الفنون البصرية > أيقونات فنية خالدة

أضحية إسحاق؛ الأشهر والأغرب على الإطلاق

استمع على ساوندكلاود 🎧

تعتلي وجهَه علاماتُ الخوف بينما يوشك أبوه على قطعِ عنقه ليتدخل الملاكُ مقترحاً عليه البديل…

“أضحية إسحاق" لـ كارافاجيو؛ أيقونةٌ تصوِّرُ لحظةَ استعداد إبراهيم للتضحية بابنه الوحيد طاعةً لأمر الله، وتجمعُ كذلك بين المشهد المريع في مقدمة اللوحة والطبيعة الساحرة في خلفيتها، وعلى الرغم من احتمال أن يكونَ الشابَّان في الخلفية اليُمنى مُرَافقَين لإبراهيم، لكنَّهما تُرِكا كشخصيتين غيرِ قابلتَين للتمييز ينتظران أسفلَ الجبل ريثما يضحي إبراهيمُ بابنه!

وتختلفُ اللوحة في بعض تفاصيلها عمَّا ورد في سفر التكوين 22، فبحسب التوراة؛ مدَّدَ إبراهيم ابنه إسحاق على كومةٍ من الخشبِ شبيهةٍ بالمذبح في نيةٍ لحرقه.

ويتدخلُّ الملاك في آخر لحظةٍ مُنقِذاً الابن من مصيره المحتوم؛ إذ ينادي إبراهيمَ، ويقدِّم له الكبش الذي ظهر لهم فجأةً كأضحيةٍ بدلاً عن إسحاق، ويتجسَّدُ الملاك جنباً إلى جنبٍ مع إبراهيم في واحدة من اللحظات المُفضَّلة في نظرِ كارافاجيو، فإنَّ لحظة تنفيذ الأضحية حاسمةٌ وفاصلةٌ ضمن مسار الأحداث، وتتميز كذلك بالطابع الدراميِّ ولاسيَّما عندما يقاطعها ظهورُ الملاك واستبدال الكبش بالابن المطيع.

يمدِّدُ إبراهيم ابنَه على المذبح، ثمَّ يشحذ نصل سكِّينِه مستعداً لقطع عنقِ إسحاق، وإذ بالملاك يندفع على وجه السرعة ليمنعَ الأبَ وينقذَ الابنَ في اللحظة المناسبة.

ويركِّزُ المشهدُ على يدِ الشيخ اليمنى وهي تحمل السكين بينما تتوجه نحوها الرؤوسُ الثلاثة، ويشكّلُ النصلُ الحدَّ الفاصلَ بين الشخصياتِ المستبدة على اليسار والضحايا على اليمين، بينما يمسكُ الملاك بيده اليمنى إبراهيمَ ليمنعهُ من ذبح ابنه. وتبدو كذلك بقيّةُ الأيدي في اللوحة أقلَّ أهميةً وتعبيراً؛ إذ تشيرُ يدُ الملاك اليسرى إلى إبراهيم الذي تُثبِّتُ يُسراه عنقَ إسحاق على المذبح بينما تختفي يدا إسحاق تماماً في دلالةٍ على عجزه التام.

وقد دفع وكلاءُ الكاردينال "مونسنيور مافيو باربريني" - والذي أصبح بابا فيما بعدُ - لكارافاجيو ليُنجز هذه اللوحة وربما لوحاتٍ أخرى لم تُحدَّد على أربع دفعات أُولاها في مايو 1603 وآخرها في يناير 1604، وتعدُّ دقة الوثائق المذكورة مفتاحاً لمعرفة الخط الزمني لهذا العمل الفنّيِّ وتطوُّره.

تتميز اللوحة بالتكوين الإفريزي الشكل الذي طوَّرَهُ كارافاجيو عن لوحته "جوديث"؛ إذ يبرزُ العمل في الجزء الأمامي من الصورة كإفريزٍ منحوتٍ، ويؤدِّي الضوءُ دوراً هامّاً في توجيه المشاهد لمسحِ المشهد من اليسار إلى اليمين، وذلك من خلال تسليطه على كتف الملاك ويده اليسرى، ووجه إبراهيم المتجهِّم، إضافةً إلى كتف إسحاق الأيمن ووجهِه المذعور، وأخيراً الكبش؛ الأضحية الجديدة، ليصلَ إلى مؤخرة عنق الملاك بجانب وجه إسحاق الذي يُشبِهه إلى حدٍّ ما.

وتجمع لوحة كارافاجيو بين الرعب والجمال؛ إذ نرى في مقدمتها النصلَ الحادَّ الموجَّه إلى الجانب المُضاء من كتفِ إسحاق، في حين يمتدُّ منظرٌ طبيعيٌّ خلّاب في خلفية اللوحة، والذي قد يكون لمحةً عن التلال الألبانية المحيطة بروما، ويُلاحَظُ التشابهُ بين شخصيتَي إبراهيمَ في لوحتنا هذه والرسولِ في خلفية لوحة "الشكوكية" والقديس متى الثاني.

وقد ظهر الملاك بجسده والضوء المحيط به شبيهاً بالشقيق الطاهر لـ "كابيتولين"، وسلبَهُ كارافاجيو ميزةَ الخلود عندما نزع عنه جناحَيه؛ فبدا فانياً وعارياً وضعيفاً، ما جعلَ اعتراضَه على تصرُّف إبراهيم غيرَ قابلٍ للتفسير في ضوء حالته تلك.

وفي النهاية؛ وعلى الرغم من مرجعيَّةِ القصة وورودها في العديد من النصوص القديمة، لكنَّها تبدو شبيهةً بالتهديدات الساخرة والألعاب الطفولية التي يشاركها الآباء مع أبنائهم حتى اليوم!

 

المصادر:

1 - هنا

2 - هنا

3 - هنا