العمارة والتشييد > التصميم المعماري

تحفةٌ في الجبال: Meritxell Sanctuary ديرُ ميريتكل

استمع على ساوندكلاود 🎧

وضعَ تالر Taller في عامِ 1974م خطّةَ إعادةِ بناءِ ديرِ ميريتكسل Meritxell في أندورا Andorra*، وذلكَ بسببِ اشتعالِ النّيرانِ فيهِ سنةَ 1972م في مساءِ مناسبةٍ شعبيّة، مؤدّيةً إلى دمارِه وتحوُّلِه إلى آثارَ محروقة، ولم ينجُ منه سوى المحراب، والعقدِ أعلى المذبح، وبرجِ الجرس.

كان هدفُ المهمّةِ إعادتَهُ إلى سكّانِ المنطقةِ كمركزٍ دينيٍّ وثقافيّ، ولكنْ لا يمكنُ اختزالُ هذِه المهمّةِ بمجرَّدِ عملٍ أثريّ يعيدُ الحجارةَ المتناثرةَ والمُهدَّمَةَ إلى وضعِها السّابق، وكذلك ليسَ ممكناً تجاهلُ طابعِ المنطقةِ المعماريِّ والطّبيعيِّ وتأثيرِهما، فقرّر تالر Taller تشييدَ كنيسةٍ جديدةٍ مفرداتُها مستوحاةٌ من العمارةِ الرّومانسكيّةِ في الهيكلِ الأساسيّ، ولكنْ بتطبيقِ تقنيّاتِ البناءِ الحديث.

يُعدُّ المبنى بحدّ ذاتِه تراكُبَاً للنّسبِ الهندسيّة وتقنيّاتِ البناءِ والهندسةِ الجديدة، واستُلهمَ التّصميمُ من مصادرِ العمارةِ الرّومانسكيّةِ الأصليّةِ عبرَ النّمطِ الفيثاغورثيّ الحديث؛ كاستخدامِ المربّعاتِ والدّوائرِ معَ لمحاتٍ من عمارةِ مودجار الكتالونيّة Catalan mudèjar.

اتُّخذَ المسارُ التّاريخيُّ للعمارةِ الرومانسكيّةِ كمرجعٍ نظريٍّ في قرارِ إعادةِ البناء، في حين طُبِّقَت تقنيّاتُ البناءِ الحديثةِ عمليّاً؛ والّتي كانَت ضروريّةً لمجاراةِ الرّؤيةِ الموضوعةِ للمشروع؛ وتجاوزَت برنامجَه الأصليّ، إضافةً إلى تصميمِه كبنيةٍ مقاومةٍ للتّدهورِ البيئيّ في تلكَ المنطقةِ الواقعةِ خارجَ التّخطيط، وعاكسةٍ في الوقتِ ذاتِه ماضيَ المنطقةِ (أندورا).

إنّ العنصرَين الرّئيسيّين في هذا المشروعِ هما الدّيرُ والجسر، إضافةً إلى بعضِ العناصرِ الأُخرى ذاتِ الأهميّةِ الرّمزيّةِ مثلَ المُدرَّجِ المُقعَّر، والدّرجاتِ الضّخمة، والجسرِ الّذي يَعلو الطّريق، وأبراجِ التّسلُّق، والمنحدر، وعقودِ الأقواس، والمسرحِ المُحدَّب، والينبوعِ المُتدفِّق، والأعمدةِ المنحوتةِ، والطّريقِ عبرَ الغابة.

بُنيَ الدّيرُ معَ كلِّ توابِعِه الّتي ذُكرت إضافةً إلى الأقواسِ غيرِ المُكتملةِ؛ والّتي تُعدُّ رمزاً لاستمراريّةِ البناءِ المُتوقَّعةِ، وتطلُّ على الوادي لتترابطَ مع الجسرِ الّذي سيُبنَى مستقبلاً.

وصُمِّم محيطُ الدّيرِ فيما بعدُ في مشروعٍ مُنفصِل، إذ شَملَ التّصميمُ الأسطحَ المُعبَّدة، والممرّات، والدّرابزينات، والمنحدرات، ومواقفَ السيارات، وعملَ تصميمُ اللاندسكيب Landscape على إعادةِ زراعةِ المناطقِ الرّيفيّةِ المُحيطةِ؛ وإعادةِ تشكيلِ وتحديثِ المباني القديمةِ والمهجورةِ في المنطقةِ لاستخدامِها كمُنشآتٍ داعمة.

وتجمعُ رسوماتُ المشروعِ بينَ المسقطِ والمقطعِ والواجهةِ تخطيطاً مُتناغِماً؛ يقومُ على الأعدادِ الرّمزيّةِ والعلاقةِ بينَ القياساتِ الأساسيّةِ في الموقعِ وفي البرنامجِ التّصميميّ.

فمنَ الخارج؛ تبدو استمراريّةُ المبنى واضحةً من خلالِ مفرداتِ العمارةِ الرّومانسكيّة، والّتي تُبيِّنُ انتماءَه إلى الجبلِ الأسود، متداخلاً مع الغطاءِ النّباتيِّ المُميَّزِ في تلكَ المنطقة.

ويندمجُ المبنى ضمنَ القريةِ الصّغيرةِ الّتي يقعُ فيها؛ ليتوافقَ مع الفلسفةِ المعماريّةِ للمعابدِ في أندورا Andorra على الرّغمِ من مقياسِه الكبير.

إنّ الرّحلةَ منَ البيئةِ الجبليّةِ للمنطقةِ عبرَ البّواباتِ الحجريّةِ السّوداءِ لصالةِ الانتظارِ؛ دخولاً إلى المبنى بتركيبتِه اللّونيّةِ المُميّزةِ؛ تُحاكِي تعاقبَ الفصولِ في أندورا، إذ تغيّرُ كلٌّ من ثلوجِ الشّتاءِ ونباتاتِ الصّيفِ بيئةَ الموقعِ تماماً؛ وتؤثّران بقوّةٍ على الدّراما المعماريّةِ داخلَ المبنى.

وقد كانَ الهدفُ منَ استخدامِ الغلافِ النّحاسيِّ على جميعِ الأسطحِ غيرِ السّوداءِ أو البيضاء؛ إدخالَ لونٍ ثالثٍ على التّصميم؛ لونٍ مناسبٍ وملهمٍ لسمفونيّةِ الطّبيعةِ الجبليّة.

وقد شُيِّدَت عقودُ الأديرةِ والقبواتِ الإسطوانيّةِ المتقاطعةِ للكنيسةِ أصلاً من الخرسانةِ المُغطّاة -نظامُ سانت مارتن دو كانيغو Saint Martin du Canigou لإنشاءِ العقودِ الخرسانيّةِ من القرنِ الثّامنَ عشر- لكنّها بُدِّلَت الآنَ إلى دعاماتٍ معدنيّةٍ مُنحنيةٍ خفيفةِ الوزن، أسطحُها مغطّاةٌ بالخشبِ الرقائقيّ plywood، شيءٌ أقربُ إلى إنشاءِ الطّائراتِ أكثرَ منهُ لفنِّ المنطقة، ولكن لا يمكنُ تمييزُها بصريّاً، وكذلك فإنّها سريعةُ التّركيبِ ورخيصةُ الثّمن.

الجدرانُ الحجريّةُ بسماكةِ 1م تقريباً، بُنيَت من قبلِ بنّائي منطقةِ Galicia الّذينَ يعملونَ في فصلِ الصّيفِ في أندورا ويعودونَ إلى ديارِهم في فصلِ الشّتاء، وقد استُخرجَتِ الحجارةُ منَ الموقعِ وبنيَ بها جدارٌ داعمٌ وجهُه الدّاخليُّ من الطّوب، ثمّ أُكسِيَت من الدّاخلِ ببلاطٍ رخاميّ.

يتقدّمُ زائرو الدّيرِ من فراغٍ كبيرٍ يليهِ فراغٌ أصغرُ منه مساحة، ويساهمُ كلٌّ من تراكبِ اللّونَينِ الأسودِ والأبيض وتداخلُ الضّوءِ والظّلِ في إعطاءِ جماليّةٍ تُضفِي طابعاً روحيّاً مميّزاً.

وكذلك فإنّ الأبوابَ والنّوافذَ جميعَها مغطّاةٌ بحجرٍ صناعيٍّ أبيضَ مجهَّزٍ في المصنع، واستُخدِمَتِ المادّةُ ذاتُها للأقواسِ الّتي مُلِئَت بالزّجاجِ دونَ الحاجةِ إلى إطار.

وقد استُخدِمَ الطّوبُ الخفيفُ لبناءِ برجِ الجرسِ معَ موادَّ ربطٍ خرسانيّة، واستُخدِمَ النّحاسُ في إكسائِه من الدّاخل؛ وذلكَ لإعطائهِ تأثيرَه الصّلب، وأمّا فيما يخصُّ السّردابَ المواجهَ للجبل فقد حُوِّلَ إلى قاعةٍ عامّة.

تُعبِّرُ الأقواسُ النّحتيّةُ العائمةُ الّتي وُضعَت حولَ المبنى عن استمراريّةِ كِلَا الاتّجاهَين لمفهومِ المساحةِ غيرِ المُكتملَة؛ فيبدو وكأنّ المبنى العضويّ يفوقُ سيطرةَ البنّائينَ عليه.

وينبثقُ مصدرُ إلهامِ هذا التّصميمِ من التّصميمِ الخارجيّ الرّائعِ الّذي لم يكتمِلْ للصّحنِ الكنسيّ في كاتدرائيّة سيينا Sienna Cathedral، ومن تصميمِ شاطئِ أتارازاناس الملكيِّ Royal Atarazanas Gothic ذي الطّابعِ المعماريِّ القوطيّ في برشلونة.

فهل تمكّنَ المعماريُّ من إضافةِ رونقٍ خاصٍّ مُتجدّدٍ حيويٍّ يُغنِي القيمةَ التّاريخيّةَ للمبنى؟ وما الّذي لفتَ انتباهَكم من المنحى التّصميميِّ للمبنى؟ شاركونا آراءكم.

*أندورا  Andorra: إمارةٌ أوروبيّةٌ صغيرةٌ مستقلّة؛ تقعُ ضمنَ سلسلةِ الجبالِ الفاصلةِ بينَ فرنسا وإسبانيا، وعاصمتُها Andorra la Vella، ولغتُها الرّسميّة هي الكتالونيّة، وعددُ سكّانِها 72000 نسمةٍ بحسبِ إحصاءِ عامِ 2016.

المصادر:

هنا

هنا

هنا