الاقتصاد والعلوم الإدارية > الأسواق المالية

الحلقةُ الثّانية: المشتقّاتُ الماليّة - نبذةٌ تعريفيّة

هناكَ جزءٌ منَ المخاطرةِ في كلّ حركةٍ نقومُ بها يوميّاً، فعندما تقودُ سيّارتَك -على سبيلِ المثالِ- فأنتَ مُعرَّضٌ لمخاطرَ عديدةٍ مثل حوادثِ الاصطدامِ بسيّاراتٍ أُخرى، أو توقّفِ سيّارتِك عنِ العمل، ممّا يعني تأخُّرَك عن صفقةٍ مهمّةٍ، وغير ذلك منَ المخاطرِ الّتي لا تعدُّ ولا تُحصَى.

لكنّ أحدَ أهمِّ المخاطرِ الّتي يتعرّضُ لها العالمُ اليوم هو التّقلّباتُ السِّعريّةُ النّاجمةُ عن كثيرٍ من العوامل، كالتّضخّمِ النّاجمِ عنِ الإفراطِ في طباعةِ العملةِ الورقيّة، والحروبِ الّتي لا تُبقِي ولا تَذَر، إضافةً إلى الظّروفِ السّياسيّةِ المُحيطَة، والتّقلّباتِ الجويّةِ والمناخيّة، فهلْ نقفُ مكتوفِي الأيدي أمامَ هذِه المخاطرِ الّتي تحيطُ بنا؟ أمْ أنّ علينا العملَ على إيجادِ وسيلةٍ للحدّ منها؟

إنّ ما قامَ بهِ علماءُ الهندسةِ الماليّةِ من إيجادِ آليّةٍ للحدِّ من مخاطرِ التّقلّباتِ السّعريّةِ لَأمرٌ يستحقّونَ الثّناءَ والشّكرَ عليه، إذ ساعدَتِ الآليّةَُ الّتي أوجدَها هؤلاءِ العلماءُ في الحدِّ منَ الخسائرِ الماليّةِ على الأصعدةِ المحليّةِ والدّوليّةِ كافّة.

فقد قامَ التّاجرُ الّذي ذكرناه في مقدّمةِ المقالِ بالحدِّ من خسارتِه من خلالِ دخولِه في عقدٍ من عقودِ المُشتقّاتِ الماليّةِ المُسمّاةِ بالمُستقبليّات.

تقومُ عقودُ المستقبليّاتِ على مبدأ الاتّفاقِ على السّعرِ المستقبليّ اليوم!!! فكيف يُعقَدُ هذا الاتّفاق؟

يحتاجُ التّاجرُ في مثالِنا السّابقِ إلى مليونِ دولارٍ أمريكيّ بعدَ ستّةٍ أشهرٍ من تاريخِ عقدِ الصّفقة، ويساوي سعرُ الدّولارِ في تاريخِ توقيعِ العقدِ 50 ليرةٍ سوريّة، لكنَّ التّاجرَ يخشى تقلّباتِ سعرِ الصّرفِ؛ فقد يصبحُ الدّولارُ الواحدُ مساوياً 100 ليرةٍ أو أكثر؛ ممّا يكلّفُ التّاجرَ كثيراً من الأموال، لهذا السّببِ يدخلُ أحدُ المستثمرينَ ذوي الخبرةِ في التقلّباتِ السّعريّة في عقدِ صرفٍ مع التّاجرِ مفادُه الآتي:

يقومُ المستثمرُ بتوفيرِ مبلغِ مليونِ دولارٍ للتّاجرِ بعدَ ستّةِ أشهر، على أن يكونَ سعرُ صرفِ الدّولارِ مقابلَ اللّيرةِ السّوريّةِ مساوياً 75 ليرة، ممّا يعني أنّ على التّاجرِ أن يدفعَ لهذا المستثمرِ 75 مليون ليرةٍ سوريّةٍ مقابلَ الحصولِ على مليونِ دولارٍ أمريكيّ.

وبهذا يكونُ التّاجرُ قد حدّ من خسارتِه المُحتملَة، فلو انخفضَ سعرُ الدّولارِ مقابلَ اللّيرةِ وأصبحَ الدّولارُ الواحدُ مساوياً 40 ليرة؛ عندَها يكونُ التّاجرُ قد دفعَ زيادةً وقدرُها 35 مليونَ ليرةٍ، وهي  خسارةٌ كبيرةٌ بالنّسبةِ إليه، بينما تعدُّ ربحاً من وجهةِ نظرِ المستثمر، أمّا لو ارتفعَ سعرُ الدّولارِ وأصبحَ مساوياً 100 ليرةٍ سوريّة؛ فعندها يكونُ التّاجرُ قد احتفظَ بـ 25 مليونِ ليرةٍ سوريّة، ويكونُ المستثمرُ قد خسرَ 25 مليونَ ليرةٍ سوريّة.

المُشتقّاتُ الماليّة Derivatives:

يعدُّ عقدُ الصّرفِ الّذي أُبرِمَ بينَ التّاجرِ والمستثمرِ أحدَ عقودِ المشتقّاتِ الماليّة، والّتي تُستخدَمُ لإدارةِ المخاطرِ الماليّة.

يجري خلالَ هذِه العقودِ عملياتُ بيعِ وشراءِ المخاطرِ الّتي قد يتعرّضُ لها أصلٌ ما، إذ تعطي المُشتقّاتُ الماليّةُ مالكَها الحقّ في شراءِ أو بيعِ سلعةٍ أو أصلٍ معيّنٍ بالسّعرِ المُتّفِقِ عليه بينَ طرفي العقد.

وسُميّت المُشتقّاتُ بهذا الاسمِ لأنّ سعرَها مُشتقٌّ من سعرِ الأصولِ الّتي تقومُ عليها هذِه الأدواتُ الماليّة، ومن أشهرِها: الأسهم، وأسعارُ الفائدة، ومؤشّراتُ الأسواق، والبضائع، وغيرُ ذلك من الأصولِ الأُخرى الّتي تقومُ عليها المُشتقّات.

ومن أشهرِ أنواعِ المُشتقّات: المُشتقّاتُ المُستقبليّة، ومُشتقّاتُ الخيارات، ومُشتّقاتُ المبادلات.

وتعدُّ هذِه المشتقّاتُ عقوداً يمكنُ تداولُها بيعاً وشراءً على اعتبارِها أصولاً ماليّةً لها قيمتُها، وما يجري في هذِه العقودِ هو بيعُ الحقّ -حقُّ الشّراءِ أو حقُّ البيع- وفي الحقيقةِ لا قيمةَ لهذِه العقودِ بحدِّ ذاتِها، وإنّما تستمدُّ قيمتَها من قيمةِ أصولٍ أُخرى.

استخداماتُ المُشتقّات:

تُستخدمُ المشتقّاتُ الماليّةُ لثلاثةِ أمورٍ وهي: إدارةُ المخاطر، والمضاربةُ، والمُراجَحة، وتعدُّ إدارةُ المخاطرِ الوظيفةَ الأساسيّةَ الّتي وُجدَت لأجلِها المُشتقّات، إذ يجري عبرَها التّعاقدُ على بيعِ وشراءِ المخاطرِ التّابعةِ لأصلٍ ما، وذلكَ بنقلِ المخاطرِ المُتوقّعةِ من صاحبِ الأصلِ إلى أحدِ المستثمرين، فإن صدقَتْ توقّعاتُ المستثمرِ فيكونُ قد حقّقَ ربحاً وفيراً، وإلّا فإنّه سيخسرُ خسارةً كبيرة.

إنّ احتماليّةَ الرّبحِ أوِ الخسارةِ في المُشتقّاتِ الماليّةِ جعلَت منها أداةً من أدواتِ المُضاربَة، فعلى سبيلِ المثالِ لو توقّعَ أحدُ المستثمرينَ أنّ سعرَ صرفِ الدّولارِ مقابلَ اللّيرةِ -الّذي كانَ مساوياً 50 ليرة- سيرتفعُ ويصبحُ 150 ليرةٍ للدّولار الواحد؛ فسيهرعُ إلى شراءِ مُشتقّاتٍ ماليّةٍ تضمنُ لهُ حقّ شراءِ الدّولارِ بقيمةِ 100 ليرةٍ بعدَ ستّةِ أشهر، فلو صحّت توقّعاتُه وأصبحَ الدّولارُ مساوياً 150 ليرةٍ؛ فعندَها يكونُ قد حقّقَ ربحاً مقدارُه 50 ليرةً للدّولارِ الواحد، لكن لو حدثَ العكسُ وبقيَت اللّيرةُ على حالِها فإنّهُ سيخسرُ 50 ليرةً عن كلّ دولار.

تجدرُ الإشارةُ إلى أنّ المُضاربةَ على أسعارِ السّلعِ يؤثّرُ كثيراً على أسعارِها انخفاضاً أو ارتفاعاً، فلو فرضْنا أنّ سعرَ برميلِ النّفطِ يساوي 50 ليرةً اليوم، وأنّ أحدَ المُضاربينَ في سوقِ المُشتقّاتِ الماليّة يتوقّعُ أن يصبحَ سعرُ برميلِ النّفطِ 100 ليرةٍ بعدَ شهرينِ منَ الآن؛ فسيقومُ هذا المستثمرُ بشراءِ مشتقّاتٍ ماليّةٍ تعطيه الحقّ بشراءِ برميلِ النّفطِ الواحدِ بسعرِ 70 ليرةٍ سوريّة، ممّا يعني أنّه لو أصبحَ سعرُ البرميلِ 100 ليرةٍ بعدَ شهرينِ فسيربحُ المستثمرُ 30 ليرةً في البرميلِ الواحد.

وفي الواقعِ لن يكونَ المستثمرُ هو المضاربَ الوحيدَ على الأسعار، وإنّما سيكونُ هناكَ المئاتُ مثلُه، ممّا يعني أثراً أكبرَ على سعرِ برميلِ النّفطِ في السّوق، إذ سيقومُ كثيرٌ من تجّارِ النّفطِ بتخزينِه ترقُّباً لارتفاعِ سعرِه كي يقوموا ببيعِه بالسّعرِ المرتفع، ممّا يعني بالضّرورةِ ارتفاعَ أسعارِ النّفط ( قلّةُ المعروضِ في السّوقِ يؤدّي إلى ارتفاعِ الأسعار)، وهذا مثالٌ بسيطٌ جدّاً، إذ إنّ ما يحدثُ في الواقعِ أمرٌ أضخمُ وأكبرُ من أن يُوصَف.

إنّ اختلافَ أسعارِ السّلعِ من سوقٍ إلى آخرَ - سواءٌ بسببِ عمليّاتِ المُضاربةِ على أسعارِ السّلعِ أم غيرِها من الأسباب - يتيحُ الفرصةَ أمامَ المستثمرينَ للاستفادةِ من فروقِ الأسعارِ هذِه.

إذ يقومُ المستثمرونَ بشراءِ سلعةٍ ما منَ السّوقِ الّذي يعرِضُها بسعرٍ مُنخفِض، ثمّ يقومونَ ببيعِها مباشرةً في السّوقِ الّذي تُبَاعُ فيه السّلعةُ ذاتُها بسعرٍ أعلى، ممّا يعطِيهم الفرصةَ لربحٍ مضمونٍ خالٍ من المخاطرة.

ويستمرُّ المستثمرونَ بالقيامِ بهذِه العمليّةِ إلى أن يُصبحَ سعرُ بيعِ السّلعةِ في كلا السّوقينِ واحداً وذلكَ بناءً على قانون السّعرِ الواحد، والّذي يعني حرفيّاً حدوثَ توازنٍ سعريّ بينَ السّوقين، ممّا يعني انعدامَ فرصةِ المستثمرينَ منَ الاستفادةِ من فروقاتِ الأسعار.

أنواعُ المُشتقّاتِ الماليّة:

للمُشتقّاتِ أربعةُ أنواعٍ شهيرة، سنتحدّثُ عنها بإسهابٍ في الحلقاتِ القادمةِ مع مثالٍ توضيحيّ لكلّ نوعٍ منها:

النوع الأوّلُ هو العقود الآجلة، أو المُستقبليّاتُ غيرُ المنظّمة؛ والّتي تُباعُ حسبَ اتّفاقِ البائعِ والمُشترِي forwards، أمّا النّوعُ الثّاني فهو تلكَ العقودُ المُنظّمةُ الّتي تُبَاعُ في بورصةِ المُشتقّاتِ الماليّة ويطلق عليها عقود المستقبليات futures. والنّوعُ الثّالثُ منَ المُشتقّاتِ يسمّى الخيارات (options)، أمّا النّوعُ الرّابعُ والأخيرُ فهو عقودُ المُبادَلات (Swaps).

مصطلحاتٌ ماليّة:

المُراجحة (Arbitrage): عمليّةٌ يجري خلالَها شراءٌ وبيعٌ لسلعةٍ في وقتٍ واحد، تجري في هذِه العمليّةِ الاستفادةُ من اختلافِ سعرِ السّلعةِ بينَ سوقٍ وآخر.

عمليّاتُ المُراجحةِ قليلةٌ جدّاً اليوم وذلك بسببِ تطوّرِ التّقنيات، والّتي ساعدَت على رصدِ وإزالةِ الفروقاتِ السّعريةِ للسّلعِ الأساسيّةِ المُختلفةِ والأصولِ الماليّةِ حولَ العالمِ في غضونِ ثوانٍ معدودة.

المراجع:

1- هنا

2- هنا

3- هنا

4- هنا

5- هنا