كتاب > روايات ومقالات

مراجعة رواية ظلّ الريح: مقبرةُ الكتبِ المنسيّة حيثُ يعودُ الماضي للحياة!

استمع على ساوندكلاود 🎧

يقدمُ لنا الكاتبُ كارلوس زافون تحفةً فنيّةً تترابطُ فيها الأحداثُ بدقةٍ وتداخلٍ كشبكةِ عنكبوتٍ تقبعُ في زوايا غرفتنا، وتتربَّصُ بنا كفخٍّ لذيذ!

تتألفُ الروايةُ من عشرةِ أجزاء غنيّةٍ بالأحداثِ الغامضةِ، ومليئةٍ بالشخصياتِ المميّزةِ الّتي نتعرفُ عليها على لسانِ دانيال بطلِ الروايةِ، إذ تبدأُ القصةُ فجرَ أحدِ أيامِ الصيفِ من عامِ 1945 في مدينةِ برشلونة الإسبانية وتحديداً في حيِّ "رامبلا دي سانتا مونيكا" عندما يُوقِظُ رجلٌ مسنٌ ابنَهُ دانيال ليذهبا معاً في رحلةٍ ستغيّرُ مجرى أحداث حياته للأبد!

ففي ذلكَ اليومِ يختارُ والد دانيال سيمبيري صاحبَ إحدى المكتبات في زقاق "سانتا آنا" كي يُطلِعَ ابنه على مقبرةِ الكتبِ المَنسيّة؛ تلكَ الكتبِ التي لم تلقَ الحظَّ الجيّد لتنتشرَ بين الناسِ أو لتشهرَ صاحبها، وكانتِ العادةُ أنّهُ وعند دخول أحدهم إلى هذه المقبرةِ أن يأخذَ كتاباً ليكونَ مُلكَهُ بعد أن يقطعَ عهداً على نفسه أن يحافظَ على الكتابِ وألا يفشي سرَّ مكانِ المقبرة لأيٍّ كان.

يختارُ دانيال كتابَ ظلِّ الريح للكاتبِ خوليان كاراكس وهو يشعرُ أنَّ الكتابَ قد اختاره لا العكس، وبعدَ أن يقرأه يتوّلدُ لديه فضولٌ داخليٌّ لقراءة ما تبقى من كتبِ خوليان فيلجأُ دانيال لجوستابو برسلوه صاحبِ أكبر مكتبة في برشلونة وأشدِّ مولعٍ بالكتبِ النادرة، فينتقلُ الفضولُ لبرسلوه عن مكانِ إيجادِ الكتاب؛ ليأتيَ الأخيرُ بمعلوماتٍ غريبةٍ عن وجودِ شخصٍ يُدعى لايين كوبرت يقومُ بحرقِ جميعِ نسخِ كتبِ خوليان ولا بدَّ أنَّ نسخةَ دانيال هي الناجيةُ الوحيدةُ!

ولكنَّ الأغربَ من هذهِ المعلومات عن حرقِ الكتبِ كلِّها هو أنَّ لايين كوبرت هو شخصيةٌ في روايةِ ظلِّ الريح، ويمثِّلُ الشيطانَ فيها؛ فمَن يتقمَّصُ شخصيةَ الشيطان ويلاحقُ كتبِ خوليان ليحرقها؟!

تمضي الأيامُ وتتوثقُ علاقةُ دانيال ببرسلوه بسببِ قريبتهِ كلارا، الفتاةِ الساحرةِ بجمالها والتي على الرغمِ من عماها والسنين التي تكبر دانيال بها؛ تُشعِلُ نارَ الحبِّ في قلبه لتنطفئَ في عيدِ ميلاده السادسِ عشر عندما يكتشفُ حبَّها لأستاذ البيانو الذَي كانَ يزورها مؤخراً.

وتتعقَّدُ أحداثُ الروايةِ كبلورٍ مكسور، ليظهرَ لايين كوبرت معترضاً طريقَ دانيال مُهدِّداً إيّاه، ممَّا يدفعُ دانيال لإرجاعِ الروايةِ إلى المقبرةِ، ثم تظهرُ شخصياتٌ جديدة كفيرمين روميرو دي توريس الذَي يساعدُ سيمبيري في البحثِ عن الكتبِ النادرة وأعمالِ المكتبةِ، ويغوصُ مع دانيال في تحليلِ غموضِ ظلِّ الريح وما يتبُعها من أشخاصٍ وأحداث، فتتداخلُ ذكرياتُ الكاتبِ خوليان مع أحداثِ حياة دانيال فيرى نفسه في رحلةٍ للوراء متتبِّعاً ذكرى خوليان وحبيبته بينلوب آلدايا وأصدقائِه خورخي آلدايا، وميغيل مولينر، وفرناندو راموس وخافير فوميرو؛ محاولاً كشفَ خبايا الماضي ودوافعَ لايين كوبرت لحرق الكتب، لتنضمَ أخيراً بياتريز آغويلار أختُ توماس رفيقِ دانيال إلى فريقِ كشفِ الغموضِ عن هذه القصة المثيرة، وبعدَ اقترابِ الفريقِ من الوصولِ إلى الحقيقةِ؛ تظهرُ نوريا مونفورت ابنةُ إسحاق أمينِ مقبرة الكتبِ المنسيّة، لتعودَ بنا إلى الماضي من طريقٍ آخر، فتنكشفُ تفاصيلُ جديدة وتغيِّرُ مسارَ الحقيقة مُعرِّضةً الفريق للخطر.

وتنتهي الروايةُ في قصرِ آل آلدايا حيثُ بدأت حكايةُ خوليان وبينلوب، وينقشعُ الضبابُ عن الأحداث ليختفي ظلُّ لايين كوبرت إلى الأبد.

لكارلوس زافون طريقةٌ شائقةٌ في جذبِ القارئِ، إذ تجدُ نفسكَ غارقاً في حلِّ أحجيةِ الأحداثِ مشتركاً في تفسيرِ اللغز الكامن في جميعِ الشخصيات، ففي هذهِ الرواية لن يمرَّ اسمٌ بالصدفة، فكلُّ شخصية تساهمُ في فسيفساءِ الأحداث، وتشاركُ في تلوينِ الغموضِ وإثارةِ الفضولِ والتعجبِ معاً.

روايةٌ تحملُ من الغموضِ ما يدفعكَ لقراءتها دفعةً واحدة، وتملكُ من السحرِ ما يجعلكَ تصدقَ فيه!

ومن الجدير بالذكرِ أنَّ لِروايةِ ظلّ الريح جزءاً ثانياً يُدعَى لعبة الملاك، وسنتناولُ مراجعةً عنه في مقالٍ آخر قريباً.

معلومات الكتاب: