخيلْ أنَّكَ اتفقتَ مع البائع على شراءِ درَّاجةٍ بعد ثلاثةِ شهورٍ بمئةِ دولارٍ، وفي يومِ تنفيذِ العقدِ كانَ سعرُ الدراجةِ في السوق مئتي دولار، هذا يعني أنك وفَّرتَ مئةَ دولار). أمَّا في عقودِ خيارات البيعِ فنقولُ إنَّ العقدَ (In the money) إنْ كانَ سعرُ السلعة في السوق أقلَّ من السعرِ المُتفق عليه (لو  كان بائعُ الدراجة في المثالِ السابق هو مَن اشترى خيار البيع منكَ، وكان الاتفاقُ بينكما على أن تشتريَ منهُ الدراجةَ بعدَ ثلاثةِ شهورٍ بمئةِ دولار، فإذا صارَ سعرُ الدراجة ِفي السوقِ خمسونَ دولاراً عندَها سيُطالبكَ البائعُ بتنفيذِ العقد وشراءِ الدراجةِ منهُ بقيمةِ مئةِ دولارٍ، وبهذا يكونُ قد حقَّقَ ربحاً).

  2. إذا تعادلَ سعرُ السلعةِ في السوق مع السعرِ المُتفق عليه في عقودِ خيارات البيعِ والشراء، فعندهَا نقولُ إنَّ العقدَ في حالة (At the money)؛ بمعنى آخَر؛ ليسَ هناكَ ربحٌ أو خسارة (إذْ تتعلقُ الخسارةُ بثمنِ العقدِ فقط؛ فقد اشتراهُ حاملُهُ بمبلغٍ من المال).

  3. يُقالُ عنِ العقدِ إنَّه (out of the money) في عقودِ خيارات الشراءِ إنْ كانَ سعرُ السلعة في السوق أقلَّ منَ السعر المُتفق عليه ( بمعنى آخَر؛ إذا كان سعرُ الدراجة في السوق يومَ تنفيذ الشراء أقلَّ من سعرها في العقد، فعندها لنْ يكونَ من صالحِ حاملِ العقد تنفيذُه، إذْ  إنه سيدفع سعراً أعلى من سعرِ السوق)، وفي المقابل يُقال عن عقودِ خيارات البيع إنَّها ( out of the money) عندما يكونُ سعرُ السلعة في السوق أعلى من السعر المُتفق عليه في العقد، فعندها لن يكون من صالح حامل العقد تنفيذُهُ؛ لأنَّ بيعَ السلعة في السوق سيعطي ربحاً أكبرِ من السعر المُتفق عليه يومَ العقد.

المراجع: 

1- هنا 

2- هنا 

3- هنا 

/p>