البيولوجيا والتطوّر > بيولوجي

سمكُ الأنقليسِ الرَّعّاد... وحوشُ الأمازونِ القاتلة!

اسمُها ثعبانُ البحرِ الكهربائيّ (Electrophorus electricus) لكنَّها ليست ثعبانَ بحرٍ على الإطلاق، بل نوعٌ من سكينيّاتِ الشّكلِ الّتي تعيشُ في أمريكا الجنوبيّة؛ وتنتجُ حقولاً كهربائيّة، ولكنَّ معظمَ هذِه الحقولِ ضعيفةٌ، وتستخدمُها للتنقّلِ في المياهِ أو التّواصلِ مع الأقران فقط.

أمَّا النّوعُ الوحيدُ الّذي ينتجُ شحناتٍ كهربائيّةً عاليةً هوَ ثعبانُ البحرِ الكهربائيّ!

كشفُ اللّثامِ عن أسطورةٍ عمرُها 200 عام!

تقولُ الأسطورة: كانَ عالمُ الطّبيعةِ الألمانيّ ألكسندر فون همبولدت -في عامِ 1800 خلالَ موسمِ الجفاف-  في الأمازون لتوثيقِ أنواعٍ جديدة، وكان من بينِ اهتماماتِه الكثيرةِ الأنقليسُ الرّعَّاد (لا تنسوا أنَّ هذا كان في أوائلِ القرنِ التّاسعَ عشَر، إذ كانتِ الكهرباءُ جديدةً حينها)، والتقى ببعضِ سكّانِ الأمازونِ الّذينَ تكفّلوا بإحضارِ بعضٍ من هذه الأسماكِ له.

انطلقَ السّكّانُ الأصليّونَ على ظهورِ الخيلِ إلى البركِ الضّحلةِ والجداولِ -حيثُ يعيشُ الأنقليسُ الرّعَّاد- يتبعُهم هومبولت، وعندما نزلَ الصيّادونَ بخيولِهم في الجدولِ الضّحل؛ هاجمَت أسماكُ الأنقليسِ الخيولَ على الفورِ في حنجرتِها ما تسبّبَ في غرقِها في الماءِ وموتِها، ولكن في الوقتِ نفسِه خارَت قوى الثّعابينِ الّتي تعملُ كالبطّاريّاتِ الكهربائيّة؛ فالتقطَها السّكّانُ الأصليّونَ وعادُوا بها.

حقيقةٌ أم أسطورة؟

في السّنواتِ الّتي تلَت ذلك الحدث؛ نظرَ العلماءُ إلى هذِه القصّةِ بريبة ما دعاهم إلى التّحقّقِ من صحّتِها؛ فما كانَ منهم إلّا أن ثبّتوا مصابيحَ "لِيد" على رأسِ تمساحٍ مزيّفٍ وذراعٍ دعاميّ بلاستيكيّ، ثمّ غمروهما في حوضٍ مائيّ فيه سمكةُ أنقليسٍ حيّة؛ والنّتيجة؟ التقطتِ الكاميراتُ عاليةُ السّرعةِ ردّةَ فعلِ الأسماكِ المُذهلَةِ كما تَظهرُ في الفيديو التّالي:

كيفَ تولّدُ الأسماكُ التّيّارَ الكهربائيّ؟

تولِّدُ أسماكُ الأنقليسِ تيّاراتٍ كهربائيّةً كبيرةً بفضلِ جهازِها العصبيّ عالي التّخصّص؛ الّذي يتمتّعُ بقدرتِه على مزامنةِ نشاطِ الخلايا المُنتجَةِ للكهرباءِ الّتي تشبهُ الأقراصَ المرصوفةَ في عضوٍ كهربائيّ متخصّص.

ينتجُ الجهازُ العصبيُّ الكهرباءَ بوساطةِ نواةِ التّحكّمِ الّتي تُقرّرُ متى يبدأُ العضوُ الكهربائيّ بالعمل، فعندما يُعطَى الأمر؛ تتحقّقُ مجموعةٌ مُعقَّدةٌ من الأعصابِ من أنَّ آلافَ الخلايا تُفعَّل على الفورِ بغضِّ النّظرِ عن بُعدِها عن نواةِ التّحكّم.

وتحملُ كل خليّةٍ مُولِّدةٍ للكهرباءِ شحنةً سالبةً خارجَها أقلَّ بقليلٍ من 100 ميلي فولط ممّا هيَ عليه داخلَها، وعندما يصلُ الأمرُ من نواةِ التّحكّم؛ يُطلِقُ العصبُ الطّرفيُّ كميّةً ضئيلةً من الأستيل كولين (ناقلٌ عصبيّ) ما يؤدّي إلى خلقِ مسارِ عبورٍ ذي مقاومةٍ كهربائيّةٍ مُنخفضَةٍ تربطُ داخلَ الخليّةِ بخارجِها، ولذا تعملُ كلُّ خليّةٍ كبطاريّةٍ يحملُ جانبُها المُنشَّطُ شحنةً سالبة؛ في حينِ يحملُ جانبُها الآخرُ شحنةً موجبة.

ولأنَّ الخلايا مُوجّهةٌ داخلَ الجهازِ الكهربائيِّ كسلسلةٍ منَ البطّاريّاتِ المُكدَّسةِ في مصباحٍ يدويّ؛ فإنَّ التّيّارَ الّذي ولَّدتْهُ الخلايا المُفعَّلةُ "يصعقُ" أيَّ جسمٍ مجاورٍ غيرِ نشط، ما يؤدّي إلى انطلاقِ مسارٍ منَ التّنشيطِ يستغرقُ مسارُه اثنين ميلي ثانية أو قرابة ذلك، ويخلقُ الانطلاقُ المُتزامِنُ لهذا المسارِ تيّاراً قصيرَ الأجلِ يتدفّقُ على طولِ جسمِ الأنقليس.

ماذا تستفيدُ الأسماكُ من هذِه الميزة؟

استعاضَت هذِه الأسماكُ ليليّةُ النّشاطِ عن رداءةِ بصرِها بجهازِ توليدِ الكهرباءِ لتحديدِ موقعِ فرائسِها المُختبئَة، فأسماكُ الأنقليسِ الرّعّاد حسّاسةٌ لحركةِ المياه، وعندما تريدُ معرفةَ مكانِ الفريسة؛ ترسلُ إشارةً تؤدّي إلى انقباضٍ سريعٍ في جسمِ فريستِها؛ ما يولّدُ حركةً في المياهِ تستشعرُها أسماكُ الأنقليس فتحدّدُ بذلك مكانَها وتبدأُ هجومَها عليها لالتقاطِها.

لِمَ لا تتأثّرُ الأسماكُ نفسُها بهذا التّيّار؟

بالطّبعِ فإنّ التّيّارَ الّذي تتلقّاهُ أيّةُ فريسةٍ صغيرةٍ ليسَ سوى جزءٍ صغيرٍ من إجماليّ التّيّارِ الّذي تُولّدُه أسماكُ الأنقليس، ومع ذلك؛ فإنَّ التّيّارَ الّذي يُفرَّغُ في أجسامِها الصّغيرةِ أكبرُ بكثيرٍ نسبيّاً، فمثلاً الفريسةُ الّتي تصغرُ سمكةَ الأنقليسِ بعشرِ مرّاتٍ طولاً تصغرُها 1000 مرّةٍ في الحجم، ولذلك فإنّ الحيواناتِ الصّغيرةَ القريبةَ من الأنقليسِ تنصعقُ كهربائيّاَ بينما لا يُؤثّرُ ذلك على السّمكةِ نفسِها.

في المرّةِ القادمةِ عندما تذهبُ في رحلةٍ إلى الأمازون، خُذْ حذرَك من هذِه الأسماك، فعلى ما يبدو أنّها لا تحبُّ المُزَاح!

المصادر:

 هنا

هنا

هنا

هنا